حقيقة القراءة السريعة

تدعي برامج التدريب على القراءة السريعة أنها تعاظم سرعة القراءة في الدقيقة، هل هذا ممكن عمليا؟

  لقد رأى الكثير منا أفلاما عن قرِاء سريعين يمرون بالكتب، تقريبا بنفس سرعة تقليبهم للصفحات. ذلك طبعا يكفي لجعل أي شخص منا يحسدهم على ذلك. من منا لا يحب أن تكون له القدرة على التقاط أي كتاب، يقلب صفحاته في بضع دقائق، ثم يضعه في وقت قياسي مع الاحتفاظ بنسبة فهم تصل إلى 100%؟ عندما أنظر إلى الأكوام الكبيرة من الكتب المكدسة التي لم أقرأها، فإن الفكرة مقنعة تماما. لحسن الحظ، لبطيئي القراء من أمثالي، فإن اقتصاد الطلب لدينا قد استجاب بمنتجات يمكن شرائها، على شكل فصول دراسية، و تقنيات لزيادة سرعة القراءة بما يصل إلى آلاف الكلمات في الدقيقة.



غالبا ما يُستشهد على سرعة القراءة بالراحل “كيم بيك“، المثقف المشهور التي جُسدت عليه الشخصية الأساسية في فيلم "رجل المطر". كان كيم يتمتع بقدرات ذهنية واسعة جدا و متنوعة بالكاد تكون القراءة السريعة أبرزها، و لكنها لا تزال تعني الكثير. كان كيم يستطيع قراءة صفحتين في نفس الوقت! الصفحة اليسرى بالعين اليسرى، و الصفحة اليمنى بالعين اليمنى.  تختلف تقديرات سرعته، لكن 10,000 كلمة في الدقيقة هو الرقم الأكثر شهرة. إن لدى كيم ترتيب فريد لأجهزته العضوية تعطيه هذه القدرة. فقد ولد دون الإتصال التام لأليافه العصبية بكرتي دماغه، وكان من الممكن لنصفي كرة دماغه معالجة الصفحات التي يقرأها بشكل متوازي. أرجو من الأطفال عدم محاولة ذلك في المنزل!

كيم بيك:

ريما يعد جون كينيدي القارئ السريع الأكثر شهرة، و الذي تحدث عن ذلك في كثير من الأحيان، وقيل أنه جعل موظفيه يحضرون دروس “إيفلين وود” للقراءة السريعة. الرقم الذي يُذكر عادة لجون كيندي هو 1200 كلمة في الدقيقة، ومع ذلك سوف نبحث عن كثب حول هذا الرقم بعد قليل.

حسب تصنيف كتاب غينيس للأرقام القياسية العالمية، يعد هاوارد بيرغ أسرع قارئ، و الذي ادعى القدرة على قراءة 25,000 كلمة في الدقيقة تقريبا، و الذي يعد أسرع من أي يشخص يحاول تقليب صفحات الكتاب!. يعرف بيرغ بعروضه التليفزيونية المدهشة المرتبطة  بسرعة القراءة و الفهم، بما في ذلك ظهوره مع كيفن تروديو والذي باع برنامجه التدريبي على القراءة السريعة “Mega Reading“. كانت مزاعمه لا تخلو من الجدل. أولا، كانت عروضه التليفزيونية مدهشة، ولكنها لا تقترب أبدا  من 25,000 كلمة في الدقيقة. ثانيا،  رفعت لجنة التجارة الاتحادية دعوى ضده عام 1990 بسبب الدعاية الكاذبة والمضللة، بعد أن كشفت دراسة،  أن أيا من زبائنه لم يحصل على سرعة قريبة مما أدعى أنهم سيصلون إليها.  ومع ذلك، فإن أسرع من اختبر منهم، قد تمكن من مضاعفة سرعته أربعة أضعاف لتصل إلى 800 كلمة في الدقيقة.

ما مدى سرعة 800 كلمة في الدقيقة؟

 لا تبدو كبيرة مقارنة لبعض لتلك السرعات المذكورة آنفا. لكن على ما يبدو، سوف تكون 800 سريعة للغاية لأي شخص لا يمتلك أجهزة السيد كيم. تتطلب السرعات الكبيرة، تصفح الكتاب، و لكن الفهم ينخفض بشكل كبير. إنها مفاضلة مستمرة. عند سرعة 800، هناك خسائر فادحة في الفهم. لقياس سرعة القراءة حقا، يجب أن نرسم خطا فاصلا للحد الأدنى المقبول من الفهم.

