عقلية الوفرة: أسرار وطريقة تبنِّي هذه العقلية في حياتنا

إذا عاش كل شخص في العالم مثلما يعيش الناس في أوروبا، فسوف نحتاج إلى ثلاثة كواكب من أجل توفير الاحتياجات للجميع؛ وإذا عاش الجميع مثلما يعيش الناس في أمريكا، فسوف نحتاج إلى خمسة كواكب، ومع ذلك فإنَّ رائد الأعمال - صاحب الرؤية والخبير "بيتر ديامانديس" (Peter Diamandis) - متأكد من أنَّ مستقبلاً يتوفر لنا فيه كل شيء هو أمر ممكن؛ بل ومن المحتمل حدوثه أيضاً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة "كايا أولسين" (Kaya Olsen)، وتُحدِّثنا فيه عن كيفية تحقيق الوفرة للجميع في العالم.

لكن كيف إذا كنا نستخدم موارد أكثر مما يستطيع كوكبنا تزويدنا بها؟

إنَّ الإجابة عن هذا السؤال هي التفكير المتسارع والتقنيات المتسارعة والاستراتيجيات المتسارعة، فإذا فكرنا بشكل أوسع في الاستخدام الأمثل للأدوات واعتماد النوع الصحيح من العقلية، فيمكننا إنشاء عالم مستدام يقدم ما يكفي الجميع ويفيض عن حاجتهم.

التفكير المتسارع:

لقد اعتدنا على التفكير بصورة تسلسلية؛ وذلك لأنَّ العالم الطبيعي بطريقة متسلسلة، فعلى سبيل المثال إذا ادَّخرتَ دولارين كل يوم لمدة 30 يوماً، فسيكون لديك 60 دولاراً في نهاية الثلاثين يوم؛ وهذا هو النمو المتسلسل.

والافتراض البديل هو النمو المتسارع؛ إذ تتضاعف الأموال بشكل متتالٍ في كل يوم، وبدلاً من الحصول على تلك الـ 60 دولار في نهاية الثلاثين يوم، ستحصل على مبلغ هائل من الأموال، لكن قد تعتقد أنَّ هذا الأمر ليس ممكناً.

مع ذلك فهذه هي الطريقة التي تسير بها الأمور في الوقت الحالي، فمع ظهور التقنيات المتسارعة، تنمو المنظمات والمشاريع والاتجاهات بسرعة هائلة، قد لا يبدو الأمر كذلك في الوقت الحالي، فالأمور تتغير لكن ليس بسرعة مذهلة، وهذا فقط لأنَّنا ما زلنا في المراحل الأولى، وما زلنا في مرحلة مضاعفة الأموال، لكن في غضون خمس سنوات من الممكن أن تتحول تلك الأموال إلى مبالغ هائلة، فقد تكون البداية بطيئة لكن سوف يتغير هذا الاتجاه تغييراً هائلاً.

إنَّ رؤية العالم وفُرَصِه من وجهة النظر هذه هي كيفية عمل التفكير المتسارع، فمن السهل الوقوع كفريسة للتفكير المتسلسل، وهذه كانت الطريقة التي اعتاد بها العالم بأن يتطور، لكن مع ظهور التقنيات المتسارعة أصبح النمو المتسارع هو الأمر الطبيعي إلى حدٍّ متزايد، كما فعلت أكثر الشركات نجاحاً حالياً؛ مثل "أمازون" (Amazon) و"آبل" (Apple) و"إير بي إن بي" (AirBnB) وغيرها.

لقد تمكنت جميعها من النمو بشكل كبير؛ وذلك لأنَّها لا تعمل بشكل متسلسل فهي تبيع أشياء لا تملكها، ومن ثم هذا من شأنه أن يمكِّن هذه الشركات من التوسُّع بشكل هائل وبسرعة هائلة، وتوفير منصة للآخرين لشراء وبيع المنتجات، وهذا هو ما يجعل نموذج أعمالها متسارعاً ويمكِّنها من أن يكون لها مثل هذا التأثير الكبير في عالمنا.

شاهد بالفيديو: 7 طرق لإظهار الوفرة والثروة في الحياة

التقنيات المتسارعة:

للعمل على نطاق متسارع، فإنَّ الأمر يتطلب التقنيات المتسارعة، وفي حالة الشركات المذكورة آنفاً يعمل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة على تعزيز نجاحها، ومن التقنيات المتسارعة الأخرى التي يمكن أن توفر نفس المستوى من الفاعلية هي الطباعة ثلاثية الأبعاد، والواقع الافتراضي والواقع المعزز، والطائرات دون طيار، والتكنولوجيا الحيوية، وسلسلة الكتل، وتكنولوجيا النانو، والروبوتات وما إلى ذلك.

يرتبط سبب أنَّ هذه التقنيات تزوِّدك بالقدرة على النمو المتسارع بظاهرة وصفها "قانون مور" (Moore’s Law)؛ إذ ينص هذا القانون على أنَّ القوة التقنية المبذولة تتضاعف كل عام؛ ولذلك فإمَّا أن تزيد التكنولوجيا من كفاءتها "تصبح أسرع وأكثر قوة"، أو تحافظ على مستوى كفاءتها لكن تصبح أرخص سعراً "تحصل على المزيد مقابل القليل"؛ وهذا يعني أنَّ مدى وصولك وتأثيرك من المحتمل أن يتضاعفا في كل عام.

