دور الوفاق بين الزوجين في تشكيل شخصية الطفل

دور الوفاق بين الزوجين في تشكيل شخصية الطفل

محمود طافش

تلعب العلاقات العاطفية الطيبة بين الزوجين دوراً مهماً في تحقيق النمو النفسي المتوازن لأطفالهما ، لذلك فإن الوالدين المستنيرين يدركان هذه الحقيقة ويحرصان على الاستفادة منها أثناء تنشئة أطفالهما . غير أن موضوع الوفاق بين الزوجين من القضايا التي ما زالت تحتاج إلى دراسات مستفيضة لسبر أغوارها ؛ فكم من رجل عظيم عزيز ابتلي بزوجة بليدة ، غليظة الطبع ، سيئة الطلعة ، وكم من امرأة تفيض أُنوثة ورقة ، وتفوح عطراً كالوردة ابتليت بزوج عتل ، فظ الطباع ، مذموم الأخلاق ؛



ويذكر لنا سجل التجارب الإنسانية العديد من الأمثلة الناصعة حول هذه الحقيقة المؤلمة ؛ فهذا نبي الله المعصوم لوط قد ابتلي بزوجة مشاكسة عاصيه ، وتلك المرأة العظيمة آسيا بنت مزاحم قد ابتليت بزوج جبّار طاغية هو فرعون مصر . لكن هذه الحقيقة الناصعة لا  تمنع من الإشارة إلى أن الكثيرين من الأزواج والزوجات بينهم حب ووفاق . فما دور الوفاق بين الزوجين  في بناء شخصية الطفل؟

   يتميز الطفل في فترة الطفولة المبكرة بتأثره الحاد بما يدور حوله ، لذلك فإن الوالدين المستنيرين يحرصان على جعله لا يرى ولا يسمع إلا ما يسعده ، وعلى تجنيبه كل ما من شأنه أن يزعجه خصوصا رؤية المشاهد المرعبة كالمنازعات والشجارات بين والديه ، والتي قد تترك آثارا مدمرة على نفسه ، فينشأ خائفا قلقا حائرا مترددا . فإذا أحسّ الطفل بأنَّ هناك خلافات ومشاحنات بين أمه وأبيه فإنه قد يصاب باضطرابات انفعالية تجعله حائراً قلقاً يصرخ ويبكي لأبسط الأسباب . وهكذا فإنه يتوجب على الوالدين أن يتفقا على الأسس التربوية التي يتطلعان لكي يتربى طفلهما عليها .

     وقد أشارت دراسة قام بها هاجمان ( Hagman) سن 1932م إلى أن الطفل يخضع في مخاوفه لأنماط الثقافة التي تهيمن على بيئته وتؤثر فيها ، فهو يقلد أهله في مخاوفهم من العواصف والظلام والشياطين ، وغير ذلك .

    وبوجه عام فإن الحب بين الزوجين يساعد على تنشئة الطفل تنشئة آمنة مطمئنة متزنة في حين أن النزاعات تجعله تائهاً قلقا مضطربا ، لأنه لا يقوى على الحياة دون مساعدة والديه ، والنزاعات المستمرة بينهما  تجعله يشعر بأن هذه الحاجة مهددة فيعتريه الخوف ، فإذا تكررت المشاهد المؤلمة أمام ناظريه فإنه قد يمنى بالإحباط ، ويتكون لديه عاطفة من الغضب الممزوجة بالغيظ ، فيميل لتفريغها عبر ممارسات عدوانية مثل الضرب والشتم والتحطيم والصراخ والمشاكسة . كما يتعلم الطفل العدوان من خلال تقليده لوالده إذا رآه يضرب  والدته أو يحطم الأشياء المنزلية .

    وقد يعتري الطفل أنماط من الأحلام المزعجة التي هي مظهر من مظاهر تعبيره عن مخاوفه وقلقه ، أو عن دوافع عدوانية لديه لا يستطيع ممارستها في الواقع فيمارسها في المنام .

  وللوفاق بين الزوجين آثار إيجابية على تحقيق التوازن النفسي للطفل ، وقد درس العالم بولدوين (Balwin)   آثار الديمقراطية في البيت على نمو شخصيات 17 طفلا كان لهم من العمر أربع سنوات فوجد : ( فاخر عاقل 1981) " أن ديمقراطية البيت تخرج أطفالا نشيطين غير هيابين مخططين محبين للاستطلاع  ، وميالين إلى التزعم . أما الأطفال الذين يأتون من بيوت متسلطة فقد وجد أنهم ميالون لأن يكونوا هادئين غير هجوميين ، محدودي الفضول ، قليلي الأصالة وضعاف الخيال ." 

   ولكي ينجح الوالدان في توظيف الوفاق لتنشئة أطفالهما التنشئة التي يريدانها فإن عليهما أن يقوما بالخطوات الآتية:

ـ إشعار الطفل بما يكنّه والداه له من حب وحنان ؛ لأنه إن أحسّ بهذا الحب فإنه سيسهل عليه الاستجابة لنصائحهما و توجيهاتهما.

ـ أن تكون الأوامر والتعليمات الموجهة إليه حازمة ومحددة وواضحة ، بحيث يتعلم الطفل أنه لا مجال للتسامح أو السكوت على التصرف الخطأ .

ـ الاتفاق على خطة واضحة المعالم تهدف إلى الوصول لنمط الشخصية التي يرغبان في أن يكون طفلهما عليها ، وعلى التصرفات التي يجدر بالطفل أن يمارسها ، وتلك التي ينبغي عليه أن يجتنبها .

ـ اجتناب وصف الطفل بالسوء عندما يقترف خطأ ، لأنه في هذه الحالة قد يشعر بأنه منبوذ ، وبالتالي قد يتكون لديه شعور بالنقص ، قد يتطور إلى ضعف ثقة بالنفس .

ـ التقويم المستمر لتصرفاتهما وللنتائج التي يتوصلان إليها ، والاتفاق على الإجراءات التي ينبغي عليهما اتباعها لمعالجة ما قد يصدر عنهما من أخطاء ؛ فإذا ارتكب الطفل ممارسة غير صائبة ، وتضاربت ردود الفعل بين الأب والأم تجاه الخطأ الذي ارتكبه ، فإنه سيكون حائراً بين موقف كلٍ من الأب والأم ، وقد يصاب بنوع من الاضطرابات الانفعالية ؛ كأن يقترب من الطرف الذي رضي عن سلوكه ، وينفر من الطرف الذي رفض ذلك السلوك .

    و لكي نقي الطفل من الانفعالات النفسية المدمرة والتي تنشأ عن المشاجرات المتواصلة بين أمه وأبيه فإن الخبراء ينصحون بتوحيد الرؤية في أساليب تربية الأطفال ، فلا يجوز أن يتطلع هذا إلى مظاهر الحداثة – مثلا - في حين تتشبث تلك بمبادئ الأصالة ، وإنما ينبغي عليهما أن يتفقا على الهدف وعلى الوسائل في حوار علمي هادئ في جلسة مغلقة في منأى عن مرأى ومسمع الأطفال ؛ لأن الأطفال يسوؤهم أن يروا أو يسمعوا مظاهر الشقاق بين أبويهم ويسعدهم الإحساس بوجود حب بينهما ، وهذا الإحساس يجعلهم مهيئين للاستماع إلى نصائحهم وتقبل توجيهاتهم .

 

دور الوفاق بين الزوجين في تشكيل شخصية الطفل