شيكسبير: حياته وأعماله

هل سمعتم بمسرحية "روميو وجولييت"؟ هذه المسرحية التي تناقلتها الأجيال وأعيد تمثيلها آلاف المرات وبمختلف اللغات، هذه المسرحية العظيمة التي توصف أعلى درجات الحب والتضحية، فمن هو مؤلفها؟ ومن هو ذلك الإنسان الأديب العبقري الذي كتبها وأخرجها وجعلها تصل إلى هذه الشهرة؟ نعم، إنَّه الأديب والمسرحي الخالد "ويليام شكسبير"، وفي هذا المقال سنتعرف إليه ونقرأ عن حياته وأعماله، فتابعوا معنا.



من هو "ويليام شيكسبير"؟

هو أعظم كاتبٍ مسرحيٍ وأعظم كاتبٍ أدبيٍ باللغة الإنجليزية في العالم، حاز على شرف كونه شاعر إنجلترا الدولي ولقب بشاعر أفون، وألَّف 38 مسرحيةً و154 قصيدةً وسوناتا، وعلى الرغم من التقدير الذي حاز عليه في حياته، إلا أنَّه اشتهر وزاد تقدير الناس عالمياً له بعد وفاته.

تُرجِمَت كافة مسرحياته إلى جميع لغات العالم، وأُدِّيَت هذه المسرحيات على نطاقٍ واسعٍ أكثر من مسرحيات أي كاتبٍ مسرحيٍ آخرٍ، ومن المثير للاهتمام هو عدم وجود معلوماتٍ دقيقةً عن حياة "شيكسبير" وميلاده وموته وتعليمه وصلاته الأدبية؛ الأمر الذي أثار جدلاً بين النقاد الأدبيين، وعرَّض ملفه وسيرته الذاتية للطعن، وبدؤوا بالتشكيك فيما إذا كان هو المؤلف الحقيقي لتلك الأعمال العظيمة أم لا.

خلال مسيرته المهنية، لامس "شيكسبير" أنواعاً كثيرةً من الكتابات المسرحية، ومن ذلك الرومانسية والكوميدية والتراجيديا والفانتازيا، وعُدَّ في القرن التاسع عشر عبقرياً وشاعراً ومسرحياً محترماً، وعلا نجمه علواً كبيراً حينها، وقد أقر به الرومانسيون على أنَّه عبقريٌ ونابغةٌ، بينما كان الفيكتوريون يهابونه ويتَّقونه.

حتى عصرنا هذا، تُدرَس أعمال "شيكسبير" وتُطبَّق في كافة الثقافات والجامعات والمجالات الأدبية، فهو بلا شكٍ أكبر مساهمٍ في عالم الأدب.

طفولة وحياة "شيكسبير":

وُلد "ويليام شيكسبير" في "ووركشير ستراتفورد بريطانيا" لـ "جون شيكسبير" وزوجته "ماري آردن"، وهو الطفل الثالث وفي نفس الوقت الابن الأكبر لهم بعدد أبناءٍ بلغ 8، لكن لم يعرف تماماً عام ميلاده الفعلي، ويتم الاحتفال به عالمياً في 23 من شهر نيسان/ أبريل من كل سنةٍ، ومسجلٌ وفقاً لسجلات الكنيسة التي عُمِّد بها عام 1564ميلادي.

لا توجد معرفةٌ كبيرةٌ عن طفولة "شيكسبير"، لكن يُعتَقد أنَّه تعلَّم القراءة والكتابة في مدرسة الملك الجديدة في "ستراتفورد"، لكن نظراً لأنَّ كافة مدارس ذلك العصر كانت تتبع منهجاً موحداً، فمن المعتقد أنَّه قد تلقى تعليماً مكثفاً في اللغة وقواعدها إلى جانب تعليمه المدرسي.

إقرأ أيضاً: قصة نجاح الشاعر نزار قباني

بدايات "شيكسبير" المسرحية:

في الفترة التي تسبق بدايات "شيكسبير" المسرحية، كانت المدة التي تتراوح بين عامي 1585 و1592 معتمة ولا يُعرَف عنها شيء، لكن توجد بعض الظنون بأنَّه كان متهماً بالصيد الجائر، وبعضهم الآخر يقول إنَّه كان نائباً لمدير مدرسةٍ ما؛ فحياته يشوبها الغموض، ولا توجد معلوماتٌ دقيقةٌ حتى عن بداية حياته المسرحية، إلا أنَّ سجلات العروض المسرحية تُظهِر أنَّ مسرحياته بدأت تُعرَض على مسرح "لندن" في حلول عام 1592.

في ذلك الوقت سطع نجم "شيكسير" وجذب نحوه العديد من المعجبين والنقاد على حدٍّ سواء، ومن بينهم "روبرت غرين" الذي كان من أوائل الناقدين له؛ إذ تضايق "روبرت" من محاولات "ويليام" التوفيق بينه وبين الكتاب الجامعيين.

