فضل صيام يوم عرفة

يُعتبر يوم عرفة من أعظم أيام السنة بالنسبة للمسلمين كافةً، وذلك لأنّ الله سبحانهُ وتعالى خصّ هذا اليوم بالكثير من البركات والفضائل التي لم يخص بها باقي أيّام السنة، ويأتي يوم عرفة في اليوم التاسع من ذي الحجة، هذا اليوم الذي يسيرُ به الحجاج للوقوف على صعيد عرفة يتعارفون على بعضهم البعض، وعلى ربهم، فهو يوم تتنزل فيه الرحمات، وتعتق فيه الرقاب، وتغفر فيه الذنوب.



1- ما هو جبل عرفة وسبب تسميته؟

جبل عرفة أو عرفات هو جبلٌ مبارك يقع في السعودية شرق مكة المُكرمة وعلى بعد حوالي عشرين كيلو متر منها، ولعرفات أربعة حدود الأول ينتهي إلى حافة المشرق، والثاني إلى حافات الجبل الذي وراء منطقة عرفات، والثالث إلى البساتين التي تلي قرية عرفات، والرابع ينتهي إلى وادي عرنة، وتُقام على هذا الجبل المبارك أحد أهم أركان الحج وهو الوقوف على صعيد عرفة، وذلك لأنّ الحج لا يصحُ بدون هذا الركن.

وقد تعدّدت الروايات حول سبب تسمية عرفة بهذا الاسم، لكن الروايتين الغالبة صحتهما أن أبو البشر آدم التقى مع حواء وتعارفا بعد خروجهما من الجنة في هذا المكان ولهذا سمي بعرفة، والثانية أن جبريل طاف بالنبي إبراهيم فكان يريه مشاهد ومناسك الحج فيقول له: "أعرفت أعرفت؟" فيقول إبراهيم: "عرفت عرفت" ولهذا سميت عرفة.

2- أعمال المسلم يوم عرفة

  1. الإكثار من التضرّع إلى الله سبحانه وتعالى والذكر وخصوصاً شهادة التوحيد لحديث عبد الله بن عمرو أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.)
  2. التوجّه إلى الله سبحانه وتعالى وطلب التوبة منه عن كل ما مضى.
  3. الإكثار منَ الدُّعاء بالمغفرة والعِتْق من النيران في هذا اليوم.
  4. قراءة القرآن، والحرص على اغتنام الوقت، والدعاء بما تحب من خيري الدنيا والآخرة رافعاً يديك مستقبلاً القبلة.
  5. الذُّل والانكسار بين يدي الله عَزَّ وجل واستحضار عظمة اليوم بتذكّر فضله ومكانته عند الله.
  6. الإحسان إلى الفقراء والمحتاجين ومساعدتهم.
  7. تجنُّب الحديث عن الناس بالسوء والتزام الصمت والعبادة.
  8. تجنُّب اقتراف الذنوب والوقوع في المعاصي التي تحول بينك وبين المغفرة كالكبر والاختيال والإصرار على الكبائر.
  9. القيام بصلاة النوافل والصيام بان تُبيِّت نية صيام يوم عرفة من الليل، فصيامه يكفّر سنةً قبله وسنةً بعده وذلك لغير الحاج.
  10. أداء صلاة الجماعة في المسجد، والتبكير إليها، والجلوس بعد الفجر لذكر الله للرجل في المسجد وللمرأة في مصلاها في البيت.
  11. الإكثار من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وخاصة التكبير وذلك بالتكبير المطلق في العشر والتكبير المقيد بأدبار الصلوات من بعد فجر يوم عرفة.

3- فضل يوم عرفة

  1. أنّ الله أقسم به، قال تعالى: ﴿وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ﴾ [البروج: 3]، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ المشهُودَ يومُ عَرَفَةَ) رواه الطبراني في الكبير، وحسنه الألباني.
  2. أنّه يوم عيد، لقول ابن عباس في الآية: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾، قال: (فإنها نَزَلَتْ في يومِ عِيدينِ في يومِ جُمُعَةٍ ويومِ عَرَفَةَ) رواه الترمذي وصحَّحه الألباني.
  3. أنّه أحد أيام عشر ذي الحجّة، وقد قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (ما العَمَلُ في أيَّامٍ أَفضَلَ منها في هذهِ؟ قالُوا: ولا الجهادُ؟ قالَ: ولا الجهادُ، إلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطِرُ بنفسِهِ ومالِهِ، فلَم يَرْجِع بشيءٍ) رواه البخاري.
  4. أنّه يومُ العتقِ من النار قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (ما مِن يومٍ أَكثرَ من أنْ يُعتِقَ اللهُ فيهِ عبداً من النارِ مِن يومِ عَرَفَةَ، وإنهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُباهي بهِمِ الملائكةَ فيقُولُ: ما أرادَ هؤلاءِ) رواه مسلم.
  5. يُكفر ذنوب السنة التي قبلهُ والسنة التي بعده، حيث أن صومه أفضليوم يُصام تطوّعاً، قال صلى الله عليه وسلم: (صيامُ يومِ عَرَفَةَ أحتَسِبُ على اللهِ أن يُكَفِّرَ السنةَ التي قَبْلَهُ، والسنةَ التي بَعْدَهُ) رواه مسلم.

