عدم مساواة المرأة بالرجل في قضية التعدد

إنكم فرقتم بين الرجل والمرأة في موضع التعدد، وأجزتم للرجل أن يعدد ولم تسمحوا للمرأة بذلك على الرغم من أن كلا الطرفين له حاجات نفسية وجنسية، وهذا يتنافى مع مبدأ حرية المرأة ومساواتها بالرجل. وقد ذكر الله تعالى ذلك في قوله: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة).



الرد على شبهة مساواة المرأة بالرجل في قضية التعدد:

1- إن الإسلام يتعامل مع المجتمعات الإنسانية بواقعية لا بمثل ونظريات، ومن الحلول الواقعية لعلاج كثير من المشاكل العائلية "نظام التعدد" وإن كان هذا النظام ليس بجديد، فالتعدد معروف منذ القديم، ولكن الإضافة كانت في تقنينه ووضع ضوابطه له. فالتعدد معروف عند الصينية والهنود والبابليين والآشوريين والمصريين وإلا أنه لم يكن عندهم حد معين، لعدد الزوجات فقد سمحت شريعة "ليكي" الصينية بالتعدد إلى (130) إمرأة، أما الشريعة اليهودية فليس فيها حد للتعدد، وكما أن التعدد كان موجوداً في أوربا حتى القرن 17 م.

2- إن الأصل أن يكتفي كل زوج بزوجة فيسعدا جميعاً، ولكن الشريعة راعت بعض الظروف العائلية القسرية في عدم الاكتفاء بواحدة، فما الحل عند وقوع هذه المشكلة؟  هناك حلان: إما أن يصبر الزوج ويتحمل المعاناة أو أن ينزلق في ارتكاب الفاحشة، ونظراً لأن الزوج بشر ومعرض للإنحراف وهو ليس ملاكاً، رجحت الشريعة الاحتمال الثاني ولكنها قننته بعقد الزواج ليكون شرعياً، وألزمت الزوج بالتزامات مالية على الزوجة الثانية ليتحقق قانون العدالة.

3- إن تشريع التعدد "للطواريء" وليس هوالأصل، فالأصل هو وحدانية الزواج ولكن  هناك حالات تكون الوحدانية فيها ظلماً، وعندها يلجأ الرجل إلى تشريع الضرورة مع العلم أن العدالة المطلقة فيه غير مضمونة ، ولكن يضطر لذلك حتى يتقي ضرراً أكبر  بضرر أخف.

4- كنت في مجلس نسائي مرة أتحدث عن قضية التعدد فقالت إحدى النساء معترضة: ولكن الإسلام لم يراع عواطف الزوجة الأولى ومشاعرها؟ فردت إحدى الحاضرات قائلة: وماذا عن عواطف ومشاعر الزوجة الثانية والتي تحلم بالزواج، أليس من العدالة أن يفكر بها الإسلام كذلك؟!  فقلت: أشكركما على هذا الحوار، وهذا ما نؤكده دائماً من أن النظام الإسلامي يراعي  المصلحة العامة.

5. وهناك حالات فردية معروفة لدى الفقهاء يكون التعدد فيها ضرورة منها: الطاقة الجنسية الحادة، وعقم الزوجة، وحالات المرض الدائم الذي يمنع الاتصال، وحالات النفور التي لا يملك الإنسان دفعها، وفي جميع هذه الحالات يبقى الزوج على زوجته الأولى وفاءً لعشرتها، وهو شعور كريم مع زواجه من أخرى لتحقيق الهدف المنشود من الزواج  في الاستقرار.

6- إن مثل هذا التشريع قد لا يكون مقبولاً في مجتمع، ولكنه مقبول في مجتمع آخر، فلا يعني ذلك ظلم النظام أو سوءه، بل إن وجوده ضرورة حتى يعمل به عند الحاجة، فعلى سبيل المثال في دول جنوب أفريقيا الأصل عندهم في الزواج هو التعدد، وأذكر أنه حدثني صديق من موريتانيا يقول: الأصل عندنا الزواج من أربع.

7- إن الشريعة فتحت باب التعدد بمقدار وشروط ولكنهم في الغرب يفتحون باب التعدد دون  الاقتصار على أربع بل يمتد التعدد عندهم إلى مالا نهاية، ولم يضعوا له ضوابط كما أنهم  لم يحملوا الرجل المسؤولية نحو النساء اللاتي يتصل بهن ويلوث سمعتهن ثم يتركهن  يتحملن آلام الحمل والولادة فيخرج نتيجة هذه العلاقات أبناء غير شرعيين حتى وصلت  نسبتهم في بعض البلدان الغربية إلى (60 %).

8- إن الفوضى الجنسية التي يعيشها الناس في الغرب فتحت أمامهم مجالاً للشذوذ الجنسي (اللواط ،والسحاق)، لو شرع التعدد عندهم لضبط المسألة، وقد نشرت مجلة التايم عدد  ديسمبر 1998 هذه الأرقام (12) طفل غير شرعي في أمريكا، و(250) مليون مصاب  بالسيلان سنوياً في العالم و (50) مليون بالزهري، و(75 % ) من الأزواج يخونون  زوجاتهم في أوربا، و(17) مليون شاذ جنسياً في أمريكا، و (8) ملايين إمرأة بالغة غير متزوجة في بريطانيا، (90 %) منهن يمارسن الجنس، وكل أسرة من (10) أسر أمريكا تمارس نكاح المحارم، وازداد حتى أصبح من كل خمس أسر أسرة، فمن يفكر بهذه النتائج لا شك أنه يعجب بالنظام الإسلامي وكيفية معالجته للأمور.

