فن التفاوض

عادةً ما يتم الربط بين فن إدارة التفاوض وعالم التجارة والأعمال ولكن في الحقيقة فإنّ نطاق هذا الفن يتسع لما هو أبعد من ذلك بكثير فهو يؤثر في العلاقات الأسرية والحياة الخصية، والتفاعلات الاجتماعية، فمهارة إدارة الاختلاف أكبر من أن تكون مجرد مهارات تجارية، إنّها مهارة أساسية للتعامل مع تحديات الحياة اليومية ولا يوجد إنسان على هذه الأرض لا يحتاج إلى هذا الفن طالما أنّه يعيش مع غيره من البشر، لذلك فمهما كان موقعك أيها القارئ فأنت ستحتاج حتماً إلى إتقان هذا الفن لتحقيق النجاح سواء في عملك أو مع أسرتك أو في حياتك الاجتماعية والعملية بوجه عام.



هدف هذه الحلقات أن تأخذ بيديك خطوة بخطوة نحو إتقان مهارات التفاوض لتكون بإذن الله مفاوضاً فعالاً قادراً على إدارة أي اختلاف مع الآخرين تتعرض له في مجتمعك الذي تعيش فيه، وفي هذه الحلقة نحاول أن نجيب على هذا السؤال الهام:

1. ما هو التفاوض؟

كمدخل لإتقان هذا الفن، وللإجابة على هذا السؤال: تدبر معنا في هذا الموقف الطريف:

استعد خالد لحضور حفل الخريجيين الخامس الذي تقيمه كليته، وخطّط من أجل ذلك لكل شيء، ترتيبات السفر وملابس الحفل وترتيب الارتباطات الاجتماعية وغير ذلك، ولكن مع الأسف اكتشف مديره في العمل وجود تضارب في جداول الإجازات، حيث وجد المدير أن خالد وزميله سمير طلبا الحصول على إجازة لمدة أسبوع في نفس الفترة، بينما تحتاج الشركة إلى وجود أحدهما على الأقل في تلك الفترة، وفي محاولة من المدير لتجنب اتخاذ القرار الصعب بشأن تحديد أي منهما يجب عليه أن يغير موعد إجازته، طلب من خالد وسمير أن يسويا هذه المسألة فيما بينهما.. فماذا يمكنهما أن يفعلا؟.

وبالإجابة على هذا السؤال الأخير يمكن تعريف فن التفاوض.

إقرأ أيضاً: 8 أخطاء قاتلة يرتكبها رواد الأعمال أثناء التفاوض

تعريف التفاوض:

طلب من تسعة أشخاص أن يعرف كلّ منهم: ما هو التفاوض؟

فكانت إجابتهم على النحو التالي:

  1. التباحث مع الطرف الآخر من أجل المساومة أو التجارة.
  2. التغلب على العقبات لإتمام صفقة.
  3. مناقشة الخيارات من أجل الوصول لاتفاق.
  4. إحراز تقدم نحو هدف أو غاية مشودة.
  5. التوصل لحل مشكلة مقبولة لدى الطرفين.
  6. معرفة ما يرغبه فيه الشخص الآخر ثم جعله يعتقد بأنّك توفر له ما يريده.
  7. الدخول في صراع للإدارات أو منافسة لاثبات أي الطرفين أكثر ذكاء وفطنة.
  8. محاولة نيل ما تريده.
  9. إقناع شخص ما بالتصرف كيفما تريد أو مجاراة أفكارك.

تأمل معنا في هذه التعريفات. ما هي الآراء المشتركة التي تضمنتها؟

تجد أنّها تشترك في الإشارة إلى وجود أكثر من شخص في التفاوض، كما تشير إلى حدوث عملية اتصال بين الأشخاص،

ثم ما هي الفروق الرئيسية التي تلاحظها في هذه التعريفات؟

تجد بعضها يتمحور حول مفهوم التعاون، بينما يشير البعض الآخر إلى مفهوم المواجهة، وهذا ما هو نريد أن نوضحه أولاً قبل أن نصل للتعريف العلمي الدقيق لمفهوم التفاوض.

مفهوم المواجهة:

يعتقد بعض الناس أن التفاوض أشبه بلعبة شد الحبل حيث يوجد فائز واحد في التفاوض، ممّا يعني أن يكون الطرف الآخر هو الخاسر ولابدّ، وقد يكون هؤلاء عدوانيين يميلون بطبعهم للدخول في مشاحنات، فيرون في التفاوض فرصة لاختبار قوة بأسهم وإظهار تفوقهم، أو قد يكون هذا المفهوم الخاطئ للتفاوض قد تكون لديهم نتيجة لبعض التجارب الشخصية التفاوضية أحسوا فيها كما لو كانوا قد خدعوا أو بدوا أقل ذكاء من الطرف الآخر، ولكننا نقول:

إنّ التفاوض الفعال ليس عملية مواجهة، ليس مباراة ملاكمة ذهنية يرفع فيها أحد الطرفين قفازه عالياً مبتهجاً بالنصر عندما يسقط الطرف الآخر على الأرض.

فليس هناك حاجة على الإطلاق إلى أن ينطوي التفاوض على الخصومة أو العداوة.

