سنن الأضحية في عيد الأضحى وطريقة تقسيمها

الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام وسنّة خلَّد الله ذكراها في كتابه الكريم لبيان حقيقة الإيمان، وأثر الطاعة، والتسليم لأوامر الله عز وجل، فقد أمر تعالى سيدنا إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل فلم يتردد سيدنا ابراهيم واستجاب لأوامر الله فعوّضه الله بفداء عظيم لابنه، وأبقى ذكره في العالمين قال تعالى: ((وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين)) (الصافات).

وللأضحية أحكام معينة سنتحدّث عنها في المقال التالي:



أولاً: تعريف الأضحية ومشروعيتها وحكمها

  • الاضحية لغةً: اسم لما يُضحّى به، أي: يذبح أيام عيد الأضحى، وجمعها: الأضاحي.
  • الأضحية اصطلاحاً: ما يذبح من بهيمة الأنعام في يوم الأضحى إلى آخر أيام التشريق تقرباً إلى الله تعالى.

حكم مشروعية الأضحية:

دليلها مشروعة بالقرآن والسنة والإجماع. فدليلها من القرآن قوله تعالى: {فصلِّ لربك وانحر}، وقوله تعالى: ((والبُدن جعلناها لكم من شعائر الله، لكم فيها خير)).

أمّا من السنة عن البراء رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، من فعله فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء)) متفق عليه، وأجمع المسلمون على مشروعية الأضحية، وكونها من شعائر الله التي أمر بتعظيمها، كما أن فيها اقتداء بسنة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي واظب عليها ولم يتركها.

حكم الأضحية:

اتّفق الجمهور على أنها سنة مؤكدة أي أنه لا إثم في تركها، لكن رغم ذلك يفوت المسلمَ خير كبير بتركها إذا كان قادراً على القيام بها، قال تعالى: ((فصل لربك وانحر) ((الكوثر:2)، وعن عائشة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله عز وجل من إراقة دم، وإنها لتأتي يومالقيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها. وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفساً))، رواه ابن ماجه والترمذي، وذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها، منهم أبو حنيفة ومالك في أحد قوليه.

ثانياً: شروط الأضحية

1- أن تكون من بهيمة الأنعام:

وهي الإبل، والبقر، والغنم (أي الماعز والخراف) بجميع أنواعها ذكوراً وإناثاً. لقول الله تعالى: ((ولكل أمة جعلنا منسكاً ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام)) (الحج: 34)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن تعسُر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن)، رواه مسلم في "صحيحه، والمسنة هي: الثنية من الإبل والبقر والغنم، ولم ينقل عنه عليه الصلاة والسلام أنه ضحى بغير هذه الأجناس، ولا أمر أصحابه بأن يضحوا بغيرها، فوجب اتباعه فيها.

2- أن تبلغ السن المعتبر شرعاً:

بأن تكون ثنياً إذا كانت من الإبل أو البقر أو المعز، وجذعاً إذا كانت من الضأن، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن تعسُر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن)، رواه مسلم. والثني من الإبل ما تم له خمس سنين، والثني من البقر ما تم له سنتان، والثني من الغنم ما تم له سنة، والجذع من الضأن ما تم له نصف سنة، وأفضل الأضحية الإبل، ثم البقر، ثم الضأن.

3- السلامة من العيب:

يشترط في الأضحية السلامة من العيوب وهي العيوب التي من شأنها أن تنقص الشحم أو اللحم إلا ما استثني، فلا يجزئ العوراء ولا العرجاء ولا العضباء (وهي مكسورة القرن من أصلها، أو مقطوعة الأذن من أصلها) ولا المريضة ولا العجفاء (وهي الهزيلة التي لا مخ فيها) لقوله صلى الله عليه وسلم: «أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البيّن عورها، والمريضة البيّن مرضها، والعرجاء البيّن عرجها، والكسيرة التي لا تُنقي» يعني لا نَقي فيها ـ أي لا مخ في عظامها وهي الهزيلة العجفاء [رواه أحمد وأبو داود].

والأفضل في الأضحية ما توافرت فيها صفات التمام والكمال كالسمن، وكثرة اللحم، وجمال المنظر وغيرها.

4- شروط المُضحّي:

ويشترط في المضحي نية التضحية، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرئ ما نوى» رواه البخاري. وذلك لتفترق هذه القُربة عن غيرها من القربات، وعن الذبح لمجرد اللحم.

5- وقت الأضحية:

أن يكون الذبح في الوقت المعتد به شرعاً، صباح العيد بعد الصلاة، فلا تجزئ قبله أبداً، فيذبحها بعد صلاته، فإذا ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله، كما في حديث البراء رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل هذا فقد أصاب سنتنا، ومن نحر قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء) رواه البخاري.

