حرائق الغابات مشكلة عالمية: ما هي أسبابها وتأثيراتها؟

تتصدر حرائق الغابات عناوين الصحف العالمية نظراً لازدياد وتيرة حدوثها في الآونة الأخيرة؛ وذلك نتيجة الاحتباس الحراري وتغيُّر المناخ والارتفاع الملحوظ في درجة حرارة الأرض، وإهمال البشر وتعاملهم غير المسؤول مع البيئات المحيطة بهم، فضلاً عن العوامل الطبيعية التي تتسبب أيضاً بتلك الحرائق.



لقد سجَّلت غابات الأمازون أعلى حصيلة حرائق خلال السنتين الماضيتين؛ إذ بلغ عددها حولي 103000 حريق في المنطقة البرازيلية منها، من أصل 222798 حريقاً حدث في كافة أراضي البرازيل، وبلغ معدل ازدياد الحرائق السنوية 16% وهو أعلى من المعدل السنوي الذي سبقه بمقدار 3.3 %.

تُعَدُّ حرائق الغابات من أخطر الكوارث التي تحدث في طبيعتنا؛ وذلك لما تخلِّفه من دمار شامل يطول كل شيء من حياة برية وبشرية ونباتات وأشجار، وتلوث في الهواء وانبعاث غاز أحادي أوكسيد الكربون في الجو، وتضرر الأملاك والأرزاق وغيرها، وخسارة الأرض لبيئات طبيعية عمرها آلاف السنين، وفجأةً وبسبب شرارة بسيطة تختفي بغمضة عين.

في مقالنا هذا سنسلط الضوء على هذه الكارثة ونتعرَّف إلى أسبابها وطرائق الوقاية منها؛ لذا تابعوا معنا.

ما هي حرائق الغابات؟

حرائق الغابات هي حرائق مهولة لا يمكن السيطرة عليها، تحرق مساحات من الأراضي، وتقضي على كل شيء في مسارها ومحيطها، وتساعد على انتشارها العديد من العوامل كالأعشاب الجافة والرياح.

يحدث حوالي 100000 حريق غابات في الولايات المتحدة الأمريكية سنوياً، وأدى ما معدله 72400 حريق إلى مسح ما يقدَّر بـ 7000,000 فدان من الأراضي الأمريكية على امتداد الأعوام منذ عام 2000.

كما أدَّت حرائق الغابات في أستراليا بين عامي 2019 و2020 إلى حرق ما يقارب 10.7 مليون هكتار من الأراضي الحراجية والزراعية؛ أي ما يعادل 107000 كيلو متر مربع، بالإضافة إلى تدمير ما يزيد عن 5900 مبنى ومن بينهم منازل، ووفيات وصلت إلى 8 أشخاص.

تُشير دراسة جديدة مموَّلة من الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي –NOAA إلى أنَّه من المُتوقَّع أن يؤدي الاحترار المناخي الناجم عن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى زيادة مخاطر حدوث حرائق الغابات الكبيرة والمدمرة خلال العقود القادمة.

أسباب حرائق الغابات:

تتعدد أسباب حرائق الغابات بين الأسباب البشرية والأسباب الطبيعية مثل:

1. الأسباب البشرية:

البشر هم السبب الأول بحرائق الغابات في العالم، والعديد من حرائق هذه الغابات ناجمة عن إلقاء أعقاب السجائر المشتعلة على الأرض، ونيران المخيمات التي تترك دون مراقبة أو إطفاء، فضلاً عن الحرق المتعمَّد.

90% من حرائق الغابات عالمياً من فعل البشر، وفيما يأتي بعض من هذه الأسباب:

1. حرق النفايات:

من الشائع جداً حرق المخلفات والنفايات في العديد من الأماكن، وهذا الفعل مجاز قانونياً ويتم عن طريق تحديد مكان معيَّن لإلقاء وحرق النفايات فيه، إلَّا أنَّه قد يتسبب باندلاع الحرائق في العديد من الأماكن حين تخرج الأمور عن السيطرة، وتساعد الرياح على انتشار ألسنة اللهب ووصولها إلى الغابات أو المزارع أو الحقول.

2. نيران المخيمات:

إنَّ التخييم في الغابات أمر ممتع جداً ويمارسه معظم الناس، لكن قد تسبب نيران هذه المخيمات غير المراقبة أو غير المطفأة جيداً باندلاع حريق مدمر وخارج عن السيطرة؛ لذلك يُوصى باختيار مكان آمن لإشعال النار بعيداً عن المواد القابلة للاشتعال، وتحضير دلو مليء بالماء ومجرفة لإطفائها عند الانتهاء منها.

