زوجان.. وغرفتان، طريق للانفصال أم سبيل للاعتدال؟!

زوجان.. وغرفتان، طريق للانفصال أم سبيل للاعتدال؟!

مروة حمزة -القاهرة

فكرة ترفيهية بدأت تتسلل إلى مجتمعاتنا العربية، وخاصة مجتمع الأثرياء أصحاب المال، وهي: غرفتان منفصلتان لكل من الزوج والزوجة، تحت شعار "الخصوصية"..وهذه الفكرة مستوردة من بلاد العام سام، ولكنها بدأت تعبر إلى البيوت العربية، خاصة الخليجية، والسؤال الذي نطرحه في تحقيقنا : هل هذه الفكرة مناسبة لتحقيق السعادة الزوجية، أم أنها بداية المشاكل والانفصال بين الزوجين؟!



سر السعادة الزوجية

ذكرت بعض الدراسات والبحوث النفسية في بريطانيا أنّ سر السعادة الزوجية يكمن في النوم المنفصل لكل من الزوج والزوجة، وأفادت جمعية بريطانية بأن شخير أحد الزوجين يحرم الآخر من النوم ساعتين يوميًّا، وفي أمريكا وجدوا الحل في سرير خاص، وغرفة منفصلة لكل من الزوجين.
وحول إمكانية تطبيق هذا السلوك على مجتمعاتنا، وإذا كان يؤثر بأي حال من الأحوال على العلاقة بين الزوجين، أفادتا د. منى الشافعي (رئيس قسم الصحة العامة والطب السلوكي بكلية الطب جامعة القاهرة)، بأن هذا الفكر فِكْرٌ ترفيهي بالدرجة الأولى، لأن الفئة القادرة على ذلك فئة معينة محدودة، وهم الأغنياء القادرون على تحقيق هذا الأمر ، وأنا أرى أنه إذا كان الأمر متيسرًا، ويمكن توفيره ، فإنه يحقق خصوصية لكل منهما، خصوصًا إذا كان هناك تباين شديد بين الزوج وزوجته في طريقة النوم والاستيقاظ أو الشخير، فقطعًا ستكون هذه المسألة عاملًا من عوامل عدم التوافق التام والانسجام في الحياة الزوجية، إلا أنها فكرة جيدة لمن لديه القدرة على تنفيذها، وربما ترتبط هذه المسألة بفكرة أن كلاًّ من الزوجة والزوج كان له خصوصيته التي اعتاد عليها في فترة العزوبية، وليس من المعقول أن يتم كسرها مرة واحدة بعد الزواج ".


وتؤكد د. منى على ضرورة التأقلم والتعايش من جانب الزوجين في حالة اختلاف الطباع وعادات النوم، وتقول : "المشكلة في حالة اختلاف الطباع والنشاط أن يكون أحد الزوجين نشيطًا، ويستيقظ مبكرًا، ويكون لديه نشاط ويريد أن يوقظ زوجته، وهي عكسه كسولة نوعًا ما، وتحتاج إلى الراحة، فمع مرور الوقت يبدأ كلا الزوجين في إظهار التبرم وعدم الرضا، فالمسألة في البداية تكون بسبب اختلاف الطباع، مما يستحسن أن ينفصلا عن بعض في غرفتين لو أمكن، حتى يتم الموائمة والتأقلم في العادات مع الطباع، وربما تستغرق هذه المسألة عند المتزوجين الجدد شهرًا أو شهرين أو سنة، وأرى أن السنة الأولى تكون من أصعب السنوات على الزوجين؛ حيث يَظْهَرُ كل إنسان فيها على طبيعته، وهل تكون هذه الطبيعة مقبولة من الطرف الآخر أم لا؟ ولهذا أنصح المتزوجَيْنِ بأن ينفصلا عن بعضهما في الغرف، حتى يحدث نوع من التأقلم في العادات، وخاصةً عادات النوم، وبعدها يستحسن أن يظلا معًا في غرفة واحدة".

هجرة الفراش الأمر محتمل

بينما ترى د. سكينة عبد الهادي (أستاذ الطب النفسي) أن فكرة فصل الزوجين كل واحد في غرفة قد تأتي رياحه ضد أهدافه، وتقول: "قد يكون مطلوبًا في بداية الزواج حتى يصبح نمط حياتهم متقاربًا، ولكن لو طال الانفصال سيؤدي هذا إلى أن يشعر كلٌّ منهما بالغربة عن الآخر رغم عيشهما معًا تحت سقف واحد، وستزول الحميمية بفعل هذا الانفصال مع الوقت".
وتضيف د. سكينة: "والمعروف أن "هجر الفراش" يكون في حالة حدوث مشاكل بين الزوجين، ويكون ذلك نوعًا من العقاب، ولكن أن تطول المدة وتصبح أمرًا اعتياديًّا بين الزوجين، سواء بغرفة منفصلة، أو سرير منفصل، فأنا أرى أن ذلك لن يحقق التوافق والمشاركة بين الزوجين، فالزواج الحقيقي يتحلى بالتعايش، كتحدث الزوج لزوجته قبل الخلود للنوم، وإذا كان أحدهم متعبًا سيشعر الآخر به، أما إذا كان كل شخص في غرفة منفصلة فلن يتحقق هذا الإحساس بالمشاركة والألفة".

