عدم مساواة المرأة بالرجل في توزيع التركة؟

يعلق الكثير من المشككين على الآية الكريمة: "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين" فيقولون: إنكم فرقتم بين الرجل والمرأة في توزيع الإرث، فأعطيتم للرجل ضعف المرأة، وإن كان هذا الأمر مقبولاً في القديم لأن وظيفة المرأة بيتية، واليوم المرأة شريكة الرجل في جميع الأعمال وتتحمل معه المصاريف، فلماذا فرقتم بينهما بالميراث؟



 

1-     قبل أن نخوض في الرد لنتعرف على أهداف نظام الإرث:

 

-         يقوي العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة، فالأبناء يرثون من والديهم ويشعرون أنهما أصحاب فضل عليهم.

-         نظام الإرث يساعد على إلغاء التضخم المالي فتوزع الثروة التي كان يملكها شخص على مجموعة أفراد.

-         يشجع الأفراد على العمل، فالفرد الذي علم أن أحب الناس إليه سيرثه سيزداد في الإنتاج حباً له.

2-  لنأخذ فكرة عن نظام الإرث عند بعض المذاهب والأديان: فعند الفرس كان الزوج يورث أحب الزوجات إليه وتحرم الباقيات كما تحرم الأم والأخت والبنت عندهم، أما اليهود فيعتبرون الابن الذكر الوارث الوحيد لوالده، أما عرب الجاهلية فيرون أن المرأة لا تستحق الإرث من أقاربها.

3- أن المدقق في الآية الكريمة يجد أن الله أوصى بالأولاد، ثم بين أن للذكر مثل حظ الأنثيين، فقال تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) فالأصل الوصية بالأولاد، وأما للذكر مثل حظ الأنثيين فهي حالة من حالات الميراث الأربع والعشرين، ولا ينطبق هذه التقسيم على كل حالات الميراث.

4- ولنضرب ثلاث أمثلة من حالات " تساوي المرأة بالرجل في قسمة الميراث، والأمثلة غيرها كثيرة:

-         إذا ترك الميت أولاداً وأباًَ وأماً، ورث كل من أبويه سدس التركة، دون تفريق بين ذكورة الأب وأنوثة الأم لقوله تعالى: (ولأبويه لكل واحد منهما السدس).

-         إذا ترك الميت أخاً لأمه، ولم يكن ثمة من يحجبها من الميراث فإن كلاً من الأخ والأخت يرث السدس، وذلك عملاً بقوله تعالى (وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس).

-         إذا ترك الميت عدداً من الإخوة للأم، اثنين فصاعداً، وعدداً من الأخوات للأم، اثنتين فصاعداً فإن الإخوة يرثون الثلث مشاركة، والأخوات أيضاً يرثن الثلث مشاركة، دون تفريق بين الإناث والذكور، وذلك بموجب قوله عز وجل: (فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث).

5- ولنضرب مثالين آخرين من حالات أخذ المرأة أضعاف الرجل من قسمة الميراث والأمثلة غيرها كثيرة:

-         إذا تركت المرأة المتوفاة زوجها وابنتها ، فإن ابنتها ترث النصف ويرث والدها الذي هو زوج المتوفاة الربع ، أي أن الأنثى ترث هنا ضعف ما يرثه الذكر .

-         إذا ترك الميت زوجة وابنتين وأخاً له، فإن الزوجة ترث ثمن المال، وترث الإبنتان الثلثين، وما بقى فهو لعمهما، وهو شقيق الميت، وبذلك يرث كل من البنتين أكثر من عمهما، إذ إن نصيب كل منهما يساوي (8/24) بينهما نصيب عمهما يساوي(5/24).

6- يتبين لنا أن قسمة الميراث في الشريعة ليست بسبب الذكورة والأنوثة، وإنما بسبب الوظائف التي يقوم بها كل من الرجل والمرأة، ومراعاً لمدى حاجة الوارث، ونوع العلاقة بينه وبين مورثه، فالقضية اقتصادية بحتة ، ولهذا لاحظنا سابقاً أن هناك حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل، وحالات أخرى ترث أضعاف الرجل.

7- أما الحالات التي أعطى الشرع فيها الذكر أكثر من الأنثى فليس ذلك عبثاً وإنما بسبب مكانته في الإنفاق العائلي، فرب الأسرة يتولى الإنفاق على إخوته وأهله، ولو كان أعزباً وعند زواجه يدفع المهر ويأمن المسكن والأثاث، وعليه تقع مسؤولية نفقة الزوجة والأولاد، وكذلك يتحمل دية القتل الخطأ ومصاريف الجهاد، والمحكمة تلزمه بذلك كله كما لا يحق للمحكمة إلزام المرأة بكل هذه المصاريف، فلو حسبنا ماأخذه الرجل بنظام محاسبي بعد إنفاقه لتبين أنه مساو لما أخذته المرأة إن لم يكن أقل.

