فحص الجينات ليس وأداً للبنات

 

الكشف الجيني يحدد جنس الجنين

اليوم سيكشف الطبيب للزوجين عن سر خطير، فبعد أن قاما بكل مراحل عملية أطفال الأنابيب، حانت لحظة النتائج، فقد أظهر الكشف الجيني للبويضات الملقحة خلو الجنين من أي تشوهات أو عيوب خلقية، وبالرغم من ذلك تلخص هدف الزوجين في معرفة جنس الجنين، وبالتالي اختيار الإبقاء عليه إن كان ذكرًا، والتخلص منه إذا كانت أنثى.

 



أثارت الممارسات السابقة موجة ضخمة من الاعتراضات من قبل اتحاد المصريين في أوروبا، فاعتبره رئيس الاتحاد الدكتور عصام عبد الصمد في تصريح لجريدة "المصري اليوم" "وأدًا للبنات" وعودة إلى عصر الجاهلية، وذلك في العدد الصادر بتاريخ 1/6/2007.

وأعلن الدكتور أن الاتحاد قرر شنّ حملة مناهضة لهذا الاتجاه؛ لما فيه من تنافي مع أخلاقيات المهنة، إلى جانب أن قيام الاتحاد بإعداد مذكرات لإرسالها إلى كل من شيخ الأزهر، ووزير الصحة، ونقيب الأطباء؛ بهدف تنسيق الجهود بين الاتحاد والمؤسسة الدينية والحكومة والمجتمع المدني في مصر ضد التلاعب بكرموسومات الأجنة. ورأى أن إساءة استخدام التقنية على هذا النحو جريمة يؤثمها القانون البريطاني.

 

موقف الدين

"أن يقال إن اختيار جنس الجنين بهذه الوسائل وأد.. فهذا من قبيل عدم المعرفة"، قالها بمنتهى الحزم الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، وتابع كلامه: "الوأد لا يكون إلا لجنين نفخ فيه الروح، وهناك نص شرعي يدل على جواز اتخاذ الوسائل التي من شأنها اختيار جنس الجنين"، واستدل الدكتور على ذلك بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "... فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له، وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها".

وأكد في ختام حديثه أن هذا العمل لا يُعَدّ وأدًا وليس بالفعل المحرم قائلاً: "أجمعت المجامع الفقهية على جواز استخدام هذه التقنية في تحديد جنس الجنين".

وبالإضافة إلى الرأي السابق أوضح الشيخ العلامة يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بأنه قد يرخص الدين في عملية اختيار الجنس، ولكنها يجب أن تكون رخصة للضرورة أو الحاجة المنزلة منزلة الضرورة، وإن كان الأسلم والأولى تركها لمشيئة الله وحكمته (وربك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة).

بداية الكشف الجيني

التشخيص الجيني لما قبل عملية غرس الخلايا المعروف بـ P.G.D  له قصة، بدأت عندما اكتشف زوجان أمريكيان من ولاية "كولورادو" أن ابنتهما "موللي" مصابة بمرض وراثي خطير يطلق عليه "أنيميا فانكوني" يتسبب في حدوث أنيميا واضطرابات مصحوبة بنزيف ومشكلات حادة في جهاز المناعة، ويؤدي هذا المرض النادر إلى إصابة الأطفال باللوكيميا ومضاعفات أخرى تودي بحياتهم في سن لا تتجاوز السابعة من العمر في معظم الحالات.

وقد حاول الأطباء في البداية اللجوء لعمليات زرع النخاع لعلاج الطفلة، إلا أن جميع المحاولات التي جرت فشلت في علاج الحالة. وسمع الأبوان عن تقنية طبية حديثة كانت لا تزال تحت التجربة ويتم فيها إجراء "مسح جيني" بالغ الدقة للأجنة الناتجة عن أسلوب أطفال الأنابيب، بحيث لا يتم غرس الخلايا المخصبة في رحم الأم إلا بعد التأكد من خلوها من الأمراض التي يخشى منها على حياة الطفل.

 

ولأول مرة في تاريخ الطب في العالم يتم إجراء "مسح جيني" دقيق للخلايا الجنينية المخصبة بطريقة أطفال الأنابيب للتأكد من خلوها من المرض القاتل. وأخفقت 4 محاولات متتابعة، ولكن لم يفقد الأبوان الأمل. وبعد ذلك، أعاد الدكتور "تشارلز أستروم" أحد علماء مركز "ألينوي" الطبي في "شيكاغو" المحاولة مستخدمًا أسلوب التشخيص الجيني، ونجحت التجربة وولد الطفل الذي اختار له والده اسم "آدم" في 29 أغسطس 2000. وفي 26 سبتمبر التالي للولادة تم تتويج الحدث العلمي عندما قام الأطباء بالتقاط خلايا من الحبل السري للوليد "آدم ناشي" وحقنوها في دماء أخته "موللي" بمستشفى جامعة "فيرفيو" بمدينة "مينيا بولي سوهو" أحد المراكز المتخصصة في عمليات زرع النخاع.

