سيكولوجية المدير والسكرتيرة.. من أكثر أزمات منتصف العمر شيوعاً

بداية.. أود التأكيد أن تحليلي للعلاقة بين المدير والسكرتيرة يقع في إطار الصورة النمطية – أي الصورة الأكثر شيوعا - لكل منهما، وهذا لا يمنع وجود استثناءات لا ينطبق عليها ما نقوله. فالمدير غالبا ما يكون شخصا طموحا ذكيا جادا وملتزما، قضى صباه وشبابه في كفاح مرير؛ لكي يحقق النجاح ويتفوق على أقرانه ويصل إلى الموقع القيادي الذي كان يحلم به. وربما تكون لديه سمات الشخصية البارانوية مثل الغيرة وحب الاستعلاء والشك والرغبة في السيادة والسيطرة، وفى أعماقه شعور بالاضطهاد وشعور بالدونية يدفعانه إلى العلو والسيطرة كنوع من التعويض والرغبة في الانتصار.



 

حياة المدير

هذه هي مواصفات الشطر الأول من حياة المدير، أما الشطر الثاني فإنه يجنى فيه ثمرة كفاحه حيث يشعر بالاستقرار المالي والاجتماعي والنفسي، ويتضخم شعوره بذاته وربما يصل إلى درجة النرجسية خاصة إذا كان محاطا بمجموعة من الموظفين الذين ينفخون في هذه الذات طول الوقت. وفي هذه الظروف يتذكر المدير قصة كفاحه الطويلة وكيف عانى فيها من الجهد والحرمان ويشعر أن من حقه أن يعوض ما فاته في سنوات الحرمان وخاصة وهو يشعر الآن بقوته وسيطرته وأن من حقه أن يأخذ كل ما يريد لأنه ناجح وقوي ويستحق كل شيء بشهادة الجميع الذين يمتدحونه طول الوقت.

والمدير بطبيعة ظروفه (خاصة إذا كان من طبقة اجتماعية بسيطة) وشخصيته يعتبر العمل هو حياته لذلك تجده في أحسن حالاته حين يكون في العمل فهو أنيق ومتألق ومتدفق وذو شخصية جذابة ومؤثرة وفاعلة، وحين يضاف إلى ذلك فخامة المكتب وهالة المنصب فإنه يصبح نجما ساطعا في محيط عمله، الكل ينتظر قدومه ويتمنى رضاه ويتابع حالته المزاجية، أي أنه هو مركز الاهتمام في محيط عمله، ولذلك نجده يقضي فيه معظم وقته ويعتبر أي وقت خارج العمل وقتا ضائعا.

فإذا تتبعنا هذا المدير في بيته فسنجد الصورة تختلف تماما حيث نجد شخصية مرهقة تريد أن تستسلم للراحة والاسترخاء من عناء العمل، لا يحب الدخول في مشكلات البيت والزوجة والأولاد؛ لأن مشاكل العمل تكون قد استنزفت كل طاقاته، وهو يلبس بيجامة أو جلبابا (مقابل البدلة الأنيقة في العمل)، وتبدو شخصيته باهتة منسحبة (مقابل الشخصية المتألقة الفاعلة في العمل)، وربما يبدو عصبيا متأففا، ويفضل أن يمارس أنشطة تخلو من التفكير الجاد كأن يقرأ في جريدة أو يطالع التلفزيون أو يداعب أبناءه دون الدخول في تفاصيل حياتهم أو احتياجاتهم.

وزوجة المدير تكون أقرب إلى الخادمة منها إلى الزوجة فهي قد ضحت بعملها لكي تكون في البيت تلبي احتياجاته واحتياجات الأبناء نظرا لانشغال الأب (المدير)، وتصبح ملمة بكل تفاصيل البيت والأولاد ولكنها تجهل الكثير عن العالم الخارجي، وهي ضامرة المشاعر مع الزوج المشغول دائما والمرهق في حال وجوده بالمنزل، لذلك تتحول شخصيتها بالتدريج دون أن تدري إلى شخصية أم (تضع همها ومشاعرها كلها في أبنائها) وإلى شخصية خادمة تنتظر الزوج العائد في آخر الليل متعبا لكي تساعده في خلع ملابسه وأخذ حمامه وتناول عشائه والذهاب إلى سريره ليصحو مبكرا ويذهب لعمله.

ونرجو أن ينتبه القارئ إلى أننا لا نقصر كلامنا هنا على وظيفة معينة اسمها "المدير" ولكن هذا الكلام ينصرف أيضا إلى الطبيب في مستشفاه أو في عيادته، والمحامي في مكتبه، والمهندس في موقع عمله ورئيس مجلس الإدارة في شركته و…… و……… إلخ.

 

شخصية استعراضية

وإذا انتقلنا بعد ذلك إلى شخصية السكرتيرة فهي تميل في كثير من الأحيان إلى السمات الهستيرية أي أنها تكون استعراضية تحب لفت الأنظار بشكلها وملابسها وزينتها وروائح عطرها، وتحب أن تبدو رقيقة ونشيطة ومجاملة وجذابة وأحيانا مغوية.

وعلى الرغم من كل هذه المظاهر المغرية والجاذبة فإنها تكون سطحية المشاعر لا تستطيع أن تحب إلا نفسها، ولا تستطيع أن تعطي شيئا، فهي كما يقولون "تعد ولا تفي" أو "تغوي ولا تشبع". وعملها كسكرتيرة للمدير الناجح والقوي والمؤثر يشبع لديها كل هذه الميول فهي تملك مفاتيح المدير وهي تستقبل زائريه فتسمح لمن تريد وتمنع من لا تريد، لذلك فالكل يطمع في رضاها لأنها هي مدخل المدير، ووجودها في هذا المكان وسط هذه الجموع من الناس يعطيها فرصة لممارسة ميولها الاستعراضية على الجمهور من ناحية وعلى المدير من ناحية أخرى.

