سلسلة "بورتر" للقيمة: كيفية بناء القيمة ضمن المنظمة

كيف تبني منظمتك القيمة؟ وكيف تُحوّل المواد الواردة على صعيد العمل إلى منتجات بطريقةٍ يكون لهذه المنتجات قيمة أكبر من التكلفة الأصلية لبنائها؟ إنَّ هذا السؤال ليس مجرَّد سؤالٍ عادي بل هو مسألة ذات أهمية جوهرية بالنسبة إلى الشركات لأنَّه يتطرّق في المقام الأول إلى المنطق الاقتصادي الذي يفسِّر سبب نشأة المنظمات.

فشركات التصنيع تبني القيمة من خلال الحصول على المواد الأولية واستخدامها لإنتاج شيءٍ مفيد، أمَّا تجار التجزئة فيقومون بذلك من خلال جمع مجموعة من المنتجات وعرضها بطريقةٍ ملائمة للزبائن ويدعمون ذلك في بعض الأحيان بخدماتٍ مثل غرف القياس أو المُتسوِّق الشخصي (وهو شخصٌ مهمته تقديم النصائح للمتسوِّق في أثناء عملية التسوق).



تمثل القيمة التي تبنيها شركةٌ ما وتحتفظ بها هامشَ الربح الذي تحققه هذه الشركة:

القيمة التي يتم بناؤها والاحتفاظ بها – تكلفة بناء هذه القيمة = هامش الربح

فكُلّما زادت القيمة التي تبنيها الشركة زاد احتمال تحقيق هذه الشركة للربح، وعندما تُقدّم مزيداً من القيمة إلى زبائنك فإنَّك بذلك تبني ميزةً تنافس بها منافسيك.

يُعَدّ فهم طريقة بناء شركتك للقيمة والبحث عن طرائق لإضافة المزيد من القيمة عنصرَيْن أساسيَّيْن في تطوير استراتيجيةٍ تنافسية. وقد ناقش "مايكل بورتر" (Michael Porter) هذا في كتابه الذي نُشر في العام 1985 تحت عنوان "الميزة التنافسية" (Competitive Advantage) والذي حظي حينها بتأثيرٍ واسع، حيث قدم "بورتر" في هذا الكتاب مفهوم سلسلة القيمة للمرة الأولى. فسلسلة القيمة هي مجموعة من الأنشطة التي تقوم بها منظمةٌ ما لبناء قيمةٍ لزبائنها. طرح "بورتر" فكرة سلسلة القيمة ذات الأغراض العامة والتي يمكن للشركات استخدامها للتحقق من جميع أنشطتها والاطلاع على مدى ترابطها. إذ تحدد الطريقة التي تؤدى من خلالها أنشطةُ سلسلة القيمة التكاليفَ وتؤثِّرُ في الأرباح لذا فإنَّ هذه الأداة يمكن أن تساعدك على فهم مصادر القيمة بالنسبة إلى منظمتك.

عناصر سلسلة "بورتر" للقيمة:

بدلاً من البحث في أنواع الإدارات أو أنواع التكاليف تركز سلسلة "بورتر" للقيمة الانتباه على الأنظمة وكيفية تحويل المواد الواردة إلى منتجات يتم شراؤها من قِبَل المستهلكين. وانطلاقاً من وجهة النظر هذه قدَّم "بورتر" سلسلة من الأنشطة المشتركة بين جميع الشركات، وقسَّم هذه الأنشطة إلى أنشطة أساسية وأنشطة دعم كما هو موضَّحٌ أدناه:

الأنشطة الأساسية (Primary Activities):

ترتبط الأنشط الأساسية ارتباطاً مباشراً بالتكوين المادي للمنتج أو للخدمة، وببيعهما، وصيانتهما، ودعمهما. تتألف الأنشطة الأساسية من الأمور الآتية:

  • الإمدادات الواردة (Inbound logistics): وهي العمليات المُرتبطة بتلقي المواد الواردة، وتخزينها، وتوزيعها على الصعيد الداخلي. إنَّ علاقاتك مع المورِّدين هي عاملٌ أساسي في بناء القيمة هنا.

