عوامل نجاح التفكير

يتطلب نجاح عملية تعليم الأطفال معرفة العديد من المفاهيم والحقائق والخصائص من أبرزها:

معرفة عمره العقلي ومدى قدرته على التجاوب مع المعلم، وكيفية استيعابه للمعلومات وتقبله للخبرات ومدى سرعته في الاستزادة منها وتطويرها. وهذه المعرفة تتطلب الإعداد الدقيق للمعلم والتأهيل المستمر له أثناء الخدمة ليتمكن من مواكبة كل جديد يطرأ في هذا الموضوع.. ليتمكن من النجاح في التعامل مع الأطفال واختيار الطريقة الملائمة لقدراتهم، وإعداد البيئة التي تناسب خصائص المرحلة التي يمرّون بها، وليكون قادراً على التمييز بين أساليب التعلم وأساليب التعليم وعلى الفرق بين التعليم والتدريس، وعلى الفرق بين وظيفة الروضة ووظيفة المدرسة.



ومعرفة الأنشطة الصفية واللاصفية التي تناسب كل مرحلة عمرية للأطفال.

وفي مرحلة الروضة ينبغي على المعلمة أن تنجح في جعل الطفل يقبل الانتقال من أحضان والدته إلى البيئة الجديدة، ليكون قادراً على اكتساب خبرات اجتماعية ومعلومات أولية تتمشى مع عمره العقلي، وتنظيم هذه الخبرات وهذه المعلومات بصورة تيسّر على الأطفال أمر تمثلها واستيعابها وأن تهب للطفل حباً وحناناً يستعيض به عن جزء من حنان وحب والدته له. وسنتناول هذه القضايا بشيء يسير من التفصيل.

أسلوب التعليم Teaching Method

الأسلوب هو الطريقة التي يتم من خلالها إعداد بيئة التعلم وتنظيم الخبرات وتوظيف الوسائل واختيار الأنشطة الصفية واللاصفية وأساليب التقويم التي تساعد على تحقيق الأهداف السلوكية الواردة في الخطة الدرسية.

ويتوقف على حسن اختيار أسلوب التعليم مدى النجاح في تحقيق الأهداف وقد نقل عن أنشتاين أنه قال: "إذا أردت أن تفهم الطريقة العلمية فلا تسأل العلماء أن يشرحوها لك، ولكن الأفضل أن تراقبهم لترى وتفهم كيف تمارس الطريقة العلمية ".

وأما التعليم فهو عملية تربوية مخططة تتم عبر التفاعل بين المعلم وتلاميذه عدة أنشطة وباستخدام وسائل معينة، وتهدف إلى إحداث تغييرات مرغوبة في سلوك الأطفال وفي طرائق تفكيرهم.

ويستطيع المعلم من خلال استيعابه لمفهوم التعليم أن:

  • يحدد الاستراتيجية التي سيستخدمها في التعليم.
  • يحدد الأهداف التي يسعى لتحقيقها.
  • يحدد دور كل من المعلم والمتعلم في العملية التعليمية التعلمية.
  • سلوكه في الموقف الصفي.
  • يحدد نظرته للمتعلم.قطامي 1990.

ويميز بعض الباحثين بين التعليم Teaching والتدريس Instruction .

ويرون أن التعليم " نشاط يهدف إلى تحقيق التعلم، ويمارس بالطريقة التي يتم فيها احترام النمو العقلي للطالب ومقدرته على الحكم المستقل ".  Scheffler 1965 page 3

وأما التدريس فيتضمن معرفة الأسباب ووزن الأدلة، وتفسير الأحداث وتبرير الأعمال واستخلاص النتائج المبنية على الأدلة ". Kohlberg 1966 page 15

وفي عملية التعليم يكون دور المعلم أكثر من دور المتعلم في حين يكون اعتماد المتعلم على نفسه أكبر في عملية التدريس مستفيداً مما حصل عليه من تعليم.

وبناءً عليه فإنّ "عملية التعليم تعدّ جزءاً من عملية التدريس، ففي عملية التعليم تقدم المعلومات والحقائق التي تعتبر ضرورية، ويكون فيها المعلم نشطاً وحيوياً، والمعلم مستقبلاً لما يعرض أو يجرب أو يشرح أمامه.

وبدون هذه العملية لا يحقق المتعلم خبرات أو معلومات جديدة، لذلك ينبغي أن تسبق عملية التعليم عملية التدريس ". قطامي 1990 ص21.

