رهاب الإخفاق: الخوف من عدم الكمال

يعاني معظمنا خوفاً غير مبرر من الأفاعي أو العناكب أو المرتفعات أو الأماكن المغلقة، لكن بالنسبة إلى بعض الناس، فإنَّ خوفهم الأكبر هو عدم بلوغ الكمال، فإذا كنت تشعر بالتوتر باستمرار بسبب سعيك المتواصل إلى تحقيق الكمال أو وجدت أنَّ سعيك إلى الكمال يشلُّ حياتك، فأنت تعاني رهاب الإخفاق.

اكتشف كيف يمكن لهذه الرغبة المفرطة في تحقيق الكمال أن تدمِّر حياتك وصحتك، وما يمكنك فعله حيال ذلك.



ما هو رهاب الإخفاق؟

رهاب الإخفاق هو مصطلحٌ يصف الخوف المرضي لدى الإنسان من عيوبه، وهو أحد اضطرابات القلق؛ إذ يخاف المصاب من ألا يكون جيداً كفايةً ويشعر غالباً أنَّ كل ما يفعله خطأ.

ينشأ هذا الرهاب عندما لا تتطابق توقعات الشخص مع الواقع، والأشخاص المصابون غالباً ما يكونون أذكياء جداً وموهوبين وذوي قدراتٍ عالية؛ لكنَّهم مقيدون بخوفهم من الفشل، ويفزعون من ارتكاب الأخطاء، ونتيجةً لذلك، يتجنبون أداء المهام والتنافس مع الآخرين ويتجنبون التحديات.

اختلاف رهاب الإخفاق عن أنواع الرهاب الأخرى:

إنَّ جميع أنواع الرهاب هي مخاوف شديدة غير عقلانية؛ لكنَّه يختلف عن معظم أنواع الرهاب الأخرى بالطريقة التي يتحفز بها.

في حين أنَّ القلق في معظم أنواع الرهاب الأخرى يُثار بأشياء خارجية مثل العناكب أو الأفاعي أو ببعض الظروف مثل الازدحام أو صعود المرتفعات، فإنَّ سبب هذا الرهاب يقبع في داخل الإنسان، والمحفِّز الأساسي هو الأحكام التي يطلقها الإنسان على نفسه، كما أنَّ التجنب هو استراتيجية تأقلم شائعة للمصابين به.

على سبيل المثال، إن كنت مصاباً برهاب العناكب، يمكنك تجنب القلق إلى حد كبير من خلال تجنب العناكب، لكن عندما ينجم رهابك عن رأيك الشخصي عن نفسك واعتقادك بأنَّك لست جيداً كفاية، عندها لا يمكنك تجنبه، ولا يمكنك التنبؤ باستجابة القلق التي ستتولد تجاه عيوبك المُتخيَّلة.

يمكن أن يكون تشخيص هذا الرهاب صعباً، وغالباً ما نخلط بينه وبين الكمالية (وهي سمة شخصية) أو يُصنف خطأً على أنَّه اضطراب الوسواس القهري (OCD)، ولسوء الحظ، نادراً ما يعدُّ المصابون أنَّ أعراضهم هي علامات على الرهاب وغالباً لا يطلبون العلاج.

شاهد بالفيديو: 7 نصائح للتخلص من التفكير في إخفاقات الماضي

أعراض رهاب الإخفاق:

توجد عدة أعراض النفسية للرهاب، مثل التهرب ومشاعر الضعف والقلق الشديد والفزع والخوف من فقدان السيطرة وقلة التركيز وغيرها الكثير، وتشمل الأعراض الجسدية التعرق وارتفاع معدل ضربات القلب والصداع وتشنج العضلات والغثيان والرجفان وجفاف الفم.

كما تشمل العلامات الأخرى التي تشير إلى الإصابة بهذا الرهاب ما يأتي:

1. الخوف الرهيب من العيوب:

على الرَّغم من أنَّ معظم الأشخاص يخشون ارتكاب الأخطاء، لكن يوجد فرق كبير بين الشعور بالتوتر قبل حدث هام وتجنب ذلك الحدث تماماً في حالة ذعر، إنَّ حجم رد فعلك على عيوبك المحتملة هو ما يهم.