رونالد كارفر، مؤلف كتاب “أسباب ارتفاع وانخفاض مؤشرات الإنجاز” ، الصادر عام 1990، هو أحد الباحثين الذين أجروا  اختبارات  واسعة النطاق على القراء و القراءة السرعة. كما أجرى فحصا دقيقا لمختلف تقنيات القراءة السريعة، و التحسن الفعلي المرجح الذي يمكن اكتسابه. في أحد اختباراته البارزة، أجرى منافسة بين أربع مجموعات تضم أسرع قراء تمكن من التعرف عليهم. ضمت المجموعات كل من أبطال القراءة السريعة، أسرع قراء الجامعات، أصحاب مهن ناجحين تتطلب أعمالهم الكثير من القراءة، و طلاب تمكنوا من تسجيل معدلات مرتفعة في اختبار سرعة القراءة. وجد كارفر أن أحدا من نجومه لم يتمكن من قراءة أسرع من 600 كلمة في الدقيقة مع الاحتفاظ بأكثر من 75%  من المعلومات.

كيث راينر الأستاذ في جامعة ماساتشوستس، كان قد درس هذا لفترة طويلة أيضا. في الواقع ، إحدى بحوثه المنشورة عام 1993 تحمل هذا العنوان: “حركات العين أثناء القراءة و معالجة المعلومات: عشرون سنة من البحث“. وجد راينر أن 95 ٪ من الجامعيين الذين أجري لهم اختبار سرعة القراءة سجلوا ما بين 200 و 400 كلمة في الدقيقة، بمتوسط  صحيح مقداره 300.  كما وجد أن قليل جدا  من الناس يمكنهم قراءة أسرع من 400 كلمة في الدقيقة، و أن أي تحسن قد يأتي مع خسارة غير مقبولة من الفهم.

ولذلك وقبل الإنضمام إلى أي برنامج للقراءة السريعة، يجب أن تكون على دراية من أن  هناك متخصصين كرسوا وظائفهم لدراسة هذا الموضوع، ووجدوا بشكل قاطع أن أي مكاسب محتملة، لن تكون قريبة أبدا من الأرقام المطبوعة في كتيب التسويق الخاص بك، على الأقل ليس دون تكبد خسائر جسيمة في الفهم. ولكن دعونا نلقي نظرة على الاستراتيجيات المتبعة في برامج القراءة السريعة.
 

الطريقة الأولى: القراءة بدون النطق الداخلي للكلمات

 أحد الأهداف الأساسية هو القضاء على  النطق الداخلي  للكلمات أثناء قراءتها، و الذي  يدَعى أنه الشيء الذي يؤدي إلى إبطاء معظم القراء. النطق الداخلي هو تخيل نطق كل كلمة نقرأها. أنا أفعل ذلك كثيرا، و الذي بدوره يحد سرعة القراءة لدي عمليا لحدود السرعة القصوى تقريبا لسرعة الكلام. ويرافق النطق الداخلي أحيانا، حركات دقيقة من اللسان وعضلات الحنجرة. تتعهد كل برامج القراءة السريعة تقريبا على القضاء على النطق.

 هنا تكمن المشكلة.  لا يمكنك قراءة، دون نطق داخلي. وجد كل من  كارفر و راينر أن جميع القراء حتى أسرعهم يقوم بالنطق الداخلي. حتى المتصفحين، ينطقون الكلمات الرئيسية. يمكن الكشف عن هذا – حتى عند الذين يعتقدون أنهم لا يفعلون ذلك- بواسطة وضع جهاز استشعار كهرومغناطيسي على الحلق، يقوم بالتقاط النبضات العصبية الخافتة التي يتم إرسالها إلى العضلات، فقط لا تبدو أدمغتنا قادرة على عزل عملية القراءة عن الكلام. حتى ناسا (NASA)  قامت ببناء أنظمة لالتقاط هذه النبضات، لاستخدامها لتصفح الانترنت أو لإمكانية السيطرة حتى المركبات الفضائية. “تشاك يورجنسن” الذي كان يدير فريقا في وكالة ناسا عام 2004  لتطوير هذا النظام، قال:

هناك اشارات بيولوجية تنشأ عند القراءة أو التحدث لنفسك مع أو بدون حركة فعلية لشفة الوجه. الشخص الذي يستخدم نظام  النطق الداخلي، يفكر في العبارات ويتحدث لنفسه في هدوء تام، بحيث لا يمكن سماعه، مع ذلك فإن اللسان والحبال الصوتية تتلقي الإشارات من الدماغ.
في الواقع، للعلماء مصطلح للقراءة بهذه الطريقة يسمونه قرصتة “rauding“، وهو مركب من كلمتي
قراءة و صوت. لفهم حقيقة ما يرى الدماغ، يجب على كل منا تقريبا أن يقرصت الكلمات، وهذا يشمل حتى أسرع القراء. القارئ السريع لا يلزم منه أن يكون سريع الكلام، بل ببساطة، امتلاك “قائمة مفردات مألوفة” أكبر. إن قرصتة كلمة غير مألوفة هو عبارة عن نطق داخلي أبطئ كثيرا من نطق كلمة مخزنة في قائمة المفردات المعروفة. لقد تعلمنا أن تحسين معرفة المفردات المألوفة، يمكن أن يحسن سرعة القراءة فعلا.  ولكن ما يدرس في مناهج القراءة السريعة، هو عكس هذا الأسلوب. ركز على القراءة الفاهمة، و هذا بالتالي سوف يحسن المفردات المألوفة لديك، ومن ثم ربما تبدأ بالقراءة بشكل أسرع.

