حرصا على ثواب صيامك.. تجنب الإسراف

الإسراف من الذنوب والخطايا التي وقعت في الأمم المنحرفة، وقد نها الله عنه وذمه، فقال تعالى: «وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» (الأعراف: من الآية 31). الإسراف عادةٌ لقومٍ لا يرجون لله وقاراً، ولا يحترمون نعم الله عز وجل، قال سبحانه: « وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً». (الإسراء: الآيتان 26 – 27).



لقد أكثر بعض الناس من الإسراف في رمضان.

 

ومن صور هذا الإسراف:

الإكثار من الطعام فوق الحاجة؛ فإن من الناس من تعوّد كثرة المطعومات والمشروبات، فتراه في رمضان يملأ مائدته في الإفطار والسحور بكل ما لذ وطاب، ثم تكون عرضة للإتلاف والرمي.

يا أيها الصائم! إياك إياك والإسراف؛ فإن في المسلمين فقراء ومساكين ومحتاجين ومملقين، ففطر عباد الله بما زاد على حاجتك؛ لتكون لك ذخراً عند الله عزّ وجلّ، قال سبحانه عن عباده الصالحين: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً» (الإنسان:8 ـ 10).

وقد صحّ عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال: «يقول ـ عزّ وجلّ ـ يوم القيامة: يا ابن آدم استطعمتك ولم تطعمني، قال: وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلاناً استطعمك فما أطعمته، أما إنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي..» الحديث.

 

ومن صور الإسراف:

الإسراف في النوم فوق القدر المطلوب، وخاصة في النهار؛ فإن بعض الصائمين جعلوا من أيامهم غفلةً وسباتاً عميقاً، والعجيب أن هؤلاء يسرفون في سهرٍ لا طائل من ورائه، سهر ضائع في القيل والقال والتوافه، وبعضهم يسهر في مزاولة أمور محرّمة ومكروهة تغضب المولى تبارك وتعالى.

 

ومن صور الإسراف:

الإسراف في الإعداد لعيد الفطر، وتكليف النفس فوق طاقتها، والتبذير في الإنفاق من لباسٍ وهيئةٍ ولعبٍ ومباهجَ حتى إنك لَترى بعض الفئات من الناس ينفقون الألوف المؤلفة في هذه التُّرّهات بينما هم أبخل الناس في أبواب الخير وفي طرق البِر.

فيا من أنعم الله عليه بالمال! في المجتمع يتيمٌ، وفي الناس مسكينٌ، وفي جوارك فقيرٌ، ألا تطعم جائعاً؟ ألا تكسو عارياً؟ ألا تبني مسجداً؟ ألا تصل منقطعاً؟ ألا تفك كربة مكروب؟ ومن صور الإسراف عند بعض الصائمين: كثرة الزيارة من غير طائل ولا فائدة، والإكثار من الخلطة بالناس لغير مصلحة، والاجتماع بالآخرين لغير نفع، فيذهب الزمن هدراً، والعمر بدداً، والأيام ضياعاً، والأوقات لعباً

ولسان الحال يقول: «يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا». كذلك كثرة اجتماعات الناس في غير منفعة، وكثرة المجالس الفارغة.

تعيش الدهرَ ويحَك في غرورٍ - بها حتى إذا متَّ انتبهتا

 

ومن صور الإسراف:

إدمان التسلية والترفيه في اللعب من كرة وتمارين رياضية، وتنزهات ونحوها على حساب وقت الجد والعبادة، والذكر والتلاوة، وتحصيل العلم والدعوة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، حتى إن بعض الناس لَيدفع الوقت دفعاً عجيباً، وينفقه بيد التبذير، وغداً سيعلم إذا بُعثر ما في القبور، وحُصِّل ما في الصدور أيّ شيءٍ فعل.

إذا أنت لم ترحل بزاد من التُّقَى - ولاقيتَ بعدَ الموتِ مَن قدْ تزوّدا

ندمتَ على أن لا تكونَ كمثله - وأنّك لم ترصدْ لما كان أرْصدا

ولعل صور الإسراف عند كثير من الناس متعددة:

فقومٌ أسرفوا في المعاصي والذنوب، فإسرافهم أخطر إسراف، وتبذيرهم أسوأ تبذير.

وقومٌ أسرفوا في الوقت، فنثروه شذرَ مذرَ، وهم من أعظم الناس حسرةً يوم العرض الأكبر.

وقومٌ أسرفوا في الطعام والشراب واللباس، فما زادهم إلا تعاسةً وقلقاً.

وقومٌ أسرفوا في المباحات من لعب وتسليات وتنزهات، فهم في الحقيقة مغبونون في أعمارهم. نسأل الله توفيقاً وسداداً ورشداً واقتصاداً.

 

المصدر: جريدة " الشرق الأوسط " ... الشيخ : عائض القرني .

 

موقع الأسرة السعيدة