البعد جفاء

ومن جانبه يعلق د. عبد العزيز الشخص (رئيس مجلس إدارة مركز الإرشاد النفسي)، على مسألة انفصال الزوجين خلال النوم، ويقول: "هذه الأبحاث تمت بالخارج وليست في أوطاننا العربية، وإذا كان أحد الزوجين متضررًا من نمط نوم الآخر بجواره في نفس الفراش، فقد يرجع هذا لوجود خلافات ومشاكل متراكمة بين الزوجين".
ويؤكد د. عبد العزيز أنّ مسألة غرفة لكل زوج ستؤثر سلبًا على العلاقة بينهما، وتفتح باب الأنانية، ويقول: "هناك مقولة بأن (البعد جفاء)، وهذه المسألة لن تحقق السعادة الزوجية، ولكن من الممكن إذا جاء أحد الزوجين من العمل وهو متعب أن يستريح بعض الوقت بمفرده، فلا يمثل ذلك مشكلة، وعلى الطرف الآخر أن يراعي ذلك، فلا يقوم مثلاً بإشعال الضوء والآخر نائم، حتى لا يزعجه، وهكذا تسير الأمور دون اشتراطات أو فصل تام، وأجدادنا كانوا يعيشون مَعًا بنفس الكيفية، وأما الغرب فمع تطور الحياة وسرعة إيقاعها، وعمل المرأة طوال الوقت، نجد أن الحياة العملية تأخذهم أكثر منا، فتجعلهم يحتاجون إلى الهدوء أكثر، وإلى السرير المنفصل، والغرفة المنفصلة، لكن الوضع في مجتمعاتنا مختلف؛ لأن هناك أشخاصًا لا يشعرون بالأمان إلا إذا كان شريكهم بجانبهم، لأننا نعيش ثقافة مغايرة، ولا نستطيع تطبيق هذه الأبحاث عندنا؛ لأنها ستُدْخِل الأنانية بين الزوجين ، وتؤثر على العلاقة بالسلب مما يجعل كل طرف معدوم الإحساس بمشاعر الطرف بالآخر".


بينما توضح د.وفاء عبد الهادي (أستاذ التربية النفسية) أن هذا الموضوع مُلْتَبِسٌ ومعقد؛ لأن مسألة النوم ليست سهلة، فبعض الناس يقولون إنهم عندما ينامون بعيدًا عن أزواجهم يؤثر ذلك سلباً عليهم، والبعض الآخر يؤثر عليهم إيجابيًّا ، "فلا يمكن أن نعمم هذه المسألة، خاصةً في مسألة النوم؛ لأن لكل فردٍ نمطًا معينًا قبل النوم، فهناك أشخاص لا ينامون إلا بعد قراءة أي رواية أو قصة أو قصيدة، وهناك أشخاص لا ينامون إلا في ضوء خافت، بينما يفضل الآخرون النوم في الظلام الحالك، وهناك من يستيقظون كثيرا في الليل، وهكذا.. وأرى أن ما يحدث بين الزوجين من اختلافٍ في عادات النوم هو نوع من المساومة، فإما أن يصلا إلى حل واتفاق مُعَيَّنٍ يوافقان عليه، إما بالنوم معًا متجاورين، أو في سريرين منفصلين في نفس الغرفة، أو في غرفتين منفصلتين، ولا أرى أن هذا الأمر سيؤثر عليهما طالما هناك اتفاق بينهما، وعلى الزوجين ألا يستمرا على هذه الأوضاع كثيرًا، بل عليهم أن يغيروها من فترة لأخرى، حتى تتخلص الحياة من الركود، ولا يقعا في جفاف المشاعر".

وجعل بينكم مودة ورحمة

وعن الرأي الشرعي في هذه المسألة ، يقول الداعية مصطفى حسني : "بالنسبة للزواج في ثقافتنا فهناك أصول معينة له حدّدها الدين الإسلامي بشروط يتم في إطارها هذا الرباط العظيم، .. فقد قال سبحانه وتعالى : {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}.. فهناك السكن والمودة والرحمة، كلها تشكل الإطار العام الذي يغلف الحياة الزوجية ويحقق السعادة، فكل إنسان يأْمَنُ ويسكن في هذا السكن، والمودة أن يتودد كُلُّ زوج لشريكه، ويفعل كل ما يستطيع في سبيل إسعاد الآخر، ولا ينتظر الرد على ما يفعله، وإذا حدثت مشكلة تأتي هنا الرحمة والتحمل؛ لأن تلك هي خصائص الزواج التي حددها الدين، فهنا نتحدث عن تضحية وفداء ومودة، وليس عن تنافر وتعارض وخصام وفراق".
ويضيف قائلا: إن ثقافتنا ثقافة تجميع وتقارب وتكامل في الزواج، والفرق بيننا وبين الغرب أن ثقافتهم من صنع الإنسان، وأما نحن فثقافتنا مستمدة من الكتاب والسنة، بينما تقوم الحياة في الغرب على المصلحة الشخصية، والأثرة الفردية، وهو ما يخالف حضارتنا وتصورنا الفكري.

 

 

نوافذ