3. أعطال الآلات وشرارات المحركات:

يمكن للمحركات جارية التشغيل إطلاق شرارات في حال وجود عطل فيها، وقد تسبب نشوب حريق في حال وجودها في حقل أو غابة ما.
ومن المعلوم أنَّ حوادث السيارات تؤدي إلى اندلاع الحرائق بسرعة؛ لذا نشاهد رجال الإطفاء يسرعون إلى مكان الحادث تحسُّباً لنشوب أي حريق.

4. السجائر:

هي سبب آخر شائع لحرائق الغابات؛ إذ يعتاد معظم المدخنين على رمي أعقاب سجائرهم على الأرض دون إطفائها، وهذا الإهمال البسيط من جانبهم قد يسبب اندلاع حريق كبير يؤثر في البيئة وقاطنيها.

5. الألعاب النارية:

تُعَدُّ مشاهدة الألعاب النارية متعة لا تُقاوَم، لكن يجدر توخي الحذر الشديد عندما تكون في أيدي الهواة أو الأطفال، ويجب تجنُّب إشعالها في المناطق العشبية كالغابات والحقول، والتعامل الصحيح معها، فقد ينتهي الأمر بتسببها بكارثة كبيرة.

6. رمي المخلفات الزجاجية:

يرمي بعض الناس مخلفات زجاجية من صحون أو كؤوس أو قنان زجاجية بإهمال في الطبيعة، وهذا الزجاج قد يصبح أداة لافتعال الحرائق عن غير قصد إذا تسلَّطت عليها أشعة الشمس، فتركز أشعتها وتشعل ما أمامها من عشب يابس وأوراق.

7. الحرق العمد:

هو فعل إشعال النار في الممتلكات أو المركبات أو الغابات أو الحقول أو أي شيء آخر عمداً؛ وذلك بقصد إلحاق الضرر به وبأصحابه، ويُدعى الشخص الذي يرتكب هذه الجريمة "مُشعلاً".
قد يحرق بعض الأشخاص ممتلكاتهم الشخصية بهدف الحصول على تعويض من الحكومة، ويمثل الحرق العمد نسبة 30% من حرائق الغابات.

8. صنع الفحم وتجارته:

يجمع بعض الأشخاص الحطب اليابس وأغصان الأشجار ويرتبونها على شكل تلالٍ ثم يحرقونها لصنع الفحم المنزلي المُستخدم في الشواء أو النراجيل، وقد تتسبب هذه الممارسة بنشوب حرائق في الغابات لا يمكن السيطرة عليها.

2. الأسباب الطبيعية:

الطبيعة الأم مسؤولة عن 10% فقط من حرائق الغابات في العالم ومن أسبابها ما يأتي:

1. البرق:

يتسبب البرق ببعض حرائق الغابات، وخاصةً نوع البرق المُسمى "البرق الساخن"، والذي يستمر لمدة أطول في التفريغ وإحداث شرارات ساخنة قد تؤدي إلى نشوب حريق إن ضربَ غابة أو حقلاً.

2. الثوران البركاني:

تسبب الحمم المشتعلة التي تخرج من باطن الأرض في أثناء ثوران البراكين النشطة الكثير من حرائق الغابات.

الآثار المدمرة لحرائق الغابات:

فيما يأتي بعض الآثار المدمرة لحرائق الغابات:

1. تقضي حرائق الغابات على المنازل والكائنات البرية والنباتات:

إذ تخسر العديد من الكائنات حياتها ومأواها، وغالباً ما يفقد الناس منازلهم إذا طالتها النيران أيضاً، ويتأثر الغطاء النباتي المحيط بالمنطقة المحترقة، وتنفق الدول سنوياً ملايين الدولارات على إصلاح هذه الأضرار وإعادة بناء المنازل وترميم الغطاء النباتي.

2. تُدمَّر التربة في حرائق الغابات تدميراً شاملاً:

تتكون التربة في الغابات من عناصر غذائية ومواد متحللة وبقايا عضوية تشكِّل غذاء للنباتات وبعض الكائنات، فإذا طالتها الحرائق؛ فإنَّ كل هذه العناصر تختفي بفعل الحرارة الشديدة.

3. نفوق الحيوانات:

تقتل النيران كل شيء تطاله، من أرانب وسناجب وطيور وغيرها من الحيوانات البرية الأخرى التي لم تستطع الهرب.

4. احتراق الأشجار والنباتات:

تساعد الأشجار والنباتات على إنتاج الأوكسجين في الأرض، وكلما قل عددها، قل الهواء النظيف الذي نتنفسه، ومع اختفاء النباتات بفعل الحرائق لم يَعُد للحيوانات البرية ما تأكله وخسرت الحيوانات التي كانت تعيش على الأشجار مأواها.

5. استخدام الماء عند إطفاء الحريق:

كثرة ضخ المياه في أثناء إطفاء الحرائق من قِبل رجال الإطفاء تسبب تعرية التربة وتآكلها وجعلها معدومة الفائدة.

6. الدخان:

يسبب الدخان الناتج عن الحرائق تلوُّث الهواء وصعوبات في التنفس.

