غيِّر تصوراتك لتغيِّر واقعك

"إنَّنا نلتقط حفنةً من الرمال من المشهد اللامتناهي للوعي من حولنا، ونطلق على تلك الحفنة الصغيرة العالم" - "روبرت م. بيرسيج" (Robert M. Pirsig)، من رواية "زِن وفن صيانة الدراجات النارية" (Zen and the Art of Motorcycle Maintenance).



إنَّ الواقع غريب؛ بل غريب جداً، أغرب وأكثر غموضاً من أي نوع من الخيال قد تحلم به، فمَن يحتاج إلى الخيال بينما يعيش فيه؟

ما يجعل الواقع خيالاً مُحيراً هو أنَّه يختلف من شخص لآخر، فلا يوجد واقع واحد يقطن فيه الجميع؛ وإنَّما يختلف واقعك اختلافاً فريداً عن واقع غيرك؛ وهذا يدفعك إلى تفسير نفس التجارب بشكل مختلف تماماً، وفي المقابل، إنَّ تفسيرك الفريد لتجارب الآخرين نفسها سيجعل واقعك أكثر اختلافاً عنهم.

لقد كتب "روبرت م بيرسيج": "كنا ننظر معاً إلى نفس الشيء، ونرى نفس الشيء، ونتحدث عنه، ونفكر فيه نفسه، إلا أنَّه كان ينظر ويرى ويتحدث ويفكر من بُعد مختلف تماماً".

فإنَّ تصورك الخاص بالعالم يُشكل واقعك؛ إذ يشير المؤلف الأمريكي "ستيفن كوفي" (Steven Covey) إلى ظاهرة التصورات الفريدة هذه على أنَّها "نماذج" يرى الناس الحياة من خلالها.

إنَّ نماذج التصور هذه هي العيون التي يرى كل فرد العالم من خلالها؛ فهي بمنزلة خريطة، ترتسم فيها جميع تجارب حياتنا كما ترتسم الطرائق والعقبات، فيمكنك تغيير الطريق الذي تسلكه، لكن لا يمكنك تغيير الخريطة التي تسير من خلالها دون تغيير تصورك.

التصور هو الواقع وكل إنسان لديه فهم مختلف للواقع:

من خلال مقارنة التصورات بالخريطة، يسلط "كوفي" الضوء على نقطة هامة جداً عن واقع الإنسان؛ فإنَّ محاولة فهم شخص ما من خلال تصورك الخاص قد يؤدي إلى الارتباك وسوء الفهم في كثير من الأحيان، تماماً مثل شخصين يقرآن خرائط مختلفة ولكنَّهما يحاولان الوصول إلى نفس المكان.

يقول "روبرت" في كتابه: "هذا هو جذر المشكلة؛ إذ يميل الناس إلى التفكير والشعور بطريقة واحدة حصراً، فيسيئون بذلك فهم الطرائق الأخرى والاستخفاف بما تعنيه، لكن على حد علمي، لا أحد على استعداد للتخلي عن الحقيقة كما يراها".

إنَّك قادر على تغيير واقعك من خلال تغيير تصورك الفريد عنه:

تكمن في التصور قوة عظيمة؛ إذ لديك القدرة على تغيير تصوراتك، تماماً مثل تحديث الخريطة بمعلومات جديدة، وبدلاً من النظر إلى العالم من حولك من خلال عدسة تصوراتك فقط، يمكنك تحقيق فهم أكبر عند النظر إلى العالم من خلال تصورات الآخرين؛ لأنَّك بهذه الطريقة لن ترى الحقيقة كما ترغب في رؤيتها فقط، ولكنَّك ستراها أيضاً كما يراها الآخرون، ولأنَّ التصور هو الواقع، فسترى الحقيقة كاملةً، ومن ثمَّ، إذا كان التصور واقعاً، ولديك القدرة على تغيير تصورك، فلديك القدرة على تغيير واقعك أيضاً.

هنا تكمن القوة المطلقة؛ فعندما تُدرك أنَّ واقعك خاضع لسيطرتك أنت فحسب، وليس أي شخص آخر، سيتوسع تصورك، وعندها ستصبح قادراً على التحكم فيما تُحب وتكره، وفي مشكلاتك وحلولها، وأصدقائك وأعدائك، وإيجابياتك وسلبياتك، وصولاً في النهاية إلى سعادتك ورضاك.

إقرأ أيضاً: 8 طرق تساعد على تغيير واقعك وتحقيق النجاح

في الختام:

حاول تغيير تصورك من الآن فصاعداً، ولا تفترض أنَّ كل شخص تلتقيه يرى الأشياء بالطريقة التي تراها؛ بل افترض خلاف ذلك، وانظر إلى الأمور بعيون الآخرين، وحاول رؤية خريطة الحياة التي يقرؤونها، فلست مضطراً إلى التخلي عن تصورك للواقع، لكن من خلال توسيع نطاق تصورك ليشمل آراء الآخرين، فإنَّك تصورك للواقع سيتوسع أيضاً.

المصدر




مقالات مرتبطة