وبما أنها شخصية استعراضية وطموحة وتحب أن تكون في مركز الاهتمام فإنها تسعى بوعي أو دون وعي إلى استدراج المدير حتى يقع في شباكها. ويساعدها على ذلك دورها الذي تقوم به فهي تقضي وقتا طويلا بالقرب من المدير، وهي ترتب له أوراقه ومواعيده ومقابلاته، وتعرف الكثير من أسرار العمل... ليس هذا فقط بل إنها ترعاه وجدانيا فتخفف عنه إذا كان في حالة ضيق، وتأتي له بفنجان القهوة إذا شعر بالإرهاق، وتعدل درجة حرارة الغرفة وتعتني بجمال ونظافة المكان الذي يجلس فيه وتواسيه إذا كان حزينا، وربما تداعبه بكلمة إذا كان فرحا...

وهكذا تواكب وترعى كل احتياجاته العملية والوجدانية بشكل رقيق وهادئ، وهي تتحرك طول الوقت في حيوية ونشاط وتدفق، فالعمل بالنسبة لها – كما هو بالنسبة للمدير - حياتها لأنها تجد فيه إشباعا لكل احتياجاتها لذلك تكون في أحسن حالاتها الجسمانية والوجدانية في وقت العمل.

وإذا كان الاثنان (المدير والسكرتيرة) يكونان في أحسن حالاتهما في العمل، وكل منهما يعطي الآخر ما يحتاجه بالشكل الذي يريحه، ويقضيان أغلب وقتيهما في العمل، فإنه من الطبيعي أن تنشأ علاقة إيجابية بين الاثنين نتيجة لذلك الارتباط الشرطي الذي يحدث كلما التقيا.

وهذه العلاقة الإيجابية ربما تتطور إلى ما هو أكثر من ذلك طبقا لاحتياجات المدير أو احتياجات السكرتيرة أو احتياجاتهما معا، فالمدير يشعر بحرمان عاطفي نتيجة تحول زوجته إلى أم وخادمة ونتيجة حرمانه في فترة كفاحه، وهو يقارن بين زوجته التي أنهكتها السنون وواجبات البيت والأولاد وبين السكرتيرة الشابة المليئة بالحيوية والنشاط والمشاعر (رغم سطحيتها).

 

طموح السكرتيرة

والسكرتيرة من جانبها تطمح إلى مركز المدير وشخصيته وماله ونجاحه ونجوميته فلا مانع لديها من تلك الصفقة التي تعطيه فيها شبابها مقابل كل هذا، ولا يهم فارق السن فعلى الرغم من أن المدير في الخمسين من عمره فإنه يبدو شبابا، بل هو يتفوق على الشباب في نضجه ونجاحه واستقراره.

وإذا وصلنا إلى هذه النقطة وقع المحظور وتحولت علاقة العمل إلى علاقة خاصة تنقلب فيها الأمور حيث تمتلك السكرتيرة قوة وتأثيرا على قلب المدير وبالتالي على حياته وقراراته، ويصبح المدير مُسيرا برغباتها وأمنياتها ويؤثر ذلك كثيرا على نجاحه في العمل لأن الوضع انقلب حيث أصبحت هي التي تحركه من خلال ملكيتها وسيطرتها على احتياجاته الوجدانية. يضاف إلى ذلك ما يعانيه المدير من صراع بين أخلاقياته واحتياجاته، وبين زوجته وأولاده من ناحية، وبين السكرتيرة من ناحية أخرى، وهذا الصراع يؤثر كثيرا على تركيزه وعلى فاعليته فيبدو مشوشا مضطربا.

ولذلك فهم قد انتبهوا في الدول الأكثر تقدما إلى هذا الجانب، فحين تتحول العلاقة بين المدير والسكرتيرة من علاقة عمل إلى علاقة خاصة، فلا بد من تغيير أحدهما لأن مصلحة العمل فوق الجميع.

 

نضج المدير

أما في المجتمعات النامية فإن الأمر يتوقف على درجة نضج المدير، فإذا كان ناضجا ورأى الأمر على حقيقته وعرف أن جزءا كبيرا مما يراه من السكرتيرة ليس هو حقيقتها، ولو أراد معرفة الحقيقة فلن يتاح له ذلك إلا من خلال صورتها حين تعود لبيتها فتصبح إنسانه مرهقة خاملة عصبية حادة، وأنها حين تصبح زوجة له – كما يريد- فسوف تتحول (أو يحولها هو) إلى صورة أقرب إلى (وربما أسوأ من صورة) زوجته.

 فإذا سمح له نضجه بهذه الرؤية فإنه سيرى فضل زوجته الوفية المخلصة التي رافقته في مشوار كفاحه وضحت باحتياجاتها من أجل نجاحه وأن ما ينعم به الآن من نجاح لم يكن ليتحقق لولا هذه المرأة القابعة في أعماق بيته تهيئ له الاستقرار والراحة، وإن كانت قد فقدت شيئا من أنوثتها فهو مسئول عن ذلك وقد جنى ثمنه جزءا من نجاحه وباستطاعته إعادته إليها مرة أخرى بالاقتراب الودود من مشاعرها التي طال إهماله لها.

موقع الأسرة السعيدة