إنَّ المطلوب للتقدُّم على طول منحنى النمو المتسارع هو الاستفادة من موارد شبه لانهائية؛ وهذا هو سبب أهمية التقنيات في هذا السياق؛ إذ إنَّ الشيء الوحيد المطلوب تقريباً من البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي وسلسلة الكتل؛ هو تحويل القوة والطاقة إلى شكلٍ رقمي، ونظراً لقانون مور فإنَّ قوة أجهزة الكمبيوتر تتضاعف كل عام، وإذا بدأنا باستخدام الطاقة الشمسية على نطاق أوسع، فسنحصل أيضاً على مصدر لا ينضب تقريباً لاحتياجاتنا من الطاقة.

هذا ما يجعل هذه التقنيات مطلباً لعالم يتوفر فيه كل شيء؛ إنَّها الأدوات التي نحتاجها لتحويل مواردنا المحدودة إلى موارد لا نهائية، فإذا كان كل ما نحتاج إليه هو الطاقة والموارد القابلة لإعادة التدوير والمعدات التقنية، فإنَّ الوفرة ممكنة.

كما كتبت "آنيت لوندوفا" (Anet Londova) من مؤسسة "مون شوت بايرتس" (Moonshot Pirates): "إذا كنتَ تحلم أحلاماً صغيرة، فأنت تأخذ قطعة واحدة من الفطيرة دون إضافة أي شيء إليها؛ وإذا كنتَ تحلم أحلاماً كبيرة، فسوف تجعل الفطيرة أكبر فيكون لديك ما يكفي للجميع".

الاستراتيجيات المتسارعة:

مع ذلك فإنَّ التكنولوجيا ليست كافية؛ إذ إنَّ امتلاك المعدات التي تحتاج إليها هو شيء، لكن أن يكون لديك ما يكفي من الناس، وما يكفي من المال والوقت لاستخدام المعدات لغاياتك المتسارعة، هو شيء آخر تماماً؛ إذ يمكنك زيادة الوقت الذي يُستثمر في مشروعك بزيادة عدد الأشخاص الذين يعملون عليه، لكن يجب العثور على الناس ودفع الأجور لهم؛ وهذا الأمر قد يجعل هذا المسار يبدو غير ممكن إلى حدٍّ ما، ومن ثم هنا يدخل دور الاستراتيجيات المتسارعة، وهذه هي طرائق العمل التي تعتمد على المجتمعات لإنجاز الأمور.

إقرأ أيضاً: توكيدات الوفرة التي تحقق الازدهار

إليك بعض الأمثلة التي تعطيك فكرة عن كيفية عمل هذا الأمر:

1. التمويل الجماعي:

يُعَدُّ العثور على شريك واحد ليغطي جميع تكاليف مشروعك هو أحد المسارات التي يجب اتباعها، والعثور على مليون مساهم صغير هو أمر آخر، ولكل منهما مزايا وعيوب ولكنَّ ما يجعل التمويل الجماعي قوياً للغاية هو أنَّك تبني مجتمعاً حول مشروعك في نفس الوقت الذي تجمع فيه الأموال من أجله.

2. التعهيد الجماعي:

يكون الأشخاص المفعمون بالحماسة والشغوفون موجودين في كل مكان، وما عليك سوى معرفة أين يجب أن تبحث عنهم، وتجمع منصات التعهيد الجماعي الهواة والحرفيين وتربطهم بالمشاريع التي يريدون دعمها طواعية.

على سبيل المثال يعتمد "ويكيبيديا" (Wikipedia) اعتماداً كاملاً على التعهيد الجماعي؛ إذ تُكتب المقالات وتُقيَّم وتُدار من قبل متطوعين يريدون المساهمة ببساطة، فإذا كانت شركة معينة تريد إنتاج وترجمة وتعديل كل المحتوى المتاح على ويكيبيديا اليوم من تلقاء نفسها، فسيستغرق الأمر إلى الأبد.

توجد الكثير من المنصات التي يمكنك استخدامها كاستراتيجية متسارعة لمشاريعك مثل: "كيك ستارتر" (Kickstarter)، و"إندي جوجو" (IndieGoGo)، و"باتريون" (Patreon)، و"آب وورك" (Upwork)، و"غيغستر" (Gigster)، و"توب كودر" (TopCoder) وما إلى ذلك، فإنَّها تمنح الناس المتعة للعمل على شيء مفيد، وإذا منحتَ أيضاً مزايا في الحملة الخاصة بك، فأنت على الطريق الصحيح.

الخلاصة:

إنَّنا نستخدم موارد أكثر مما يمكن أن يوفره لنا كوكبنا في الوقت الحالي، ولكنَّ هذا فقط لأنَّنا نستخدم هذه الموارد بطريقة غير فعالة تعتمد على أساس التفكير المتسلسل، ولقد كان تفكيرنا محدوداً للغاية، ولم يكن تقدمنا ​​التكنولوجي بالمستوى المطلوب، وقد ركزت استراتيجياتنا التشغيلية في قوة البشر بلا فائدة، فقد حان الوقت لمراجعة الطريقة التي نعمل بها، والبدء بالتفكير تفكيراً متسارعاً ومن ثم تحقيق الوفرة للجميع.

المصدر




مقالات مرتبطة