 

وأكد الأطباء أن "موللي" لم تصب بأية مضاعفات من جراء العملية وأنها أصبحت في منتهى الصحة والنشاط. ويقول العلماء: إن استعمال هذه التقنية الجديدة مثّلت فرصة للشفاء والنجاة لها، تبلغ نسبتها حوالي 90%.

 

أطفال تفصيل حول العالم

وشهد مطلع عام 2002 ولادة أول طفل بريطاني "تفصيل" تم اختيار صفاته الوراثية لتوفير نخاع عظمي لشقيقه المريض. ولم تنتقل تقنية التشخيص الجيني للأجنة إلى بريطانيا، وإنما قام زوجان بريطانيان بالسفر إلى الولايات المتحدة طلبًا للعلاج تجنبًا للقوانين البريطانية المتشددة الخاصة باختيار الصفات الوراثية، ورغبة في إنجاب طفل له صفات وراثية تلائم ابنهما المريض باللوكيميا (سرطان الدم).

 

وسريعًا ما وصلت أخبار هذه التقنية المثيرة إلى فرنسا، وبالفعل وضعت سيدة فرنسية في نهاية العام نفسه ابنها الأول المعافى من خلل جيني تعرض له إخوته السابقون وماتوا بسببه. والطفل في حالة جيدة ولا يحمل الجين القاتل كما حمله إخوته السابقون؛ لأن الأطباء تمكنوا من استبعاده قبل الحمل به بطريقة الفحص الجيني لما قبل الزرع.

ولا تسمح بريطانيا ولا فرنسا بإجراء الأبحاث والتجارب الخاصة بالجينات الوراثية، ولكن الأطباء الفرنسيين استعانوا بالتجربة الأمريكية المشابهة، وهذا ما دعاهم إلى التفكير في طلب الإذن في إجراء مثل هذه الأبحاث لما يعتقدونه من ضرورة إنقاذ المواليد والأمهات من أضرار صحية مؤكدة.

وانتقلت التقنية بسرعة شديدة إلينا في الدول العربية والإسلامية، وولدت أول طفلة خالية تمامًا من الأمراض الوراثية في شهر مارس (2003) ‏في مصر. وقامت الدكتورة "رجاء منصور" إحدى رائدات أطفال الأنابيب في مصر‏ بفحص الأجنة قبل نقلها إلى رحم الأم؛ لتجنب مرض وراثي يحمله الأب المصاب بخلل في الكروموسومات أدى إلى إصابته بالعقم، وتمت العملية بنجاح كبير وولدت الطفلة بدون أمراض وراثية‏.‏

 

حتى الهند

"هل تريد أن ترزق بصبي؟"، "اختر جنس مولودك القادم"، "هل تريد معرفة ما إذا كان مولودك ذكرًا أم أنثى الآن؟".. هذه هي نصوص الإعلانات المنشورة في بعض المجلات التي تصل للمهاجرين الهنود في الولايات المتحدة وكندا بشأن إمكانية إجراء عمليات طبية للأزواج؛ لتحديد جنس المولود الذين يرغبون في إنجابه.

وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في عددها الصادر الخميس 16-8-2001: إن تلك الإعلانات التي تنشرها مجلتي INDIA ABROAD وINDIAN EXPRESS  تعتبر غير مسموح بها في الهند، حيث تحظر نيودلهي منذ 7 سنوات إجراء أي عمليات طبية خاصة بتحديد جنس المولود؛ وذلك لعدم تشجيع النساء على إنجاب الذكور فقط دون الإناث.

 

وأضافت الصحيفة أن المهاجرين من الهنود الذين يرغبون في إنجاب الأبناء الذكور يتدافعون على المراكز الطبية الأمريكية لاختيار جنس المولود من خلال تقنية طبية، تتمثل في إمكانية فصل الحيوانات المنوية التي تحمل الكروموسوم الذكري (Y) قبل إتمام عملية الإخصاب من الحيوانات المنوية التي تحمل الكروموسوم الأنثوي(X) .

ويقول د. "أندرو سيلفرمان" طبيب في معهد تحديد الجنس في ولاية "مانهاتن" الأمريكية: إن جماعات المهاجرين المتواجدة في الولايات المتحدة من الصين وشبه القارة الآسيوية يفضلون إنجاب الذكور دون الإناث. مشيرًا إلى أنهم يشكِّلون نسبة كبيرة من الحالات التي تأتي لعيادته من أجل ذلك الهدف.

وأضاف أنه يقوم بإجراء 4 أو 5 عمليات من هذا النوع شهريًّا بمراكز  Ericsson METHOD التي يملكها "رونالد إريكسون" صاحب تطوير تلك التقنية منذ 25 عامًا، وأشار د. "مسعود خاتمي" المدير التنفيذي لمعهد أبحاث التخصيب أنه قرَّر نشر إعلان عن إجراء عمليات من هذا النوع في مجلة تصل للهنود، بعدما وجد ارتفاع عدد الراغبين في إجراء عملية اختيار جنس المولود من الهنود الذين يترددون على عيادته.