9- إن الباحثين والكتاب الغربيين يستغربون من وجود (15) مليون شخص مصاب  بالأمراض التناسلية في أمريكا ومن الأسباب الرئيسية لانتشار هذه الأمراض الاتصال الجنسي خارج نطاق الزوجية، علماً بأن من يصاب بالإيدز وحده يومياً حسب تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 1998م نحو (700) شخص، فأيهما أفضل؟ هذه النتائج  المدمرة أم تشريع تعدد الزوجات مع ضوابطه؟!

10- إن الإسلام عندما شرع التعدد وضع له ضوابط وشروط منها: أن يفرد الزوج للزوجة الثانية سكناً مستقلاً، وأن يساوي بين الزوجين بالإنفاق والميت، وكذلك في  المعاملة والمحادثة.

11- ومع هذا كله نجد أن نسبة تعدد الزوجات في سائر البلاد العربية في السنوات العشر  الماضية حسب إحصائية جامعة الدول العربية من (7- 10) حالة تعدد لكل ألف زيجة. 

إقرأ أيضاً: الرد على مثنى وثلاث ورباع وما ملكت أيمانكم

12- لا ننسى أن ألمانيا لجأت إلى إباحة تعدد الزوجات حلاً لمشكلة الزيادة في عدد النساء  بعد الحرب العالمية الثانية ولوضع حد لتزايد نسبة الأولاد غير الشرعيين، قد تقدم  أهالي مدينة "بون" عام 1949م إلى السلطات يطالبون بإضافة نص الدستور الألماني يبيح التعدد، وقد أرسلت الحكومة الألمانية إلى مشيخة الأزهر تطلب منه شرحاً لنظام  التعدد في الإسلام لتستفيد منه.

13- لو تخيلنا أن عدد النساء يساوي عدد الرجال أو أقل منهم فإن هذا التشريع سيختفي  من تلقاء نفسه، وسيكتفي كل إمريء بما عنده. أما إذا كان عدد النساء أكثر فنحن أمام احتمالات ثلاثة: - إما أن نقضي على بعضهم بالحرمان حتى الموت. - أو نبيح اتخاذ الخليلات ونقر بجريمة الزنا. - وإما أن نسمح بتعدد الزوجات. فماذا يختار العقلاء؟!

14- ومع هذا كله فإن الإسلام أوجد حلاً للزوجة التي تريد الزواج من آخر لعلاقة عاطفية  أو لضرورة المتعة الجنسية، وذلك بأن تطلب الفراق من زوجها، ولو رفض، فإن القضاء الشرعي سيؤيدها في طلبها، وبذلك ترعى المرأة حقها المشروع.

15- أن تتزوج المرأة بأكثر من رجل في وقت واحد، فهذا يتعارض مع نظام الرئاسة،  ففي جميع الشرائع رئاسة الأسرة تكون للرجل، فإذا أبحنا للمرأة تعدد الأزواج فلمن ستكون الرئاسة؟! أتخضع لأزواجها جميعاً، وهذا مستحيل، أو تفضل أحدهم وهذا بالطبع سيسخط الآخرين؟ كما أننا لو أبحنا لها التعدد فإن نظام النسب سيتخلخل، فلو حملت المرأة المعددة فمن أي الرجال يكون المولود؟! وحتى لو كانت المرأة عقيماً ولا يضرها الزواج بأكثر من رجل، فإن التشريع كما ذكرنا يشرع للمصلحة الكلية وليس لحالات استثنائية.

16- يؤكد علماء النفس أن المرأة أحادية العاطفة، بينما الرجل يستطيع أن يعدد عاطفياً.

17- إن الزواج في الإسلام لا يتم بالإكراه، وتستطيع أي كارهة للتعدد أن ترفضه، فذلك حق لها، فالإسلام لم يجبرها على التعدد.

18- كما أن الإسلام أعطى للمرأة التي تخشى من زوجها أن يعدد عليها أن تشترط ألا تكون  لها ضرة، وعلى الزوج أن يلتزم ويوفي بالشروط وإلا طلقت زوجته منه.

19- من فوائد نظام التعدد: تقليل نسبة العنوسة في المجتمعات، وبقاء النوع الإنساني، وكثرة التناسل، وتأمين العفة وتيسيرها، كما أنه يقوي أواصر الرحم ويقلل من نسبة المطلقات والأرامل، ويحقق التكافل الاجتماعي.

20- نقول لمنكري التعدد: ما هو الحل الذي تقدمونه لزيادة نسبة الإناث إلى الذكور على  مستوى العالم؟! ونقدم دليلاً على ذلك هذه الإحصائية التي نشرت في مجلة المجتمع العدد( 847 )، عن نسب الذكور مقابل الإناث حول العالم وهي: السويد (1) ذكر مقابل (4) إناث، وكذلك أمريكا، وأما روسيا (1) مقابل (5)، وكذلك في أفريقيا، أما في الخليج (1) مقابل (3)، وفي بعض مناطق الصين كل (1) ذكر مقابل ( 10 ) إناث أما اليابان فكل ذكر تقابله (6) أنثى.

بقلم: د. جاسم المطوع