حول العدوانية

في إحدى التجارب المبكرة التي قام بها عالما النفس المعروفان "باندورا وراس" 1979 سمح لمجموعة من الأطفال مشاهدة فيلم قصير يمثل طفل يتصرف بعنف وغلظة مع دمية فكان يركلها بقدميه ثم يمزقها وينثر حشوها الداخلي مبعثراً إياها..



وقد بينت نتائج هذه الدراسة أن الأطفال الذين شاهدوا هذا الفيلم بالمقارنة مع الذين لم يشاهدوه كانوا يلجأون عند الإحباط لاستخدام نفس الأساليب العدوانية. لقد تعلموا أن يعبروا عن إحباطهم بالعدوان (الركل – الضرب – التمزيق) من خلال ما شاهدوه من نماذج عدوانية. إن أكثر الآباء صبراً قد لا يلام على ما يبدر منه عندما يصبح هذا النشاط التلقائي عند الطفل مزعجاً.

لكون العنف والعدوان صنوان متلازمان, لا يوجد عنف بدون شعور عدواني, وإذا أردنا أن نستأصل العنف كوسيلة تعبير لا بد أن نعالج العدوان كظاهرة سلوكية ويقودنا ذلك لتسليط الضوء على " نظرية المحاكاة" التي هي من أهم النظريات المعاصرة لتفسير ظاهرة العدوان كنمط سلوكي, حيث يتعلم الطفل تقليد الكبار – كالأبوين – الأقارب – المعلمين- التلفزيون.... وبما أن معظم أبطال الشاشة يمثلون القدوة له فتقليدهم يشجع رغبته في تقمص شخصياتهم.

- هل صحيح أن طفل ما قبل الخمس سنوات لا يستطيع تتبع سياق قصة تعرض عليه تلفزيونياً من حيث الربط بين بداية ووسط ونهاية بحيث لا يقرأ الطفل النوايا الدقيقة لشخصيات مثل "سوبرمان – المرأة الساحرة- ليلى والذئب- توم وجيري" بل يطغى الانبهار بالشخصية سعياً لتقليدها, وما يشكله من خطر عليه وعلى الآخرين؟

- يجيب الدكتور أديب الاختصاصي بالأمراض النفسية: نعم إن طفل الخامسة غير قادر على التمييز ما بين الأفعال الشريرة وبين الأفعال الحسنة أو الخيرة لأنه لم يمتلك بعد القدرة على التفكير المنطقي والذي يتكون بعد سن السادسة. لذلك فإنه قد ينظر إلى مظاهر العنف على أنها مرح ولهو ويفرح ويستمتع وهو يتابعها وقد يتوحد ويتقمص شخصياتها ويقلدها.

- ما الخطأ الذي يرتكبه الأهل في هذه الحالة حول الإسراف في العقاب أو فقدان السيطرة على النفس؟ هل هذا يغذي الشعور العدواني لديه؟

ج- إن العقاب الجسدي للطفل يجعله يفهم أن العدوان شيء مباح من القوي للضعيف وللأسف يزيد في تعبيره السيئ عن غضبه وإحباطه بدلاً من تحسنه ليصبح أكثر عدوانيةً وغير متعاون وللأسف فإن هذه الأسر التي تعاني من اضطراب وتشويش في علاقتها بالطفل يتراوح بين القسوة والشدة التي تعود لعدم التخطيط والانسجام الزوجي، وهي بالتالي تؤدي بالطفل لعدم الحب والفهم.

- ضمن إطار المحاكاة عندما يتبع الطفل سلوك تخريبي –إشعال عيدان ثقاب-تكسير-ويتبعها من الأهل حرمانه منها وتخويفه.. هل إشباع الطفل بالمنبه تحت الرقابة (كجعله يشعل عيدان ثقاب حتى الملل أمام الأهل) كفيل بحل المشكلة أحياناً؟

ج- إن إشباع الطفل بالسلوك المراقب عملية محفوفة بالمخاطر قد يدفع الطفل إلى تجربة سلوكه التخريبي لاحقاً بعيداً عن نظر الأهل... على الوالدين أن لا يتسامحوا أبدا إزاء السلوك العدواني لأن ذلك قد يجعل الطفل يفهم أن هذا شيء مقبول أخلاقياً والأخطر من ذلك أن يشجع الآباء أولادهم على خرق القوانين.

- أيجب أن نكون دقيقين بالتفريق بين السلوك المضطرب وبين السلوك المرضي؟

ج- يعتبر سلوك الطفل مضطرباً عندما يختلف تصرفه عن توقعات المحيطين به. هذا السلوك قد يكون عابراً أو مؤقتاً وربما يرتبط بمرحلة عمرية معينة لطفل متقلب المزاج مثلاً بعمر 3-4 سنوات والذي يعتبر مرضياً إذا استمر بعد ذلك أو يعكس رد فعل العضوية المتطرف تجاه الحياة ومناسباتها. أما اضطراب السلوك المرضي فهو نمط ثابت متكرر من السلوك العدواني الذي ينتهك فيه سواء في المدرسة أو البيت أو المجتمع ويستخدم فيه العنف الجسماني مثل الضرب أو العض أو الركل بالقدم....

- هل تدعيم السلوك البديل كفيل بمعالجة العدوان عند الأطفال الأسوياء وغير الأسوياء؟

ج- قد تنبع العدوانية من رغبة الطفل في جذب الانتباه واستعراض قوته فلماذا لا نهيئ له الأنشطة التي قد ينجح بها ويثبت وجوده(تعدد الأنشطة). وقد تكون العدوانية بحثاً عن الحماية للنفس النابع من الشعور بعدم الأمان , هنا الإصغاء للطفل ومحادثته واحترام حاجاته وحل مشاكله ومساعدته بالتعبير عن همومه هو الحل.مع تجنب اللجوء للعقاب الجسدي واللجوء لوسائل عقابية أخرى (استخدام أسلوب المكافأة أو العقاب لأنه قد يرى أن العنف دليل على الاهتمام فيضطرب سلوكه لينال العقاب.

فإذاً كأحد الوسائل السهل الحصول عليها "التلفزيون" غير الخاضع لرقابة الأهل وحيث أنه أحياناً وسيلة يستغلها الأهل لإسكات وإشغال الطفل عنهم فإنه من المهم إدراك أن طفل ما قبل المدرسة لا يعنيه إطلاقاً معاقبة المعتدي أو مرتكب العنف- إذا كان ذلك يبرر تمرير أفلام العنف والعدوان على أساس تلقي العقاب هذه مجرد إشارة نسوقها للرقيب إذا وجد، للإكثار من البرامج التي ترمي لاتجاهات اجتماعية إيجابية كالمساعدة والعطف والمحبة...