حماتي.. آه منها.. ويا سلام عليها

 

هل العلاقة المتوترة بين المرأة وحماتها قدر لا مفر منه؟ إن المتأمل لما آلت إليه هذه العلاقة من تدهور وسوء على نطاق واسع قد يظن ذلك ويعتقده! إن أغلبية الناس من كثرة سماع مشكلات هذه العلاقة، حوّلوا هذه الفرضية التي تحتمل الوجود والعدم إلى شيء مُسَلّم به لابد أن تؤخذ له أهبته، وتعد له عدته، حتى دون سابق تعامل أو احتكاك بين الطرفين، وأصبحت كل عروس تنظر إلى حماتها على أنها العدو الأكبر الذي ينتظر منها كل شيء. وأصبحت كل أم تنظر إلى زوجة ابنها على أنها مِعْول الهدم الذي سيهتك ما بينها وبين فلذة كبدها من أواصر الحب والألفة، فالكل أصبح متهماً- كأصل- وعليه أن يثبت براءته.



 

ولقد وَضّحت في المقال السابق الأخطاء التي تقع فيها الأم (الحماة) والتي من شأنها أن تضر ولا تنفع، وبدأت بها بطبيعة الحال لأنها الأكبر، والأنضج والأحكم، والأكثر خبرة، والأقدر على الاحتواء، واليوم بإذن الله تعالى من باب قول الله عز وجل: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) أوجّه كلامي إلى الزوجة لافتاً انتباهها، وموضحاً لها الأخطاء التي ربما تقع منها فتضر بها ولا تنفع، سائلاً الله تعالى أن يشرح صدرها وتكون من اللاتي يستمعن القول فيتبعن أحسنه:


أولاً: على الزوجة المسلمة أن تعطي حماتها كل حقوق الإسلام غير منتقصة على أساس أنها في الأصل وقبل أن تكون حماتها أختها في الإسلام إذ قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)..الحجرات: 10، وحقوق الإسلام العامة لأي مسلم أو مسلمة تدور حول عدم ظلمه سواء بالخوض في عرضه، أو التجرؤ عليه بما يستفزه، أو إساءة الخلق معه، من العجيب أن كثيرات من نسائنا يمسكن عن الخوض في سير الناس كلهم خوفاً من الوقوع في الغيبة ويطلقن العنان لألسنتهم في حمواتهن! ولا أدري تحت أي مبرر يسوغن لأنفسهن ما يفعلن، على الرغم من أنه من المفروض أن يحدث العكس وأن تكون لحماتها حرمة فوق حرمة، حرمة الإسلام أولاً ثم حرمة النسب ثانياً.

 

ثانياً: من الجائز بل من الواقع أن يختلف الناس في وجهات النظر، وأن يعبّر كل طرف عن وجهة نظره التي يعتقدها، شريطة أن يكون هذا التعبير في إطار الآداب الإسلامية التي تعلمناها من ديننا، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يوقر كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه"، وحماتك امرأة أكبر منك سناً فعليك مراعاة ذلك".


ثالثاً: إن التي تعيب على حماتها أنها تتعامل مع ابنها على أنه ملكية خاصة وعليها أن تنأى بنفسها هي أولاً عن أن تسلك هذا المسلك مع زوجها فتعتبره ملكية خاصة لم يخلق إلا لها وحدها، فتمنعه بشكل أو بآخر من زيارة والدته. أو السؤال عليها، أو غير ذلك من أساليب الوصل. إن التي تشتبك مع زوجها إذا عرفت أنه يزور أمه وتقيم الدنيا ولا تقعدها لأنه أهدى لأمه هدية أثمن من تلك التي أهداها إياها، امرأته تسيء إلى دينها أولاً وإلى حماتها ثانياً، لأنها تُقَسِّي قلب ابنها عليها، وإلى زوجها ثالثاً، والمفروض ألا تتدخل فيما يقدّمه زوجها لأمه وما يهبه لها، بل من المفروض أن تساعده على أن يكثر لها العطاء وأن يؤدي لها كل الحقوق والواجبات المنوطه به تجاهها قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)..المائدة 2، وتحاول هي أن تهاديها، فالهدية لها مفعول عميق في التآلف والتحاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تهادوا تحابوا".

 
رابعاً: وهذا خطأ كبير جداً تقع فيه الكثير من النساء، والذي يزيد من أثره وحدته تصميم النساء عليه وهو: أن تضع المرأة نفسها في مقابلة مع حماتها وتُخَيّر زوجها في ذلك وتقول له (يا أنا يا أمك) إما تُرْضِيها وتُغْضِبني، أو تُرْضِيني وتُغْضِبها، إما تنتصر لها وتخذلني أو تنتصر لي وتخذلها، في اعتقادي أن المرأة التي تدأب على تفجير مثل هذا الموقف، امرأة لا تعرف شيئاً عن الإسلام ولا عن حقوق الوالدين فيه. وأنا أجيبها بدلاً من زوجها – رفعاً للحرج عنها وأقول لها: طبعاً يأتي الوالدان، خاصة الأم قبل أي أحد غيرها – شريطة ألا تكون ظالمة، إن عقوق الوالدين – يا أختي المسلمة من الكبائر، التي لابد أن يفر منها المسلم الحصيف فقد ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معناه: " ألا أدلكم على أكبر الكبائر؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال الشرك بالله وعقوق الوالدين ألا وشهادة الزور".. رواه البخاري.

وأذكر أختي المسلمة الزوجة بحديث الثلاثة الذين دخلوا الغار فوقعت صخرة من الجبل وسدت عليهم الباب، فدعا كل واحد منهم بالصالح من عمله فأنجاهم الله، وفرّج عنهم كربتهم، وكان منهم ذلك الرجل الذي فضّل أن يبدأ بإطعام والديه قبل أن يُطْعم زوجته وأولاده".. قال رجل منهم اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً فنأى بي طلب الشجر يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما، فجلبت لهما غبوتهما فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً، فلبثت – والقدح على يدي – أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، والصبية يتضوعون عند قدمي فاستيقظا فشربا غبوتهما.. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفجرت شيئاً.. متفق عليه..

 

إنني كما حاولت العدل مع حماتك ولفت انتباهها إلى بعض أخطائها التي تسيء بها إليك، ألفت انتباهك أنت أيضاً إلى بعض الأخطاء التي تصدر منك والتي أرجو أن تتداركيها لله أولاً، وللإسلام ثانياً ولحماتك ثالثاً ولزوجك رابعاً، ولأولادك خامساً ولك سادساً، وتذكري دائماً قول ربك عز وجل: "وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ" فمنه التصبّر ولعله تقوم المجاهدة وبالله التوفيق، وللحديث بقية في الأسبوع المقبل إن شاء الله.

 

عمرو خالد لمجلة المرأة اليوم بتاريخ20 يوليو 2004