قام رجال اللورد "تشامبرلين" بأداء كافة مسرحيات "شيكسبير" عام 1594، وتربع هذا الطاقم في المركز الأول ولم ينافسه أحدٌ عليه، وأصبح بعدها شركة تمثيلٍ مسرحيٍ رائدةً في "لندن"؛ إذ إنَّهم اشتروا مسرحاً خاصاً بهم عام 1599 وأطلقوا عليه اسم "غلوب".

ازدهرت سمعة "شيكسبير" في تلك الفترة بوصفه كاتباً مسرحياً وممثلاً، إلى حدِّ أنَّ اسمه أصبح نقطة بيعٍ وتجارةٍ قويتن، وازداد ثراؤه واستقراره المالي أيضاً نتيجة نجاح شركته المسرحية ومسرحه.

لقد منحت شركة "شيكسبير" ورجال "تشامبرلين" المسرحية براءة اختراعٍ ملكيةً، وتم تغيير اسمها إلى شركة رجال الملك؛ وذلك بعد وفاة الملكة "إليزابيث" عام 1603م، وازدادت هذه الشركة شهرةً واكتسبت شعبيةً ونجاحاً كبيرين؛ وذلك بعد إطلاق العديد من مسرحيات "شيكسبير" وبيعها بوصفها نوعاً من الأدب الشعبي.

قام "شيكسبير" - بالإضافة إلى كتابة المسرحيات - بالتمثيل في عددٍ من مسرحياته ومنها، مسرحية "كل رجلٍ في مرحه"، و"هاملت"، و"هنري السادس"، و"سقوط سيجانوس"، و"الملف الأول"، و"كما تحبها".

لقد ازدهرت حياة "ويليام شيكسبير" وأصبح فاحش الثراء في نهاية القرن 16 وبداية القرن 17؛ إذ نُشِرَت 15 مسرحيةً من أصل 37 مسرحية كتبها، لدرجة أنَّه قام بشراء قصرٍ كبيرٍ في "ستراتفورد" يدعى بـ "البيت الجديد" (New house)، وبدأ بعدها سلسلة شراء العقارات والتأجير، وتحول إلى جانب كونه كاتباً مسرحياً إلى رجل أعمالٍ ناجحٍ، واستقراره واستثماراته الناجحة ومصدر الدخل والثروة الثابت والمتزايد قدموا له الكثير من الراحة والوقت للتركيز على متابعة كتابة المسرحيات والشعر.

شاهد بالفديو: أقوال وحكم رائعة للكاتب المسرحي وليام شكسبير

أعمال "شيكسبير" في الشعر:

قام "شيكسبير" بتجربة كتابة الشعر خلال عامي 1593 و1594 بعد تفشي الطاعون وإغلاق المسارح في تلك الفترة؛ إذ قام بتأليف قصيدتين الأولى سماها "فينوس وأدونيس"، والثانية "اغتصاب لوكريس"، وكلاهما موجهان لـ "إيرل ساوثهامبتون" و"هنري رايوثيسلي".

تصوِّر قصيدة "فينوس وأدونيس" التقدم الجنسي لـ "فينوس" والتعارض والرفض النهائي لسلطة "أدونيس"، بينما قصيدة "اغتصاب لوكريس" من اسمها، تروي معاناة "لوكريس" واضطرابها العاطفي الذي تسبب به اغتصاب "تاركين" لها، وقد حازت هاتان القصيدتان على شعبيةٍ كبيرةٍ وتمت طباعتهما كثيراً.

بعد ذلك قام "شيكسبير" بكتابة عدة قصائد، من بينها قصيدة "شكوى عاشقٍ" التي يروي فيها قصة امرأةٍ تعاني من الألم نتيجة محاولات الإغواء التي تتعرض لها من قبل خطيبها، وبعدها كتب "طائر الفينيق والسلحفاة"؛ وهي قصة عشقٍ بين سلحفاة وفينيق تنتهي برثاء موتهما.

كما أصدر "شيكسبير" آخر أعماله في مجال الشعر عام 1609م، وهي السوناتا؛ إذ قام بتأليف نحو 154 سوناتا، لكن يُشَك بأنَّ "شيكسبير" لم يصدر تلك السوناتات كلها في نفس الوقت؛ بل قام بتأليفها على مدى مسيرته كلها، واستقطب بها بعض القراء ذوي الأذواق الخاصة المتفردين.

تمتلك السوناتا أسلوباً خاصاً يُعَدُّ غير نمطيٍ، ولا يشبه غيره من أنواع الشعر والأدب، ويحتفي هذا النمط بالحب والعاطفة والجنس، ويتعمق بالمعلومات المتعلقة بالوقت والولادة والموت.

أعمال "شيكسبير" وأسلوبه:

كان "شيكسبير" شخصاً متفرداً بأسلوبه ومبتكراً ومبدعاً لا يضاهيه أحد؛ إذ قام بتكييف الأسلوب التقليدي وتسييره بطريقته الخاصة، وأضاف له الاستعارات والعبارات والمصطلحات اللغوية البلاغية، وعلى الرغم من بساطة فكرة وحبكة وشخصيات المسرحية أو القصيدة، إلا أنَّه نادراً ما تتماشى هذه الإضافات البلاغية عليها، وتحتوي أغلب مسرحياته على نمطٍ متريٍ يتألف من خماسياتٍ من السطور غير المقفاة عادةً، وأحياناً ما تمتزج بأسلوبٍ من الشعر أو النثر البسيط.

