علاقة المعلم بمهنته

هل حقاً التعليم مهنة من لا مهنة له؟

سؤال قد يتبادر لذهن المهتمين بمجال التعلم والتعليم حول أسباب إختيار المعلم لهذه المهنة.



هل لخدمة المجتمع والمساهمة في البناء والتطوير؟

أم هي لذة العطاء والرقي بالقيم والمبادىء؟

أم نتيجة تأثير معلم سابق في حياتهم جذبتهم لهذه المهنة؟

يقول " كارميشيل 1981م ":  " إن المعلمين الجيدين هم الذين يختارون أنفسهم بأنفسهم".

أيما كانت الأسباب فهي مختلفة من معلم لآخر, ومن يدرك ذلك هو المعلم ذاته, ويدرك جيداً إن كان معلماً ناجحاً هدفه الإرتقاء بجميع جوانب العملية التعليمية.

إن مهنة المعلم تلقائياً تفرض إحتكاك يومي بين المعلم والطالب, هذا التواجد والتعامل المستمر اليومي يساعد المعلم المدرك لأهمية مهنته, على خلق علاقة ودية مع طلبته ومعرفة شخصياتهم وإحتياجاتهم العلمية ومستواهم, مما يذلل له العقبات التي تواجهه, وتجعله معلماً مؤثراً في حياتهم.

وأورد هنا مثالاً واقعياً لهذا التأثير الإيجابي للمعلم على طلبته, حدث أثناء تدريبي لبعض معلمين ومعلمات المدارس في إحدى دوراتي التدريبية عن الإدارة الصفية. طرحت سؤالاً حول وجود معلمين تركوا أثراً في حياتهم سواء سلبياً أو إيجابياً عندما كانوا على مقاعد الدراسة, وما هو هذا الأثر, وطلبت تدوين الإجابة على إحدى اللوحات المخصصة لذلك في القاعة التدريبية ليقرأها الجميع للإستفادة. ولاحظت أن الغالبية بنسبة 90% تأثروا بالمعلمين الذين تركوا إنطباعاً إيجابياً في حياتهم. ذكرت إحدى المعلمات المتدربات إسم معلمتين تأثرت بهما إيجابياً, والذي إنعكس إيجاباً على قدرة تأثيرها على طالباتها. والصدفة أن تلك المعلمتين كن زميلاتي بالمدرسة  ويدرسن مادة الأحياء, ولا زالت علاقتي مستمرة بهن, وفعلاً كن يتميزن بالعطاء اللامحدود والمسئولية التامة والدقة والتنظيم الملحوظ, والعمق بمادتهنّ, وهذه بعض أسباب تميزهنّ. نقلت ما قرأته لهن عن التميز في عطائهنّ وأثره الممتد إلى هذه اللحظة. فلك أن تتخيل أيها المعلم والمربي كم من المآثر والإيجابيات تزرعها بوعي وبلا وعي منك في نفوس الطلبة والمحيطين بك, فقط عندما تكون النية والرغبة خالصة في تحقيق العطاء وإحداث التغيير في حياة طلابك.

من منطلق الرغبة والمحبة لمهنة التعليم سيتم التطرق لأهم ثلاثة نقاط تحدد ما المقصود أن يحب المعلم مهنة التعليم؟

أولاً ـ الشغف بمادة التخصص (تطوير الذات).

ثانياً ـ التفاعل المثمر مع الطلبة (تطوير الطلبة).

ثالثاً ـ الشغف بممارسة مهنة المدرس.

أولاً ـ الشغف بمادة التخصص ( تطوير الذات ):

نجد أن بعض المعلمين لديهم إهتمام وشغف بمادة التخصص, ويستمتعون في نقل معرفتهم وخبرتهم للطلبة, ويتم إثراء المادة بالأنشطة المبدعة.