وبالتالي، فالقضاء على  النطق الداخلي هو مطالبة خادعة. قد تبدو منطقية، سهلة الاقناع. بتصفح النص، يمكنك أن تقلل النطق، لكن سيقل الفهم أيضا. إن قرصتة كامل النص هو الطريقة الوحيدة فعليا لقراءته. 

الطريقة الثانية: تسريع حركة العين

هناك إستراتيجية أخرى تدرس في سرعة القراءة تعتمد على الحركات الخاصة للعين. وعادة ما تتضمن قراءة السطور جيئة وذهابا، والتقاط عدة سطور من النص في وقت واحد. مرة أخرى، هذه الحيلة تبدو وكأنها مهارة عظمية جذابة، ولكنها تناقض الطريقة الفعلية التي تعالج بها أدمغتنا النص. أولئك منا الذين لا يمتلكون أجهزة كيم بيك هم بحاجة إلى معالج إليكتروني لمعالجة النص!. وفيما يلي ما يحدث عندما تقرأ. أولا، تقع عينك على نقطة في الجملة المطبوعة. هذا يسمى التثبيت، ويستمر ذلك (في المتوسط) لمدة ربع ثانية. ثم تنتقل إلى التثبيت التالي، الذي يسمى خطف، و يأخذ عشر من الثانية. بعد عدة خطفات، يحتاج المخ إلى وقت للحاق بالركب والفهم. هذا يقد يستغرق من ربع إلى نصف ثانية.  يعد نصف ثانية وقتا طويلا، و هذه هي القرصتة التي تحاول اللحاق بركب الخطفات.

هل يمكن تثبيت مجموعة من عشرة أسطر و التقاط ذلك دفعة واحدة ؟

ربما، ولكن فقط مع وقفة كافية للفهم قبل الانتقال. سرعة القراءة تعلمك تخطي هذا الوقفة، وبالتالي لن يعالج دماغك غالبية ما مرت عليه عيونك.

إذا نظرنا إلى الوراء في الاختبار الذي وجد أن طلاب هاوارد بيرغ  قد تحسنوا بمقدار 800  كلمة في الدقيقة، مع الوضع بعين الاعتبارالمفاضلة القائمة بين السرعة والفهم. إذا كانت سرعة  800  كلمة في الدقيقة تشكل معدلا للنجاح فلا بد أن يعتمد على مستوى من الفهم يتم تعيينه، وأيضا نوع النص التي تمت قراءته.  وعندما أشرفت مجلة ستريت دوب على اختبارات القراءة السريعة الخاصة بها، وجدت أن الأشخاص الذين لم يقرأوا النصوص بالمرة، سجلوا تقريبا نفس النتائج التي سجلها سريعو القراءة في أسئلة الفهم، عندما كان النص عاما بما فيه الكفاية. وبعبارة أخرى، فإنه من السهل جدا للمهنيين مثل ايفلين وود أو أو هاوارد بيرغ التحكم في  ظروف الاختبار لانتاج نتائج مذهلة،  و جيدة بما يكفي لإقناع مقدمي برامج التلفزيون، و بيع البرامج التدريبية للأشخاص العاديين.

ولكن ماذا عن جون كنيدي و سرعة ال 1200 كلمة في الدقيقة؟

 لقد دقق كاتب سيرة كنيدي، ريتشارد رفز في هذا. إن هذا الرقم أتى من تخمين من مراسل البيت الأبيض لمجلة التايمز. لقد اتصل هذا المراسل بمدرسة إيفيلين وود حيث تدرب جون كنيدي على القراءة السريعة، لكنه لم يجد نقاطا تخص كينيدي، لإنه لم يتم التدريب و لم تسجل له أي سرعة. ولكن في ما أظهره الصحفي نوع من تقاريرالعلاقات العامة، لقد ذكرت المدرسة أن كنيدي يقرأ “على الارجح” 700 إلى 800 كلمة في الدقيقة. لكن تخمين كارفر الدقيق هو أن سرعة كينيدي قد تكون 500 إلى 600 كلمة في الدقيقة، و لكنه قد يكون قادرا على التصفح بمعدل 1000 كلمة. و بما أننا نتكلم عن كنيدي فلا بد من إضافة القليل من الملح لهذا الرقم.

اختبر نفسك في سرعة القراءة العادية، و ربما تتفاجأ أن تعلم أن ما كنت تعتقد أنه بطيئا في الواقع هو أن المعدل الطبيعي حوالي 300 كلمة في الدقيقة. إذا كنت أسرع بكثير من هذا، فأنت من بين قلة من أولئك الذين طوروا قائمة مفرداتهم المألوفة. لتحسين هذا، فلتبقى بعيدا عن الأساليب الخادعة التي تتجاهل الطريقة التي يعالج بها الدماغ النص المطبوع، وركز على فهمك. لتقرأ أسرع، ركز على القراءة ببطأ و أقرأ كثيرا.