لقد استلهم "شيكسبير" أولى أعماله ومسرحياته في الأعوام الأولى من كتابته في نهاية القرن السادس عشر من التاريخ والشخصيات في تلك الحقبة، أمثال "ريتشارد الثاني"، و"هنري الخامس والسادس"، وغيرهم، إلا مسرحية "روميو وجولييت" كانت الاستثناء الوحيد بقصةٍ أصليةٍ من تأليفه في تلك المرحلة من الزمن.

برزت براعة "شيكسبير" من خلال أعماله الكوميدية أيضاً؛ فكانت مسرحية "حلم ليلة منتصف الصيف" مصورةً ببراعةٍ ومليئة بالخيال والأفكار التي تريد إيصالها مما بين السطور، وغيرها العديد من المسرحيات الكوميدية الأخرى كمسرحية "جعجعةٍ بلا طحنٍ" أو بما معناه الكثير من اللغط على لا شيء، التي تبرز مدى ذكائه وقدرته على التلاعب بالألفاظ وإخفاء الرسائل بين الجمل والاستعارات، كذلك مسرحياتٌ مثل "كما تحبها" و"الليلة الثانية عشرة" كانت كوميديا رائعةً أيضاً، ومن الأعمال الأخرى في نفس الوقت نذكر منها "كوميديا الأخطاء"، و"تيتوس أندرونيكوس"، و"سادتي فيرونا" و"ترويض النمرة".

بدأ "شيكسبير" في سنوات حياته الأخيرة بالتطرق إلى موضوع التراجيديا، وكتابة المسرحيات المأساوية، وقد قام عن طريق تمثيله للشخصيات بتوصيف السلوك البشري وأفعاله اللامبررة، وقد تم تعريف العديد من المشاعر البشرية كالخيانة والانتقام وسفاح المحارم والتدهور الأخلاقي بشكلٍ كلاسيكيٍ وعميقٍ من خلال مسرحياتٍ كـ "هاملت"، و"الملك لير"، و"عطيل" و"ماكبث"، ومعظم هذه الأعمال كانت لها نهاياتٌ مأساويةٌ؛ لذا تم إدراجها تحت نوع مسرحيات التراجيديا السوداء.

في آخر أعماله، قام "شيكسبير" بمزج التراجيديا بالكوميديا ليخرج مسرحيات الكوميديا السوداء، التي على الرغم من كونها مسرحياتٍ ذات بدايةٍ مأساويةٍ، إلا أنَّ نهاياتها سعيدةٌ، ومن الأمثلة عن تلك المسرحيات، مسرحية "سيمبلاين" و"حكاية الشتاء" كانت تندرج تحت نوع التراجيديا الكوميدية.

لقد انخفض بعد عام 1610م عدد مسرحيات "شيكسبير" انخفاضاً كبيراً، حتى أصبح شبه معدومٍ نسب أي مسرحيةٍ له؛ فمن المعتقد أنَّ آخر ثلاث مسرحياتٍ كتبت كانت بالتعاون مع "جون فليتشر"، الذي نجح في العمل بوصفه كاتباً مسرحياً خلفاً لـ "شيكسبير" في مجموعة وشركة رجال الملك المسرحية.

حياة "شيكسبير" الشخصية وإرثه:

كما كانت التقاليد في تلك الحقبة آنذاك، قام "شيكسبير" البالغ من العمر 18 عاماً بالزواج من "آن هاثواي" التي كانت تبلغ من العمر حينها 26 عاماً، وأنجب منها ثلاثة أطفالٍ؛ ابنته "سوزانا" التي وُلدت بعد ستة أشهرٍ من زواجهما، ثم رُزقوا بتوأمٍ بعدها بعامين، ذكر وأنثى أسموهما "هامنت" و"جوديث".

يقال إنَّ "ويليام شيكسبير" قد توفي في يوم عيد ميلاده المخمن والذي هو 23 من شهر نيسان/ أبريل في عام 1616م، عن عمرٍ ناهز 52 عاماً، ودُفِن في كنيسة "الثالوث المقدس"، وقد أقيم نصبٌ تذكاريٌ لتكريمه وأعماله على الجدار الشمالي للكنيسة، بالإضافة إلى آثارٍ تذكاريةٍ جنائزيةٍ في كاتدرائية "ساوثوارك"، وفي ركن الشعراء في "وستمنستر آبي" مخصصة له، كذلك العديد من التماثيل والنصب الأخرى التي شيدت حول العالم تخليداً لأعماله ودوره الكبير في إثراء الأدب الإنجليزي المعاصر.

إقرأ أيضاً: أقوال وحكم رائعة للفيلسوف يوهان غوتة

في الختام:

لقد تحدثنا في هذا المقال عن السيرة الشخصية للكاتب المسرحي والشاعر "ويليام شيكسبير"، وذكرنا أبرز أعماله وإسهاماته في الأدب والمسرح، على أمل تحقيقه للفائدة المرجوة منه.

المصدر




مقالات مرتبطة