2. معايير مستحيلة:

على الرَّغم من أنَّ النقد الذاتي أمر طبيعي، إلا أنَّ المطالب الهائلة التي تفرضها على نفسك والتفتيش المستمر عن أخطائك وتفضيلك عدم القيام بشيء على ارتكاب الأخطاء؛ قد تكون مؤشراتٍ على خوفك من عدم الكمال، وإذا كان الحال كذلك، ستجد صعوبةً في تجنب مشكلات العمل ومشكلات الحياة عامةً أيضاً.

3. الهروب من المهام اليومية:

كأن تتجنب إجراء مكالمات هاتفية أو كتابة رسالة أو التحدث إلى الآخرين، أو حتى تنظيف منزلك لأنَّك تعلم أنَّه لن يلبي معاييرك العالية.

مقارنةٌ بين الكمالية ورهاب الإخفاق:

قد يبدو رهاب الإخفاق مشابهاً جداً للكمالية؛ لكنَّ الأمر ليس كذلك؛ إذ يوجد فرقٌ جوهري بين الاثنين، وبالطبع، غالباً ما يسعى المصابون بالرهاب إلى الكمال ويفشلون في الوصول إليه؛ لأنَّ لا شيء مثالي بما يكفي بالنسبة إليهم؛ لكنَّ هذا الرهاب هو أكثر من مجرد وضع معايير عالية لنفسك؛ بل له القدرة على شلِّ حياتك تماماً بدلاً من تحفيزك.

على عكس الأشخاص المهووسين بالكمال الذين يستجيبون للقلق بالعمل الجاد وإنجاز المزيد، يختار المصابون بالرهاب التقاعس عن العمل لتجنب الفشل المحتمل.

غالباً ما تتجلى الكمالية أيضاً بوصفها رغبةً في الإنجاز وتحقيق النجاح الشخصي، وقد تجعلك هذه المساعي المثالية شخصاً أفضل وأنجح، أمَّا رهاب الإخفاق فليس له مثل هذا الجانب الإيجابي.

أسباب رهاب الإخفاق:

ما زال السبب الحقيقي للرهاب غير معروف، وقد يكون ثمة ميل وراثي للإصابة أو قد تنجم عن حدث صادم، لكن في معظم الحالات، فإنَّ الرهاب هو استجابةٌ مُكتسبة تبدأ في مرحلة الطفولة أو المراهقة.

إنَّ الآباء المتطلبين الذين يريدون أبناءً مثاليين والمعلمين الصارمين الذين يشجعون التلامذة على نيل أعلى الدرجات، قد يحفزون الإصابة بالاضطرابات النفسية في المستقبل، ومن ذلك هذا الرهاب.

عندما لا يتمكن الأطفال أو المراهقون من تلبية توقعات الوالدين العالية وغير الواقعية، فغالباً ما ينتهي بهم الأمر إلى الاكتئاب واللامبالاة والخوف من الفشل بدلاً من ذلك، كما قد تكون الطبيعة البشرية بحد ذاتها سبباً آخر للرهاب؛ فالأشخاص الحساسون قد يتأثرون بشدة عندما يتنافسون ويفشلون، والتعليقات السلبية والنقد الحاد تُثبط عزيمتهم تماماً وتُفقِدهم ثقتهم بنفسهم بالكامل، فهذا الميل الطبيعي للقلق يجعل هؤلاء الأفراد أكثر عرضةً للإصابة بالرهاب.

قد يصاب بعض الناس برهاب الإخفاق نتيجة مقارنة أنفسهم بالآخرين باستمرار، وهذا الأمر شائع خاصة بين رجال الأعمال الذين يُعدُّون ناجحين بمختلف المقاييس؛ لكنَّهم يطمحون ليصبحوا أثرى أثرياء العالم؛ إذ يشرح عالم النفس الاجتماعي الدكتور ليون فيستينجر (Leon Festinger)، وهو خبير في نظرية المقارنة الاجتماعية، أنَّ الحاجة إلى مقارنة أنفسنا بالآخرين قوية تماماً كالعطش أو الجوع؛ لكنَّها دائماً ما تكون محبطة، لأنَّه سيكون هناك دائماً شخص أفضل منك.

الآثار الصحية المدمرة للسعي إلى الكمال:

قد يؤدي السعي إلى الكمال إلى أضرار صحية عديدة مرتبطة بالتوتر، والتي تشمل على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:

1. الصداع:

يُسبب التوتر صداعاً ويزيد من حدته.

2. النوبات القلبية:

يزيد التوتر من ضغط الدم، مما يؤذي الشرايين.

