ضرب الناشز

 

من قال إن الإسلام يبيح للرجل ضرب المرأة، ومن قال إن الإسلام يبيح للزوج ضرب زوجته؟ إن الإسلام لا يبيح للرجل ضرب المرأة ولا للزوج ضرب زوجته، إنما أباح الإسلام للرجل الزوج – في حالة الاضطرار والاستحقاق – أن يؤدب زوجته الناشز بالضرب غير المبرح، والموضوع يحتاج إلى تفصيل طويل ودقيق لنبدأ بقوله تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا، "34" وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا. "35".



 

وأحب قبل أن أبدأ في توضيح الأمر ذاته أن نلقي الضوء على قاعدة مهمة في الفهم عموماً وفي فهم نصوص الإسلام خصوصاً، وهي أنه يستحيل فهم موضوع ما باجتزائه من سياقه الذي ورد فيه إن اجتزاء نص أو كلمة ما من السياق الذي احتواها وتسليط الضوء عليها وحدها يشوه الحقائق تشويهاً مريعاً، بل وفي أغلب الأحيان يقلبها إلى ضدها تماماً، وهذا الأمر يفعله صنفان من الناس أولهما أعداء الإسلام الصرحاء والأخفياء، وهؤلاء دافعهم معروف وواضح ولا غرابة فيه رغم ظلمه وخبثه.

وأما الصنف الثاني فهم المسلمون الذين لا يعرفون كيف يتعاملون مع الإسلام والذين لا يعرفون ما هي القواعد التي يجب اتباعها لاستنباط الأحكام قبل إطلاقها والعمل بها، وهؤلاء وعلى الرغم من عدم تعمدهم الإساءة للإسلام إلا أنهم يسيئون إليه إساءة أبلغ من أولئك الأوائل ويضربونه بخبط عشوائهم هذا في مقتل، فمن السهل جداً أن تجد رجلاً يضرب زوجته اعتياداً منه وبدم بارد مبرراً بـ "واضربوهن" التي وردت في الآية الكريمة، صائحاً إذا ما نصح بترك ذلك: (دا ربنا أمر بضرب الستات وقال: "واضربوهن").

فهل فعلاً ربنا أمر بضرب النساء وقال: "واضربوهن"؟ أرأينا ماذا فعل اجتزاء النص من سياقه الذي احتواه وورد فيه أنه دفع إلى التقول على الله بما لم يأمر به كفى بذلك إثماً مبيناً، بجانب ما جره هذا الاجتزاء من ظلم على طرف بريء وهو المرأة. وعلى الإسلام الذي يُرمي ظلماً أو زوراً بأنه شريعة ذكورية عنصرية تفضل الرجل على المرأة وتسلطه عليها وتبيح له إهدار كرامتها ومن الطبيعي لمثل هذه الفرية التي يُرمي بها الإسلام أن تصد الناس عنه، يعني الموضوع وصل في جملة ما وصل إليه نتيجة هذا الاجتزاء إلى الصد عن سبيل الله ذاته.

أرأينا لما كان الاجتزاء بهذا الشكل مصيبة على الناس والدين سواء، إنني لن أنقل التفسير المفصل الذي ورد لكل كلمة من كلمات الآية من بدايتها رغم أهمية ذلك البالغة وحتمية رجوع القارئ إليه في كتب التفسير حتى تكتمل ملامح الصورة ووضوحها في ذهنه، خوفاً من أن أبتعد عن التركيز على القضية التي نناقشها، وسأكتفي بلفت انتباه القارئ عن طريق عدة وقفات أراها مهمة:

أولها: قوله تعالى: "الرجال قوامون على النساء". من المهم معرفة معنى القوامة وما هي حدودها ما هي واجباتها وما هي حقوقها، وهل هي بمعنى السيطرة والإكراه والإجبار وممارسة القهر وإلغاء الشخصية وعدم السماع لوجهة النظر الأخرى وعدم الاعتراف بها أصلاً؟ أم أن معناها الرعاية والاهتمام بالشأن وتصريف الأمور والحماية والتقويم؟ وشتان بين المعنيين وأثرهما.

الوقفة الثانية: في قوله تعالى: "بما فضل الله بعضهم على بعض". هل معناها تفضيل الله جنس الرجال على جنس النساء عموماً وأصلاً؟ أم معناها بما ميز الله كل جنس منهما بما ركبه فيه من صفات مختلفة عن صاحبه تؤهله للقيام بوظيفته الأصلية والتي بها يتكاملان ولا يتضاربان؟

الوقفة الثالثة: في قوله تعالى: "وبما أنفقوا من أموالهم"، فهل معنى ذلك أن القوامة مرتبطة بالإنفاق وأن من يعيش بماله على زوجته وهو قادر على الكسب ولا يفعل لا تنعقد له أصلا قوامة ولا تحق له، أم أن الأمر منفصل ويظل الرجل هو القَيِّم على المرأة حتى وإن أكل وشرب من عرق جبينها هي؟!

