دروس في القيادة

 

يبدأ الإنسان منذ خروجه إلى الدنيا بالصراخ حتى يتواصل مع من حوله، ولا يشعر بالأمن والاطمئنان إلاّ وبجواره والداه أو من يعتني به؛ هكذا الإنسان: اجتماعي بطبعه، يكره الوحدة، ويمجُ الانعزال، ويحب الاختلاط بالناس، ويحتاج دائماً إلى أن يكون عضواً في جماعة، أو منتمياً إلى قبيلة، أو فرداً في عشيرة، يحب دائماً أن يفخر بنَسَبه وشرفه، ويعلو بانتمائه، ويتباهى بنفوذه وسطوته، ويجهد لإنفاذ رأيه وكلمته... تكتمل بذلك سعادته، ويحقق ذاته، ويقوّي بالناس صِلته.


 

 العمل بروح الفريق
يذكِّرني بمملكة النحل التي تعتبر من أنجح فرق العمل على الإطلاق، مما يدل على روعة الخَلْق وإبداع الخالق وعظمته. فالشغّالات تعمل دون كللٍ أو ملل، وتتقاسم العمل فيما بينها، وتتباين مهماتها منذ لحظة ولادتها: فمجموعة تبحث عن الورود والأزهار ترتشف رحيقها لتصنع عسلاً حلو المذاق، لذيذ الطعم، ومجموعة أخرى تقوم بالبناء وتصنع الشمع الذي تخزِّن فيه العسل، ومنها مَن تقوم بالحراسة ومراقبة الخلية، وتمنع دخول أي متطفل أو دخيل، بينما تنظّف الأُخريات الخلية تنظيفاً كاملاً. وتنحصر مهمة الذكور في تلقيح الملكة التي تضع البيض حتى تتضاعف قوة النحل وتحقق المزيد من الإنتاج، مع النمو المستمر.
دروس في القيادة
وهكذا تعلّمنا مملكة النحل دروساً عظيمة في القيادة، والإدارة، وبناء فريق العمل الناجح: فلم نسمع يوماً أن النحل قد أضرب عن العمل، أو تقاعس عن أداء واجبه ومهامه، وإنما هو دائماً عالي الهمة؛ ومن علو همّته أنّه يقف على كل ما هو جميل كالورود والأزهار والرياحين. والرّفق من طبعه؛ فلا يكسر عوداً، ولا يفسد زهرة. كما أنّ التنظيم دَيْدنه، والتعاون من شيمته، وتحمّل المسؤولية من طبعه، والتخصص مهمته، والتكامل والتوازن من صفاته، ويضرب لنا النحل أروع الأمثال في الإخلاص، والمشاركة، والالتزام، والانضباط، والعمل الدؤوب، والحماس الذي لا يفتر أبداً؛ وهذا من سموّ نفسه وعلوِّ شأنه.
رؤية مشتركة وهدف واحد
وفريق العمل عبارة عن مجموعة من الأشخاص يجمعهم هدف واحد، ولديهم غاية واحدة، ومهام مشتركة. كل عضو منهم لديه مسؤولية محددة، وعليه إنجاز مهام معينة مطلوبة منه، وتقع على عاتقهم جميعاً مسؤولية نجاح الفريق. ولا ينجح الفريق إلا إذا كان لدى أفراده مهارات معينة تؤهلهم لأن يكونوا فاعلين، ويعينون المسؤول على قيادة الفريق وأداء مهامّه الرئيسية بنجاح، وهي: وضع الرؤية المستقبلية، والتصويب على الأهداف، ورسم السياسات والخطط وترتيب الأولويات والبرامج حتى يتسنى له تحقيق أهداف الفريق ورؤية الأمور بصورة أوضح، وحل المشكلات، ومواجهة التحديات، وتخطي العقبات وتجاوز الصعاب.
وقد أثبتت الدراسات أنّ من أسرار النجاح التي تكمن وراء جميع الناجحين: وجود فريق عمل فعّال، يعملون معاً يداً بيدٍ بروح الفريق، لديهم رؤية مشتركة، وتجمعهم وحدة الهدف.
وقد حثّ رسولنا الكريم (ص) على التزام الجماعة ليبعد عنهم الشيطان بقوله: «فعليك بالجماعة، إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية» سنن أبي داود.