7. الوفيات:

تسبب حرائق الغابات خسارات في الأرواح البشرية، وأغلبهم من رجال الإطفاء.

8. يسبب استنشاق الرماد والدخان مشكلات صحية خطيرة للإنسان:

منها تلف الرئتين والحلق والسرطانات، وتؤثر بالأخص فيمَن يعاني من الربو أو التحسس.

9. يخسر المزارعون مصدر دخلهم وأرزاقهم ووظائفهم:

إذا طالت الحرائق محاصيلهم وأراضيهم وحيواناتهم ومزارعهم؛ ويسبب ذلك تراجعاً في الاقتصاد وارتفاع مستويات البطالة.

10. ترتفع أقساط التأمين إلى مستويات عالية بعد حدوث أي حريق هائلٍ:

وذلك لأنَّ جميع مَن تضرَّر يتطلع إلى الحصول على تعويض عن الأضرار التي لحقت ممتلكاته.

11. تغلق المناطق الترفيهية والمحميات التي تعرَّضت للحريق لفترة من الزمن:

حتى يتم التأكد من أمانها وخلوها من الأنقاض.

12. قد تتعرَّض بعض الحيوانات أو النباتات إلى خطر الانقراض عند حدوث حرائق الغابات.

حلول للوقاية من حرائق الغابات:

فيما يأتي بعض الحلول الواجب تطبيقها للحد والوقاية من حرائق الغابات:

  1. التأكُّد من اتِّباع جميع اللوائح والقوانين المحلية المتعلقة بالوقاية من الحرائق وعدم الإخلال بها، وتجنُّب حرق أيَّة مادة غير مسموح بحرقها، واختيار مكان بعيد وآمن عند حرقك أي شيء.
  2. مواكبة توقعات الطقس حتى تحمي نفسك وبيئتك؛ مثلاً أن تتأكَّد من عدم حرق شيء ما في أثناء هبوب رياح شديدة.
  3. إشعال النار في المناطق التي يمكن السيطرة عليها بسهولة، والتأكُّد من نصب الموقد على تربة خالية من الأعشاب وإحاطته بحجارة وحفر ما حوله لمنع انتشار النار ما أمكن.
  4. عدم إحراق أيَّة مواد قابلة للاشتعال أو الانفجار، والامتناع عن رمي القمامة في نيران التخييم، واستخدام المواد العضوية كأوراق النباتات والأشجار والحطب اليابس في تغذية النار.
  5. عدم تدخين السجائر في المناطق غير المخصصة لذلك، وإن احتاج المدخن إلى التدخين، فيرجى التأكُّد من إطفائها جيداً قبل التخلُّص من عقبها.
  6. تعليم الأطفال قواعد واحتياطات السلامة عند التخييم والوجود في الغابات، والتأكُّد من معرفتهم كيفية الإشعال الآمِن للنار، أو جعل شخصٍ بالغٍ يشعلها لهم.

تحدُث معظم الحرائق بسبب الأطفال؛ لذا تعليمهم الاحتياطات يُحدث فارقاً ويقلل من خطر حدوث الحرائق.

إقرأ أيضاً: أنواع الحرائق وطرق إخمادها

تقييم حرائق الغابات:

يجب على اللجان المسؤولة عن حرائق الغابات تقييم مدى التهديد الذي يسببه الإنسان للأراضي البرية والغابات، بالإضافة إلى خطر الحرائق على البشر أيضاً.

يُطرح سؤالان رئيسان عند نشوب أي حريق وهما:

  1. هل هذا الحريق يهدد حياة الناس أو ممتلكاتهم الشخصية؟
  2. هل يقع الحريق في منطقة عشبية أم غابة أم في منطقة سكنية؟

يسعى المحققون في حرائق الغابات إلى تبيان السبب حتى تتمكن اللجان والحكومات والمنظمات من إعداد وتنفيذ استراتيجيات الاحتواء والإطفاء ودرء الخطر، ورغم استعدادهم الدائم للتصرف حيال أي حريق ينشب، إلَّا أنَّهم لا يستطيعون التنبؤ بموعد أو مكان حدوث تلك الحرائق.

إقرأ أيضاً: تأثير الكوارث الطبيعية على البيئة

في الختام:

حرائق الغابات حدث مؤسف ومحزن، لكن بالتعرُّف إلى القواعد الصحيحة والتأكُّد من اتِّباعها وتطبيقها بدقة يمكننا الحد منها، فالإنسان كما قلنا هو المسبب الأول والرئيس لها، وبنفس الوقت هو الحل في التخفيف منها ومن حدوثها، وإذا انطلق كل شخص من نفسه وراعى تلك القواعد البسيطة، فمن المؤكَّد أنَّ أرضنا وغاباتنا ستزهر وسنستطيع المحافظة على حياتنا وحياة كائنات الأرض بخير وسلام.

المصدر




مقالات مرتبطة