الوقفة الرابعة: في قوله تعالى: "فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله"، فهل هذه المرأة الصالحة القانتة الحافظة للغيب بما حفظ الله أيضاً تُضْرَب إذا واتى ذلك مزاج الرجل أو إذا صدر منها يوماً من الأيام ما يغضبه صغيراً كان أم كبيراً؟! أم أن هذه المرأة بصفاتها تلك خارج دائرة مدّ اليد بالكلية ولا ينبغي بحال من الأحوال أن تمتد إليها يد الرجل بسوء؟

الوقفة الخامسة: في قوله تعالى: "واللاتي تخافون نشوزهن"، ولب القصيد فيها هو تحديد ما هو النشوز ومتى يطلق على المرأة أنها ناشز؟ بمعنى هل المرأة التي تبدي رأيها وتخالف رأي زوجها هي المرأة الناشز؟ أم هي المرأة التي لا يعجبها تصرف زوجها في أمرها؟ أم هي المرأة التي تراجع زوجها في قضية ما؟ هل المرأة التي تنكر على زوجها خطأ أو حراماً ارتكبه هي المرأة الناشز؟ هل المرأة التي تأمر زوجها بمعروف فاته هي المرأة الناشز؟ هل المرأة التي تأخرت في إعداد الطعام هي المرأة الناشز؟ هل المرأة التي نامت عن كيّ ملابس زوجها هي المرأة الناشز؟ هل المرأة التي أسرفت قليلاً في إنفاقها هي المرأة الناشز؟ هل المرأة التي أعطت لنفسها يوماً إجازة من تنظيف المنزل وترتيبه هي المرأة الناشز؟ هل المرأة التي قلبت محطة التلفاز وزوجها حاضر ولم تستأذنه هي المرأة الناشز؟ هل المرأة التي ردّت على زوجها رداً غير مناسب في يوم من الأيام نتيجة لضغوط تمر بها سواء اجتماعية أم صحية هي المرأة الناشز؟ مَنْ مِنْ هؤلاء هي الناشز التي تستحق الضرب والتأديب؟

لقد بلغني أن امرأة تُضرب إذا لم تضبط كمية الملح في الطعام، إذن فلتكن هذه هي الناشز التي نسيت أن أستعرض حالها، والتي تستحق الضرب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! بالتأكيد النشوز شيء آخر غير هذه الصور التافهة التي "يتلكك" بها الناس لينفسوا عن عللهم النفسية بالضرب، النشوز حالات يبلغ الإثم فيها درجة عالية جداً، بحيث يمكن أن يطلق عليها لفظ الفاحشة من قول قبيح أو فعل قبيح مما يؤذي الرجل أذى بالغاً، بالتأكيد!

الوقفة السادسة: هي أيضاً في قوله تعالى: "واللاتي تخافون نشوزهن" فما حكمة الإتيان بهذه الصيغة المستقبلية "واللاتي تخافون" وما دلالتها؟ وهل معنى ذلك لفت الانتباه للإجراءات الوقائية قبل وقوع المشكلة ذاتها لتضييق حالات اللجوء إلى الضرب باليد على أساس أن الوقاية خير من العلاج وأيسر منه وأقرب لرأب الصدع وأوفر للكرامة أم ماذا؟

الوقفة السابعة: في قوله تعالى: "فعظوهن" هل يفهم منها بناء على تقدم ترتيبها كوسيلة للعدول إلى الحق أن الإسلام يريد أن يستنفد كل الوسائل السلمية قبل اللجوء إلى العلاجات الأخرى؟ ويا ترى كم يستمر هذا الوعظ؟ هل يستمر يوماً أم أسبوعاً أم شهراً أم شهوراً أم سنة؟ وما دلالة هذا الإمهال؟ الوقفة الثامنة في قوله تعالى: "واهجروهن في المضاجع" ما قيمة هذا الهجر؟ وهل المقصود به بعث رسالة نفسية تخبر عن الضيق الذي أصاب الزوج والذي ألجأه إلى حتى عدم الالتفات إلى شريكة عمره في أقرب مواطن الألفة؟ وكم يستمر هذا الهجر؟ وما دلالة هذا الإمهال أيضاً؟ إنها وقفات كثيرة وتساؤلات لابد من الالتفات إليها وتأملها وإيجاد الأجوبة المقنعة لها قبل الكلام عن الضرب ذاته....

 

عمرو خالد لمجلة المرأة بتاريخ 26 مارس 2005