كيف يختار المعلم طريقة التعليم ؟؟

اقترح الخبراء التربويون عدة أساليب لتنمية قدرات الأطفال على التفكير منها ما هو تقليدي تسلطي ومنها ما هو إبداعي. ولعل من أشهر هذه الأساليب أسلوب التدريب Drill Method الشائع توظيفه في كثير من الأقطار العربية وهو أسلوب محدود الأثر ضعيف الفاعلية حيث يقوم المعلم بتلقين الطفل المعلومات بطريقة الترداد المتكرر حتى يتمكن منها وهو منقاد لسلطة المعلم والذي هو بالنسبة إليه مصدر العلوم والحقائق، وهذا الأسلوب لا يساعد على تعليم التفكير الحر ويظل الطفل سلبياً مشدداً إلى ما يتلقاه عن معلمه وغير قادر على المبادرة للتعبير عن رأيه.

ويتسم هذا الأسلوب الشائع استخدامه في كثير من أنحاء العالم العربي بمجموعة من السمات التي تنفّر المعلمين المتجددين منه ومن هذه السلبيات، أنّه أسلوب تسلطي، جميع أوراقه بيد المعلم وحده، وهو يحتال على تلقين تلميذه المعلومات بأدوات ووسائل قد تكون غير تربوية كالضرب والتقريع والحبس بعد انتهاء الدوام وغير ذلك من أساليب التعزيز السلبية Negative Reinforcement ويرمي المعلم بهذا الأسلوب إلى أن يصل جميع الأطفال إلى مستوى محدد من الاستجابات الإبداعية، وليس على الطفل إلا الطاعة والإذعان لما يقوله معلمه.

غير أنّ هناك مجموعة من الأساليب الفاعلة والمؤثرة التي أنجبت المبدعين لما تتسم به من احترام لكيان المتعلم والإيمان بأنّه يستطيع المساهمة بالعملية التعليمية التعلمية حسب قدراته وإمكاناته.

لذلك فإن المعلم المبدع ينظم محتوى المادة الدراسية ويصوغها بأهداف سلوكية قابلة للملاحظة والقياس، تشمل جميع المجالات المعرفية والمهارية والوجدانية والاجتماعية، ويرفده بأنشطة يقوم بها الطفل فتحفّز قدراته، وتفجّر طاقاته، وتعمل على تنمية مفاهيمه وتعديل اتجاهاته لأنه يختارها بمحض إرادته بالتنسيق مع معلمه فيفكر في إنجازها تفكيراً نامياً متجدداً.

وسيأتي تفصيل القول في أساليب تنمية التفكير في الفصل الثالث من هذا الكتاب.

ومن المعلمين المستنيرين من يمارس الأسلوب المعرفي في عمله الهادف إلى تربية التفكير لدى تلاميذه، وهذا النمط يتميّز عن الأسلوب التسلطي بأنّه:

  • يهدف إلى إثارة قدرة المتعلم واستعدادته.
  • فاعل متمركز حول المتعلم الفريد.
  • يتضمن أهدافاً ملائمة في عملياتها ومحتويتها لاهتمامات الطفل ومشاعره وقيمه.
  • يعطى المتعلم دوراً هاماً في تحديد أنواع الخبرة التي ينبغي توافرها في المدرسة.
  • يهتم بالاختلافات الموجودة في قدرات الأطفال واتجاهاتهم واهتماماتهم وأساليب تعلمهم، ومكوناتهم الجسمية والسيكولوجية وخبراتهم السابقة وطموحاتهم في المستقبل ويراعيها في إثارة اهتماماتهم وإدماجهم في الخبرات.
  • يشجّع الطفل فيه على البحث عن العلاقات بين الأفكار.
  • يتبنى الدافعية الداخلية Intrinsic Motivation والتي يهدف المتعلم بها إلى الوصول إلى حل مشكلة أو اكتشاف شيء جديد أو بلورة فكرة أصيلة.
  • ينتقل فيه المتعلم من التركيز على ترديد النتائج التي تمّ التوصل إليها إلى التركيز على محور البحث الأصيل في الظواهر عن طريق إثارة الأسئلة وسعي المتعلم إلى إلى البحث عن إجابات لها".  يوسف قطامي 1990 ص28

والمعلم المبدع يبني تفاعله مع تلاميذه الصغار على أساس أن إدراك الطفل للأشياء يتدرج من المحسوس إلى المجرد، ولذلك فإنه يوظف الوسائل المعينة التي تنمي قدرتهم على التصور وتثير قابليتهم لاستيعاب المفاهيم.

ويتدرج في تعليمه لهم من الواقع المحسوس إلى التعليم بالصور والمجسمات والأشرطة المرئية ثم ينتقل بهم إلى مرحلة التعليم بالتأمل المجرد بعد أن تتكون لديهم القدرة على تمثل أساليب تنمية التفكير.

عوامل نجاح التفكير - محمود طافش