وصيام يوم عرفة إنّما يُشرّع لغير الحاج، أما الحاج فلا يشرع له ذلك اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد شرب صلى الله عليه وسلم بعرفة والناس ينظرون إليه، وما ذلك إلا ليتقوى الحاج على الذكر والدعاء عشية عرفة.

  1. فرصة ليتقرب بها الإنسان إلى رب العالمين، فالدُّعاءَ فيه هوخيرُ الدُّعاءِ وأفضلُه وأجوَبُه، قال صلى الله عليه وسلم: ((خيرُ الدُّعاءِ دُعاءُ يومِ عرفةَ، وخيرُ ما قُلتُ أنا والنبيُّونَ من قبلي: لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ وهوَ على كُلِّ شيءٍ قديرٌ))، رواه الترمذي وحسنه الألباني.
  2. إنَّ إدراكَ الحجِّ بالوقوفِ بعرفة: قال صلى الله عليه وسلم: (الْحَجُّ عَرفَةُ)، رواه الترمذي.
  3. يباهي الله بأهل عرفات، قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ يُباهي بأهلِ عَرَفَاتٍ أهلَ السماءِ، فيقُولُ لَهُمْ: انظُرُوا إلى عِبادِي جَاءُوني شُعْثاً غُبْراً) رواه البيهقي وصحَّحه النووي.

وروى ابن عبد البر في "تمهيده" من رواية أنس رضي الله عنه، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الخيف قاعداً، فأتاه رجل من الأنصار، ورجل من ثقيف، فذكر حديثاً فيه طول، وفيه: (وأما وقوفك عشية عرفة، فإنّ الله يهبط إلى سماء الدنيا، ثم يباهي بكم الملائكة، فيقول: هؤلاء عبادي جاءوني شعثاً سُفْعاً، يرجون رحمتي ومغفرتي؛ فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل، وكعدد القطر، وكزَبَد البحر، لغفرتُها، أفيضوا عبادي مغفوراً لكم، ولمن شفعتم له).

  1. رُوي عن سالم بن عبد الله بن عمر أنّه رأى سائلاً يسأل يوم عرفة، فقال: يا عاجز! في هذا اليوم تسأل غير الله.

وخطب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بعرفة، فقال: إنكم قد جئتم من القريب والبعيد، وأنضيتم الظهر - أي: (أتعبتم رواحلكم)، وأخلقتم الثياب - أي: (أبليتم ثيابكم)، وليس السابق اليوم من سبقت دابته وراحلته، وإنما السابق اليوم من غُفر له.

إقرأ أيضاً: فضل يوم عرفة على الحجاج والمسلمين

5- دعاء يوم عرفة

روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه اجتهد في الدعاء والذكر في هذا اليوم حتى غربت الشمس وذلك بعد ما صلى الظهر والعصر جمعًا وقصرًا في وادي عرنة، ثم توجه إلى الموقف فوقف هناك عند الصخرات وجبل الدعاء، ويسمى جبل إلال، واجتهد  في الدعاء والذكر رافعاً يديه مستقبلاً القبلة وهو على ناقته.

وقد شرع الله سبحانه لعباده الدعاء بتضرع وخفية وخشوع لله رغبة ورهبة اليه، وهذا الموطن من أفضل مواطن الدعاء، قال الله تعالى: ((ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)) [الأعراف:55]، وقال تعالى:] واذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ [(الأعراف:205).

وقد روى الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)).

و ورد عن الإمام أحمد أيضا عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: ((كان أكثر دعاء النبي يوم عرفة، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)).

وقد اختلف العلماء هل هذا الفضل للدعاء يوم عرفة خاص بمن كان في عرفة أم يشمل باقي البقاع، والأرجح أنّه عام، وأن الفضل لليوم، ولا شك أنّ من كان على عرفة فقد جمع بين فضل المكان وفضل الزمان.

إقرأ أيضاً: أهمية وفوائد الدعاء وأسرار قبوله

وإنّ يوم عرفة يوم عظيم وله منافع كبيرة على المسلمين، لذلك على المسلم استغلال هذه اللحظات، بالاجتهاد في العبادات، والحرص على الطاعات، والإكثار من الدعاء والذكر والتلبية والاستغفار والتضرع وقراءة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

 

وأخيراً نتمنى من الله سبحانهُ وتعالى أن يغفر لنا ولكم، وأن يرزقنا جنة الفردوس والنعيم.




مقالات مرتبطة