عملياتُ تجميل الروح

أشار تقريرٌ لمنظمة الصحة العالمية أن عمليات التجميل تكلّف 400 مليار دولار سنوياً في كل أنحاء العالم! وإن 80% من نساء هذا الكون يبحثن عن جمال الشكل.



وشّكَّلَ الرجالُ 25% من زبائن مؤسسات وأطباء التجميل. وعلى مستوى دول الخليج، فإن الإحصاءات تشير إلى أنه تم إنفاق 6 مليارات دولار على عمليات التجميل العام ,2006 جرت 33% منها في المملكة العربية السعودية.

في الواقع يقف المرءُ محتاراً أمام هذه الأرقام المخيفة، والتي تزيد على أرقام ميزانيات دول مستقلة لعام أو عامين.

وتزدادُ حيرة المرء عندما يستعرض الوجوهَ التي تمرُّ أمامه، أو تلك التي يشاهدها في التلفزيون، أو العواصم السياحية أو الفنادق، حيث تكون عمليات التجميل تشويهاً لوجوهٍ كانت طبيعية ومقبولة!

ذلك أن الوَفر المادي - لدى الذين لا يتعبون في جَمعهِ - يجعل البعضَ ''يتفرّسُ'' في وجهه ليلاً ويُقرر أن هناك زوائدَ أو تهدلات أو سقوطاً في نواحي وجهه، فيُقرر أن يُجري علميات تجميلية.

وما أن ينتهي من الوجه - مهما كانت النتيجة - حتى تأتيه ''النصائح'' بعمل شفط للكرش أو تصغير الصدر أو تكبيره أو رفع الأرداف أو غيرها! ويظل هذا البعض ''زبوناً'' دائماً أمام المرآة وأمام جرّاح التجميل!

أنا أعتقد بأن ''الأصلي'' أفضل! ومعظم عمليات التجميل تحتاج إلى متابعة و''ترميم'' مع الوقت! وهذا يعني أن يظل الإنسانُ مشغولاً بالتردد على عيادات التجميل بل قد يتحول لديه هاجسُ ''التميّز'' على الآخرين، إلى مرضٍ نفسي تتفاقم آثارهُ مع مرور الوقت، الذي يُحَطم ويُشوّه كلَ شيء أمامه.

السؤال المهم، هل يفكر الذين يقومون بعمليات التجميل تلك، بعملياتِ تجميل لأرواحهم؟ أنا أعتقد بأن كثيرين لا يفكرون بذلك فمن هؤلاء من ينقل الكلام عن الآخرين، وقد يزيد عليه أشياء. ومنهم من يُشاحن الآخرين ويحمل روحاً عدوانية ضد إنسان ناجح، قد لا يكون بالضرورة قابلهُ أو تعاملَ معه، بل شاهدهُ يتحدث في تلفزيون أو قرأ له مقابلة في جريدة.

ومن هؤلاء من يتباهى بجمله ''المُجَمّل'' على المنابر الإعلامية، لكنه في حقيقة الأمر يكذب على الآخرين، أو يجامل بعض المتنفذين من دون وجه حق. ومن هؤلاء من لا يُخلص في عمله، ونجده ''يزوّغ'' من الدوام أو يُشغل وقت العمل في ''البزنس'' الخاص به أو الحديث فيما لا يخص العمل.

هل فكَّر الآلاف من الذين يُجرون عمليات التجميل - كي تبدو وجوههم وأجسادهم جميلة تفتن الآخرين خصوصاً من النساء - أن الوفاء لبيت الزوجية من أجمل جمال العالم، وأن تربية أطفال صالحين من المهمات الرئيسة للزوجة الصالحة، بدلاً من تجميل الوجه وقذف الأطفال في الشوارع ليكونوا مشروعات انحراف أو ضحايا قتل.

وأن ألف عملية تجميل لا تجدي في حالة ''زلل'' واحدة أو إهمال الزوجة لدورها الإنساني؟ بل إن الفتاة التي ''تدمِن'' عمليات الجميل قد تخدع الزوج المُتقدم لها عندما يكتشف الأخاديدَ على جسدها أو عندما تعود شفاهها ''المغرية'' إلى ذبولها الأصلي، أو تتعب جبهتها من ''الشدّ'' وتعود إلى سابق خشونتها و''تعفسّها''. بل إن الزوجة قد تسبب لزوجها ضغظاً مالياً إن لم يكن من أبناء ''الهوامير'' جراء التردد المتكرر على عيادات التجميل.

كم نحتاج إلى رؤية صائبة لواقع حياتنا! رؤية تجعلنا نُحلل أساليبَ الإعلان في جذبنا لمُستحضرات التجميل وإغرائنا بالقيام بعلميات التجميل التي قد لا نحتاجها في كثير من الحالات.

كم نحتاج إلى تجميل أرواحنا وقلوبنا مما يشوهها من الأفكار والخبايا. كم نحتاج إلى أن نرى الجمال في كل الكون وليس في المرآة التي تأسرنا في الليالي الطويلات.

أعتقد أن مساعدة فقير محتاج وتفريج كُربته - بسعر قلم تجميل للشفاة أو العين - أهم من رسم تلك العين إن لم تكن ترى المناظر الجميلة في الحياة، أو ''نفخ'' الشفاة المغريات إن لم تكن تلك الشفاة تتحدث بالكلام الجميل المفيد للناس.

كما أن المدير المسؤول - رجلاً كان أم امرأة - من الذين يُجرون عمليات التجميل، إن لم يحتفظ بعلاقات إنسانية مع الموظفين ويعاملهم بتحضّرٍ ورُقي، لن يُجمّلَ وجهَه ''القبيح'' مليون عملية تجميل.

بالطبع إن الصرف على عمليات التجميل أمرٌ شخصي ولا يُمكن وقف المقتنعين بها، بل ولا يجوز لنا التدخل في شؤون الآخرين، لكنن نقول إن الـ 6 مليارات - التي تُنفق على عمليات التجميل في دول الخليج - يمكن استثمارها في إنشاء رياض للأطفال، أو مصحّات العَجزة أو مسارح للفنون الجميلة أو مكتبات، ولا بأس من أن تحمل اسم القائم بها.

أعتقد أن النظرة إلى الجمال نسبية! كما أن الجمالَ زائل، وكلما قامت المرأة بعمليات تجميل احتاجت المزيد منها، عملاً بتقادم الجلد والأعصاب وتراكم اللحوم والشحوم.

أخيراً، القناعة. أن يقتنع المرء بقدرَهِ وشكله، وأن يحاول أن يُجمّلَ ذاته بعمل الخير وقول الحق والصدق والاستقامة وعدم التعدي على حقوق الآخرين. وهذا هو الجمال الدائم حتى بعد الموت.

المصدر: بوابة المرأة