ويمتد وقت الذبح على الصحيح حتى غروب شمس آخر يوم من أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فتكون مدة الذبح أربعة أيام، لقوله صلى الله عليه وسلم (كل أيام التشريق ذبح) رواه أحمد وحسنه الألباني.

إقرأ أيضاً: ماهي تجهيزات عيد الأضحى وكيف نستعد له؟

ثالثاً: سنن الاضحية في عيد الأضحى

1- ينبغي للمضحي أن يراعي آداب الذبح كالإحسان إلى الذبيحة وإراحتها، وفي حال كانت الأضحية من الإبل يُستحب أن تُنحر في المنطقة الواقعة بين العنق والصدر، وتكون قائمةً معقولةً ويدها اليُسرى مربوطة، وإذا كانت الأضحيّة من الغنم أو البقر فيُستحب أن يتم اضطجاعها على جانبها الأيسر باتّجاه القبلة، فعن أنس رضي اللهُ عنها قال (ضحّى النبيُ صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحّين أقرنين ذبحهُما بيدهِ وسميّ وكبّرَ ووضع رجلهُ على صِفاحهما).

2- التسميّة عند الذبح، ويُستحب كذلك ذكر الله أكبر اللهم هذا منكَ ولك، كما ويُستحب ذبح الشخص لأضحيتهِ بنفسه إن كان قادراً على هذا، وذلك لأنّ النبي عليهِ الصلاة والسلام ذبح أضحيته بنفسه، وله أن ينيب عنه غيره. "فعن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نحَرَ ثلاثًا وسِتِّينَ بيده، ثم أعطى عليّاً فنَحَرَ ما غَبَرَ". من الأفضل أن يأكل المُضحي من أضحيتهِ حتّى لو كانت واجبة كالنذر.

3- ومن السنة أن يتم تقسيم الأضحيّة إلى ثلاثة أقسام ثلث للأهل، وثلث للتصدق، وثلث للهدية، وذلك لقوله تعالى في آياته الكريمة (فكلوا منها وأطعموا القانعَ والمُعتر)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «كلوا وادخروا وتصدقوا» [مسلم] وإن لم يقسمها هذه القسمة جاز له أن يتصدق بها كلها أو يأكلها كلها أو يهديها كلها.

4- تجزئ الأضحية الواحدة عن الرجل وأهل بيته وإن كثروا، لحديث أبي أيوب رضي الله عنه قال: "كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون" رواه الترمذي.

5- يُحرم على من أراد أن يُضحي أخذ شيء من شعرهِ أو أظافرهِ منذ بداية الأيام العشر من ذي الحجة حتّى يتم الذبح لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ((إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره)).

6- لا يجوز للمسلم أن يعطي الجزّار شيئاً من الأضحية على سبيل الأجر، ويمكن إعطاؤه على سبيل التفضل والهدية أو الصدقة، لما ورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ((أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بُدنه وأقسم جلودها وجِلالها، وأمرني ألا أعطى الجزار منها شيئا. وقال: نحن نعطيه من عندنا))

7- كما يُمنع على المضحّي أن يبيع شيئاً من الأضحية لينتفع هو بثمنه وقد روى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم: «من باع جلد أضحيته فلا أضحية له».

رابعاً: مقاصد تشريع الأضحية

  • ليتقرّب العبد من ربّه ولشكره سبحانه وتعالى على نعمه المتعددة، فالأضحية صورةٌ من صور الشكر لله سبحانه وتعالى، فيتقرب العبد إلى ربه بإراقة دم الأضحية امتثالًا لأمر الله سبحانه وتعالى حيث قال: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ (الكوثر). وقال تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} (الحج).
  • إحياء سنة سيدنا إبراهيم حين أمره الله عز وجل بذبح الفداء عن ولده إسماعيل عليهما الصلاة والسلام في يوم النحر، وأن يتذكر المؤمن أن صبرهما وإطاعتهما لأوامر الله وتغليب محبّته على الرغبات والولد كانا سبب الفداء ورفع البلاء، فيقتدي بهما.
  • في الأضحية توسعة على الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء والفقراء، وذلك يزيد الألفة والمحبة بين المسلمين، وهذا أمر مطلوب ومحمود، لا سيَّما في هذه الأيام المباركة.

 

بهذا نكون قد تعرّفنا على أحكام الأضحيّة في عيد الأضحى بشكل كامل وذلك ابتداءً من حكمها ومشروعيتها انتهاءً بشروطها وسننها ومقاصد تشريعها، وعليه يتوجب عليك أخي المسلم أن تعرف هذه المقاصد التي شُرعت الأضحية لأجلها، وأن تحرص على أن تتبع سنة الرسول الله صلى الله عليه وسلم الشريفة، على أمل أن يعينك الله على اتباع سنته وسنة نبيه وأن يتقبل الله منك صالح أعمالك.




مقالات مرتبطة