 

اقرأ أيضاً: العناصر العشرة لتقويم المورِّدين: تقويم المورِّدين المحتملين

 

  • العمليات (Operations): وهي أنشطة التحويل التي تحول المواد الواردة إلى منتجات يمكن بيعها للمستهلكين وعندئذٍ تكون أنظمة التشغيل التي عندك هي التي تبني القيمة.
  • الإمدادات الصادرة (Outbound logistics): توصل هذه الأنشطة منتجك أو خدمتك إلى زبائنك. ومن بين هذه الأنشطة أنظمة التجميع، والتخزين، والتوزيع حيث من الممكن أن تجري هذه الأنشطة داخل منظمتك وخارجها.
  • التسويق والمبيعات (Marketing and sales): وهي العمليات التي تستخدمها لإقناع عملائك بالشراء منك بدلاً من الشراء من منافسيك. فالفوائد التي تقدمها لهم ومدى جودة تواصلك معهم هما مصدرا القيمة هنا.
  • الخدمة (Service): وهي الأنشطة المرتبطة بالحفاظ على قيمة المنتج أو الخدمة لدى الزبون عندما يشتري هذا المنتج أو تلك الخدمة.

 

اقرأ أيضاً: 15 نصيحة أساسية للتسويق والبيع عبر الهاتف

 

أنشطة الدعم (Support Activities):

تدعم هذه الأنشطة الوظائف الأساسية التي تحدثنا عنها أعلاه. وتُظهِر السطور المُنقَّطة في الرسم البياني أنَّ كل واحدٍ من أنشطة الدعم يمكن أن يؤدي دوراً في كلِّ واحدٍ من الأنشطة الأساسية. فتدابير التوريد على سبيل المثال تدعم العمليات بأنشطة معينة وتدعم المبيعات والتسويق في الوقت نفسه أيضاً بأنشطةٍ أخرى.

  • تدابير التوريد (الشراء) (procurement): وهو ما تقوم به المنظمة للحصول على الموارد التي تحتاج إليها من أجل العمل. يتضمن هذا إيجاد المورِّدين والتفاوض للحصول على السعر الأمثل.
  • إدارة الموارد البشرية (Human resource management): وهو مدى قدرة المنظمة على توظيف العاملين فيها، وتدريبهم، وتحفيزهم، ومكافأتهم، والاحتفاظ بهم. حيث يُعَدُّ الموظفين أحد المصادر البارزة للقيمة لذا فإنَّ الشركات يمكنها أن تحقق ميزةً واضحة من خلال وجود ممارسات جيدة فيما يتعلق بالتنمية البشرية.

 

اقرأ أيضاً: تعرّف على أهم المعلومات عن إدارة الموارد البشرية

 

  • التطور التكنولوجي (Technological development): ترتبط هذه الأنشطة بإدارة المعلومات والتعامل معها بالإضافة إلى حماية قاعدة معلومات الشركة. حيث يُعَدُّ الحد من تكاليف تكنولوجيا المعلومات، ومواكبة التطورات التكنولوجية، والحفاظ على التميز على الصعيد التقني مصدراً من مصادر بناء القيمة.
  • البنية التحتية (Infrastructure): وهي أنظمة دعم الشركة والوظائف التي تتيح لها متابعة العمليات اليومية. حيث تُعَدُّ المحاسبة، والإدارة القانونية، والإدارية، والعامة جميعها أمثلة عن البنية التحتية الضرورية التي يمكن للشركات أن تستخدمها لمصلحتها.

تستخدم الشركات هذه الأنشطة الأساسية وأنشطة الدعم بوصفها "لَبِنَاتٍ" لبناء منتجٍ ذي قيمة أو خدمةٍ ذات قيمة.

استخدام سلسلة "بورتر" للقيمة:

لتحديد سلسلة القيمة الخاصة بشركتك وفهمها اتبع الخطوات الآتية:

الخطوة الأولى: حدّد أنشطةً فرعية لكل نشاطٍ أساسي

حدد الأنشطة الفرعية التي تبني القيمة في كل نشاط أساسي. ثمَّة ثلاثة أنواع مختلفة من الأنشطة الفرعية:

  • الأنشطة المباشرة (Direct activities): وهي الأنشطة التي تبني القيمة بنفسها. ففي أنشطة التسويق والمبيعات عند أحد الناشرين على سبيل المثال تتضمَّن الأنشطة الفرعية المباشرة الاتصال بالمكتبات، والإعلان، والبيع عبر الإنترنت.
  • الأنشطة غير المباشرة (Indirect activities): تتيح الأنشطة الفرعية غير المباشرة للأنشطة الفرعية المباشرة العمل بشكلٍ سلس. فبالنسبة إلى أنشطة التسويق والبيع في المثال السابق تتضمن الأنشطة الفرعية غير المباشرة إدارة قسم المبيعات وحفظ سجلات العملاء.
  • ضمان الجودة (Quality assurance): وهي الأنشطة التي تضمن أن تلبي الأنشطة الفرعية المباشرة وغير المباشرة المعايير الضرورية. بالنسبة إلى أنشطة التسويق والمبيعات في المثال السابق فإنَّ هذا قد يتضمن تدقيق الإعلانات وتحريرها.

الخطوة الثانية: تحديد الأنشطة الفرعية لكل واحد من أنشطة الدعم

مقابل كل نشاط من أنشطة الدعم التي تتضمن إدارة الموارد البشرية، والتطوير التكنولوجي، وتدابير التوريد حدد الأنشطة الفرعية التي تبني القيمة ضمن كل نشاط من الأنشطة الأساسية. ففكر على سبيل المثال كيف تضيف إدارة الموارد البشرية القيمة إلى الخدمات اللوجستية الصادرة، والعمليات، والخدمات اللوجستية الواردة، إلخ. وكما تصرفت في الخطوة الأولى ابحث عن أنشطة فرعية مباشرة، وغير مباشرة، وخاصة بضمان الجودة. ومن ثمَّ حدد الأنشطة الفرعية المتنوعة التي تساهم في بناء القيمة في البنية التحتية لشركتك، حيث تُعَدُّ هذه العملية ذات طبيعةٍ عابرة للوظائف بشكلٍ عام وليست محددةً بنشاطٍ أساسي. وابحث فيها أيضاً هنا عن أنشطة فرعية مباشرة، وغير مباشرة، وخاصة بضمان الجودة

الخطوة الثالثة: حدّد الروابط

ابحث عن الروابط بين جميع أنشطة بناء القيمة التي حددتها. سيستهلك هذا وقتاً ولكنَّ الروابط تُعَدّ أساسيةً لتدعيم الميزة التنافسية التي يقدمها إطار عمل سلسلة القيمة. ثمَّة على سبيل المثال علاقة بين تطوير قسم المبيعات وحجم المبيعات. وثمَّة علاقةٌ أخرى بين زمن انتظار الرد على الطلب وبين خدمة تلقي المكالمات من الزبائن المحبطين الذين ينتظرون تلقي الطلبات.

الخطوة الرابعة: البحث عن فرص لزيادة القيمة

راجع كل واحدٍ من الأنشطة الفرعية والروابط التي حددتها وفكر كيف يكون في إمكانك تغييرها أو تحسينها لتعزيز القيمة التي تقدمها إلى زبائنك (إنَّ زبائن أنشطة الدعم يمكن أن يكونوا داخليين مثلما يمكن أن يكونوا خارجيين).

النصيحة الأولى:

يجب أن تعكس سلسلة القيمة الخاصة بمنظمتك استراتيجيات العمل الشاملة. لذا عندما تحدد الطريقة التي تريد من خلالها تحسين سلسلة القيمة الخاصة بك كن واضحاً حول إذا ما كنت تحاول التميُّز عن منافسيك أم أنَّك بكل بساطة ستقدم سعراً أقل.

النصيحة الثانية:

يرتبط ما تحدثنا عنه في هذه المقالة بفكرة سلسلة القيمة من وجهة نظر عامة مرتبطة بالمنظمات. ولكن مقالتنا المنفصلة التي تتحدث عن تحليل سلسلة القيمة تنظر إلى هذا الموضوع من زاويةٍ مختلفة وتستخدم نهجاً مفيداً أيضاً على مستوى الفرق أو الأفراد.

النقاط الرئيسة:

تُعَدُّ سلسلة "بورتر" للقيمة أداة إدارةٍ استراتيجيةٍ مفيدة، حيث تعمل هذه الأداة من خلال تقسيم أنشطة المنظمة إلى قطعٍ مترابطة استراتيجياً بحيث تستطيع رؤية الصورة الأشمل للأشياء التي تتحكم بالتكلفة ولمصادر التميز ومن ثمَّ القيام بناءً على ذلك بالتغييرات المناسبة.

 

المصدر




مقالات مرتبطة