يقول روس روبرت: «عندما أقوم ببناء فريق فإني أبحث عن أناس يحبون الفوز، فإذا لم أعثر على أي منهم، فإني أبحث عن أناس يكرهون الهزيمة».
ويتطلب تشكيل الفريق - فضلاً عن تحديد الهدف، وتحديد المهام المناطة بالفريق، وتحديد الفترة الزمنية لإنجاز هذه المهام - تحديد أعضاء الفريق الذين يجب أن توجد بينهم مهام مشتركة وعلاقات متبادلة، ويتم اختيارهم من ذوي المهارات المتميزة والمعرفة المتعمقة في مجال النشاط المزمع القيام به، على أن يشتركوا في قيم ومبادئ متفق عليها لتنظيم سلوك وأسلوب وتصرفات الفريق أثناء تأدية مهامه.
مهارات قائد الفريق
القائد الحاذق هو الذي يعرف كيف يستخلص أفضل ما لدى كل عضو من أعضاء فريقه، وأن يضع الشخص المناسب في المكان المناسب، قال رسول الله (ص): «كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيته» رواه البخاري.
«كل إنسان عظيم يتلقى المساعدة من كل الناس لأن هدفه هو استخلاص أفضل ما في كل شيء، وأفضل ما في كل الناس». راسكين.
وقد أثبتت الدراسات أن القائد يقضي أغلب وقته في الاتصال؛ فهو إما يستمع أو يتحدث، يكتب التقارير أو الرسائل أو المذكرات. ويكون الاتصال مباشراً عن طريق الاجتماعات، أو غير مباشر عن طريق الهاتف أو الاتصال الكتابي، والبريد الإلكتروني.. إلخ. ومن مهارات قائد الفريق على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً: القدرة على التخطيط: والتخطيط هو أحد وظائف الإدارة الرئيسة المكونة من التنظيم والتوجيه والرقابة والمتابعة، وهو عبارة عن وضع مجموعة من الافتراضات حول رؤية المستقبل، ثم وضع الخطط التي تبين الأهداف المطلوب الوصول إليها مستقبلاً خلال مدة زمنية محددة مع تقدير الاحتياجات المادية والبشرية لتحقيق هذه الأهداف بفاعلية.
ثانياً: إجادة مهارات الاتصال: وهو تبادل الحقائق أو الأفكار أو الآراء أو المشاعر من خلال عمليات الإرسال والاستقبال; فعلى قائد الفريق أن يُخلص النية لله عز وجل، وأن يبني جسور التفاهم والألفة والحب بينه وبين الآخرين عن طريق التعامل معهم بالرفق واللين، وأن يمتلك القدرة على حل النزاع وإدارة الصراع، والقوة في اتخاذ القرارات، والقدرة على إدارة الاجتماعات، وتحفيز الأعضاء، واتباع مبدأ الشورى، والالتزام بآداب الحوار، وأدب الخلاف، وفنون الإنصات والاستماع، والكلام، وإدارة العمل وتجاوز الضغوط بنجاح.
ثالثاً: التحلي بالأخلاق الحميدة: أن يتحلى بالصدق والأمانة، والتواضع، والمروءة، ودماثة الخُلُق، والرفق، والنزاهة، والعدل، والإنصاف، والاستقامة.
رابعاً: التحلي بقوة الشخصية: أن يتحلى بشخصية قيادية وعقلانية وقوية وآسرة، وأن يكون ذا حُجّة ومنطق وبرهان يؤثر في الناس، يتميز بالهدوء والاتزان وسرعة البديهة وضبط النفس، ويتمتّع بالقدرة على حل المشكلات.
وبناء على ذلك، فإنك لن تصل إلى النجاح بمفردك، فإذا أردت أن تحقق أهدافك الرائعة، ومشاركاتك الفعّالة، وأن تهيّئ بيئة عمل مدهشة وتصنع نجاحاً دائماً، وتنجز عملاً بارزاً، وتفوز بإنجاز عظيم، وتريد أن تضمن نجاحك، وتتربع على عرش القِمة وتصل إلى معالي المجد والسُّمعة الحسَنَة... فعليك بتشكيل فريق عمل ناجح.

المصدر: جمعية الاتحاد الإسلامي