3. أمراض الجلد:

يُسبب التوتر إفراز مواد كيميائية تؤدي إلى الجفاف أو الهبات الساخنة أو الوردية أو الأكزيما.

4. ضعف الجهاز المناعي:

ثبت أنَّ قلق الإنسان المستمر المتعلق بعيوبه يؤدي إلى انهيار جهاز المناعة.

5. مشكلات التنفس:

يسبب القلق تشنج العضلات الذي يؤدي بدوره إلى ضيق التنفس.

6. أمراض الأسنان واللثة:

يسبب التوتر تشنجات عصبية لاإرادية، وصرير الأسنان؛ ومن ثَمَّ أذيةً وألماً في الفك.

يمكن أن يؤدي التوتر المستمر الناجم عن السعي غير العقلاني إلى الكمال إلى عجزٍ طويل الأمد، وإضافة إلى الأضرار الجسدية، فإنَّه قد يدمِّر الإنتاجية أيضاً.

أظهرت الدراسات أنَّ بعض الرسامين الموهوبين قد يتخلون عن عملهم أو يخفونه لأنَّهم يعتقدون أنَّ لوحاتهم ليست مثالية بما يكفي، ثم يعيدون رسم لوحاتهم مراراً وتكراراً لأنَّهم لا يرضون عنها أبداً، ونتيجةً لذلك، لا يكملون أيَّ شيء.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح للتخلص من مشاعر الخوف من الفشل

علاج رهاب الإخفاق:

إذا ظهرت عليك علامات هذا الرهاب، فيجب التفكير في طلب المشورة الطبية، كما هو الحال مع أنواع الرهاب الأخرى، فإنَّ العلاج النفسي هو الخط الأول في علاج رهاب الإخفاق؛ إذ يساعد العلاج النفسي على التغلب على الرهاب من خلال مساعدة المريض على الاسترخاء وتقبُّل عيوبه.

يُعتقد أنَّ نوعين محددين من العلاج النفسي فعَّالان خاصة في علاج رهاب الإخفاق، وهما:

1. العلاج بالتعرض:

يجبر العلاج بالتعرض المرضى على مواجهة مخاوفهم حتى يتغلبوا على قلقهم، فمع التعرض المتكرر للمحفزات التي تفشل في التسبب بالتوتر المتوقع، يتكيف العقل في النهاية ويتوقف عن الاستجابة السلبية.

2. العلاج السلوكي المعرفي (CBT):

يسعى هذا العلاج إلى تعديل أنماط التفكير السلبية لتغيير السلوك والحالة المزاجية؛ وهو مزيج من العلاجات المعرفية والسلوكية، ويركز على الأفكار وكذلك على التصرفات والسلوكات، ويحدد مواقف الحياة التي ربما أدت إلى الرهاب، ويقدِّم استراتيجيات بنَّاءة للتعامل معها، علماً أنَّه يتطلب نحو 10إلى 20 جلسة لتحقيق نتائج ملحوظة.

تشمل العلاجات الأخرى لرهاب الإخفاق العلاج الجماعي والتأمل والعلاج بالتنويم المغناطيسي والعلاج النفسي بالطاقة، وفي بعض الأحيان، قد تُوصف الأدوية المضادة للقلق أيضاً.

كل هذه العلاجات تكمل بعضها بعضاً، وتعمل عملاً أفضل عند استخدامها معاً.

إقرأ أيضاً: كيف تعيد تحفيز نفسك بعد الإخفاق؟

في الختام:

إنَّ الخوف هو رد فعل طبيعي للدماغ تجاه المواقف المجهولة والمشبوهة والمُقلقة، لكن عندما يصبح الخوف غير منطقي، يمكن أن يتحول إلى رهاب يضر بالصحة والحياة المهنية والشخصية.

إقرأ أيضاً: السعي وراء الكمال: أسبابه، وآثاره السلبية، وطرق محاربته

أحد أنواع الرهاب هو رهاب الخوف، وهو الخوف من عدم الكمال؛ إذ يمنعك هذا الرهاب من اتخاذ الإجراءات، ويدمِّر الإنتاجية، ويضعف صحتك الجسدية وقدرتك على التفاعل مع الآخرين؛ لكنَّ بعض العلاجات مثل العلاج النفسي والعلاج السلوكي المعرفي والعلاج بالتعرض والتأمل والأدوية قد تساعد على السيطرة على هذا الرهاب وعلاجه.




مقالات مرتبطة