8- إن النظام الغربي وبالأخص الأمريكي، يقسم الميراث على حسب الاتفاق الحاصل بين الزوجين قبل الوفاة، وفي هذا النظام ظلم كبير فهو لم يراع الوظائف الفردية للجنسين، وقد يحرم من التركة من هو أحق بها وقد لا يكون هناك اتفاق أصلاً بين الطرفين فيتعرى هذه النظام مشاكل كبيرة.

9- أما من يقول أن الوضع اختلف وأن المرأة بعد أن كانت بيتية في الماضي، أصبحت اليوم موظفة ، فنقول : مهما تغيرت أوضاع المرأة فإنها تبقى غير ملزمة بالإنفاق على أولادها وزوجه وبيتها ، وإن أرادت المشاركة والمساهمة فإن ذلك تطوع منها.

ولأن ذلك أدعى لحفظ كرامتها واحترام حريتها، فقد جعل الشارع من هو مسؤول عن الإنفاق عليها من يوم ولادتها وحتى وفاتها.

10- لو تخيلنا أن الشارع الزم المرأة بالإنفاق على البيت فإنه يتبع ذلك إلزامها بالخروج لكسب الرزق مما يجر الأسرة إلى الوقوع في المشكلات التي وقعت فيها المرأة الغربية، ولكن الشريعة أرادت أن تحترم المرأة وكرمتها من خلال تأمين رزقها لتكون مطمئنة فتبدع في صناعة الأجيال ورعاية البيت، وفي الوقت نفسه وفرت لها الحرية الاقتصادية عندما فتحت لها مجال العمل واعتبرته اختيارياً لها بينما ألزمت بذلك الرجل، لو كسبت المرأة مالاً فإن ذمتها المالية منفصلة عن غيرها، ولا يحق لأحد أن يأخذ منها إلا برضاها.

11- إن مسألة التركة مسألة حسابية لا مسألة عواطف وإدعاء، وتأخذ المرأة، ثلث الثروة المورثة لتنفقها على نفسها، بينما يأخذ الرجل ثلثي الثروة لينفقها أولاً على زوجته – أي إمرأة – وثانياً على أسرته وأولاده فأيهما يصيب أكثر من الآخر بمنطق الحساب والأرقام؟ وإذا كانت هناك حالات شاذة لرجل ينفقون كل ثرواتهم على انفسهم ولا يتزوجون ولا يبنون أسرة، فتلك أمثلة نادرة.

على أن هذه النسبة من الميراث إنما تكون في المال الموروث بلا تعب، فهو يقسم بمقتضى العدل الرباني الذي يعطي "لكل حسب حاجته" ومقياس الحاجة هنا التكاليف المنوطة بكل من الرجل والمرأة.
أما المال المكتسب بكافة أنواعه كالأجر على العمل والربح في التجارة وربع الأرض، فلا تفرقة فيه بين رجل وامرأة لأنه يتبع مقاساً آخر هو المساواة بين الجهد والجزاء.

12- إن أخذ المرأة نصف ما يأخذه الرجل في التركة في بعض الحالات هو عين العدالة، لأن مال الرجل سيزول بالمهر والإنفاق العائلي وماليها سيزيد بالمهر والاستثمار لو استثمرته.

13-إن البلاد الاسكندنافية لا يزال كثير منها يميز حتى الآن بين الذكور والإناث في الميراث، فيعطي الذكر أكثر من الأنثى رغم تساويهما في الواجبات والأعباء المالية.

14- طرفة : توفى انكليزي بعد أن أوصى بكل أملاكه وعقاراته وسياراته لسكرتيرته ، ولم يترك لزوجته قرشاً واحداً ، لأنها كانت سبباً في نكده ، فهل هذه مساواة ؟ .

15- إن المرأة في الإسلام حصلت على حقها في الميراث دون مؤتمرات وثورات.. بينما النساء في العالم حصلن عليه نتيجة الإضرابات والمؤتمرات.

16- مثال: لو كان في الشركة مدير يتقاضى (1000) دينار ونائبه يتقاضى (800) دينار، وكان المدير ذكراً بينما النائب أنثى لكانت القسمة صحيحة، وكذلك لو كانت المدير انثى والنائب ذكراً فإن القسمة صحيحة لأن المال يوزع على حسب الجهد والمسؤولية، فالقضية ليس لها علاقة بجنس الذكورة والأنوثة وإنما بحسب موقع الشخص والمسؤوليات التي على عاتقه وكذلك الحالة التي ناقشناها.

بقلم: د. جاسم المطوع

 

 

موقع الأسرة السعيدة