مفهوم التعاون:

وثمة مفهوم آخر للتفاوض، فكثير من الناس يعتقدون أن التفاوض هو وسيلة للتوصل لاتفاق، وهؤلاء يكونون ميالين بطبعهم للحلول الوسط، فهم لا ينظرون للأمور من جهة وجود منتصر وخاسر ولكن من جهة وجود رضا متبادل وفوز لكلا الطرفين، وهذا هو المفهوم الصحيح للتفاوض والذي يقوم على اعتباره تعاوناً لا مواجهة، فهو فرصة للعمل المشترك بين طرفين لتحقيق هدف لا يستطيع أحدهما إنجازه بمفرده.

التعريف العملي للتفاوض:

ولنعد الآن إلى العناصر المشتركة في تعريفات العينة نجد أن هناك بعض الكلمات الرئيسية وهي: عمل ـ عملية ـ الاتصال ـ مقبول ـ حلول ـ خيارات. وهذه الكلمات تؤلف فيما بينهما التعريف العلمي المختار لعملية التفاوض وهو: 'التفاوض هو عملية اتصال بين شخصين أو أكثر يدرسون فيها البدائل للتوصل لحلول مقبولة لديهم أو بلوغ أهداف مرضية لهم'.

إقرأ أيضاً: 10 نصائح تساعدك على امتلاك مهارات التفاوض

2. من يقوم بالتفاوض؟

تأمّل معي في القائمة التالية، وفي ضوء التعريف العملي للتفاوض حدّد أي هؤلاء يقوم بالتفاوض: المحامي، الطالب الجامعي، مدير الشركة، الأزواج، العملاء، الأصدقاء، العائلات، الدول، القادة، الأبناء الأطفال والمراهقون، الآباء، المشترون، البائعون، المرؤوسون... وانطلاقاً من تعريفنا العملي للتفاوض فإنّ كل فرد في القائمة المذكورة يقوم بالتفاوض في وقت ما، ومن ثم بإمكانك القول بكل ثقة إن كل الناس يتفاوضون.

3. أين تجري المفاوضات؟

إنّ المفاوضات يمكن أن تجري في أي مجال للأعمال: متجر سيارات، مكتب محاماه، مكتب للعقارات، أو حتى متجر لبيع الملابس الجاهزة، كما يمكن أيضاً أن تتم المفاوضات فيما بين أفراد الأسرة الواحدة في المنزل أو بين الأصدقاء في البيئات الاجتماعية الأخرى.

وباختصار فإنّ المفاوضات يمكن أن تجري في أي مكان تقريباً. 

4. ما هي المواقف التي تحتاج إلى تفاوض؟

تأمّل معي في المواقف الثلاثة الآتية والتي تحتاج إلى تفاوض:

1ـ التخطيط للخروج في نزهة مع صديقك في عطلة نهاية الأسبوع، أنت تريد الذهاب إلى حديقة الحيوان، بينما هو يريد الاستمتاع بالشاطئ.

2ـ أردت أن تزيد من دخلك فطلبت من مديرك أن يزيد مرتبك لكنّه لم يبد استعداداً لمنحك الزيادة في مرتبك الشهري.

3ـ عندما تريد أمريكا من إيران الحد من تسليمها النووي.

لا شك أن كل هذه المواقف الثلاثة السابقة تحتاج إلى التفاوض ولكن ما هو الرابط بينهما؟ إنّ المفتاح هنا هو كلمة الصراع، فإنّ أي موقف يكون فيه صراع حقيقي أو خيالي بين شخصية أو أكثر يصبح مهيئاً لحدوث التفاوض، فعندما يتقابل الناس لصياغة العقود أو إتمام معاملات البيع أو الشراء أو تسوية الخلافات أو تطوير علاقات العمل يبرز التفاوض كعنصر جوهري، فكل شيء قابل للتفاوض.

إقرأ أيضاً: لماذا بعض الناس بارعون جداً في التفاوض!

5. الداعي إلى التفاوض؟

إنّ التفاوض يعدّ طريقة متحضرة لتسوية الصراع، وعلاوة على ذلك فهو عبارة عن مهارة تمكّنك من النجاح في كل من حياتك العملية وحياتك الشخصية عن طريق مساعدتك على تحقيق أهدافك وغاياتك وتلبية احتياجاتك.

انعش ذاكرتك قليلاً:

تذكّر معي كافة المفاوضات التي أجريتها في حياتك الشخصية والعملية، حاول أن تحدّد النسبة بين مفاوضاتك الناجحة وتلك التي فشلت فيها، هل تود أن تحسن هذه النسبة لصالح مفاوضاتك الناجحة، لا شك أنّك ترغب في ذلك، والأمر سهل ميسور لكنّه يحتاج منك إلى شيء من الجهد والجدية في العمل والتطبيق، ومهمتنا في هذه الحلقات أن ندلك على السبيل إلى ذلك، ولكن عليك أنت سلوكه، فبمقدار ما تسير معنا يكون مقدار نجاحك بإذن الله تعالى.

 

المرجع: فن الإدارة: الوطن العربي




مقالات مرتبطة