إن الشغف بمادة التخصص هو أحد العوامل التي تدفع المعلم لحب التعليم, وهذا يدفعنا للتركيزعلى نقاط هامة في هذا الجانب منها:

  • إن بعض الطلاب لا يميلون لهذه المادة وليست من ضمن توجههم, لذا فعلى المعلم المندفع بحب التخصص مراعاة ذلك وإستخراج رابط لميول هؤلاء الطلبة مع المادة للمحافظة على البيئة التعليمية المنشودة.
  • يفُرض على بعض المعلمين في بعض المدارس وخاصة المرحلة الإبتدائية, تدريس مادة غير تخصصية, مما يؤدي لنتائج غير مرغوبة, كوقوع المعلم في أخطاء بالمادة والذي بدوره له تأثير سلبي على تأسيس الطلبة, أو العطاء والتدريس بغير رغبة وحب لهذه المادة والتي بلا شك ستظهر وينعكس توجهه على الطلبة, ولتفادي ذلك يمكنه رفض تدريس تلك المادة والتمسك بمادته أوالبحث عن المكان المناسب له في مجاله, أو تطوير ذاته في هذه المادة والإحتكاك بذوي الخبرة بها والإستفادة في كيفية تدريسها بحيث يحقق المخرجات التعليمية المنشودة. 

ثانياً ـ التفاعل المثمر مع الطلبة (تطوير الطلبة):

يرجع شعور بعض المعلمين لحب مهنة التعليم إلى متعتهم وشغفهم بنمط حياة المعلمين وبيئة التعلم من إهتمام بالثقافة وتنمية العقل ومشاركة الطلبة يومياً. إن إلبرت أينشتاين كان يشعر بالأسف والندم لأنه لم يكرس حياته لممارسة مهنة التعليم والعيش في أجوائها: (لا أدري إن كنتم ستصدقونني أم لا, إلا أن أكثر ما يحز في نفسي ويؤسفني هو " إنني لم أمارس مهنة التعليم" إنني أشعر بالندم لأنني كنت أتمنى أن أختلط بالأطفال وأتعامل معهم عن قرب. هناك دائماً وأبداً شيئاً ما يشدني لبراءة ونضارة الأطفال, ويشعرني برغبة كبيرة ومتعة في معايشتهم. إن عقولهم مفتوحة كل الإنفتاح لتقبل العلم. ولم يحصل يوماً أن وجدت صعوبة في شرح قوانين الطبيعة الأساسية لأطفال, عندما تتمكن من الهبوط إلى مستوى تفكيرهم, تسطيع أن تقرأ في عيونهم الإهتمام والتقدير الحقيقي لما تقدمه لهم. ( مقتبس عن بكي 1992)

إن المعلمين الذين يحبون مهنة التعليم لحبهم لبيئة التعلم يتميزون بالهمة ويتواجدون دائماً مع الطلبة ومشاركتهم في الأنشطة المختلفة, وهم الأقرب للطلبة والداعم لهم والملاذ عند الحاجة. وستجدهم من المؤيدين لكل تغيير وتجديد وإن لم يجدوه بحثوا عنه وأوجدوا الأفكار التي تنشط بيئة التعلم حولهم.

ثالثاً ـ الشغف بممارسة مهنة المدرس:

قد يعود شغف المعلم لعملية التعلم والتعليم هو التمتع بحب مهنته, و تكون عملية التدريس دافعاً للمهنة وليس التركيز على الطلبة أو المادة الدراسية, هؤلاء المعلمون تعمل مهنة التعليم على تنشيطهم للعمل ويدركون أن لديهم كم هائل من الإجراءات التي يمكنهم مواجهة أي موقف.

كذلك توجد أسباب عديدة لحب هذه المهنة, قد تكون تأثير معلمين في حياتهم أو رغبة في خدمة المجتمع وغيرها.

أيما كانت الأسباب لرغبتك في هذه المهنة الإنسانية السامية, فمن المؤكد أنك ترنو لأن تكون معلماً بارعاً, ولتحقيق ذلك نوجزها في صفات ثلاث يجب أن يتصف بها كل معلم ناجح وهي:

  • أن تكون توقعاته إيجابية فيما يخص نجاح طلابه.
  • أن يتصف بإدارة صفية عالية.
  • أن تكون خطة الدرس مناسبة لمستوى الطلاب ويتفاعلون خلالها بشكل جيد.

على المعلم الجيد والناجح في مهنته أن يستمر في تعلم الحقائق بشتى الطرق سواء الكتب والدورات التدريبية والبرامج المختلفة وغيرها, والأهم من ذلك هو أن يكون المعلم نموذج مثالي وقدوة للطالب في حب التعلم  ليحذو حذوه.

   

المراجع:

  • Forrest W. Parkay&Beverly  Jardcastie Stanford. 
  • مهنة التعليم, المؤثرات على حياة المعلمين المهنية. دار الكتاب الجامعي 2005.
  • Harry K. Wong & Rosemary T. Wong, كيف تكون مدرساً فعالاً, دار الكتاب الجامعي 2005.