حدد هدفك في الحياة

 

(١) سأحكي لكم قصة حياة إنسان، هو دخل المدرسة، لأن أباه وأمه طلبا منه ذلك وكان صغيراً، المهم دخل المدرسة وواصل فيها حتى وصل إلى الثانوية العامة، وقال له أبوه وأمه يجب أن تذاكر من أجل الحصول على مجموع كبير حتى تستطيع الالتحاق بكلية مناسبة، فذاكر وذاكر حتى انتهى من الثانوية العامة وظهرت النتيجة. وقالوا له مجموعك يناسب هذه الكلية، فقدم أوراقه للالتحاق بها، ودخل هذه الكلية حتى وصل إلى آخر سنة وقالوا له: حاول أن تحصل على تقدير مناسب آخر العام لكي تقدر على الالتحاق بشركة مناسبة للعمل بها. فذاكر على قدر جهده حتى تخرج، فقالوا له تقديرك يناسب شركة معينة للالتحاق والعمل بها، فذهب ليعمل في هذه الشركة، حتى قال لهم إنه يريد أن يتزوج، فسألوه: بمن تريد أن تتزوج؟ فرد وقال: زوجة بنت حلال وتعجبني، فتزوج، وبعد فترة أنجب منها أولاداً، وظل يعمل ويعمل من أجل الحصول على نقود من أجل الأولاد.. ثم مات.



 

انتهت القصة. أليست هذه قصة معظم الناس في بلادنا؟

جاء ومشى وانتهى موضوعه على ذلك.

ماذا أضاف؟ ماذا فعل؟ ماذا كان دوره؟ ماذا كانت أهدافه؟ ماذا أضاف لهذه الدنيا؟

الأمر يبدأ من المدرسة، التعليم في بلادنا تعليم تلقيني يتعامل مع عقل الطفل على أنه مخزن، تصب فيه المعلومات طوال العام ليفتح المخزن يوم الامتحان لتفريغ ما به من معلومات، هذا لا يبني إنساناً.

أتدرون كيف تتم تربية الأطفال في اليابان؟ منذ عمر ٩ سنوات إلي ١٢عاماً، في هذا العمر الصغير الذي نعتبره في بلادنا عمر أطفال، يأخذون حصة كل أسبوع في بعض المدارس في اليابان، أتعلمون ما اسم هذه الحصة؟

حصة «ما هو هدفك في الحياة؟» نحن عندنا أفراد يبلغون من العمر ٣٥ عاماً ولا يعرفون الإجابة عن هذا السؤال. عرفتم الآن لماذا ينجحون ولا ننجح؟

يدخل الطفل المدرسة، فيسألونه: ما هو هدفك في الحياة؟ فلا يعرف الإجابة عن السؤال، وفي الحصة التالية يتكرر الأمر، فيبدأ الطفل يشعر أنه مضطر لأن يجيب، فيبدأ في قول أي شيء لكي يخرج نفسه من الموقف. فيقول شيئاً، فيقولون له ماذا تحب وما هي مهاراتك؟ فيحركونه بطريقة صحيحة.

فإذا كان يريد مثلاً أن يكون أحسن رسام، يحاولون أن يروا طريقة رسمه. أو مهندساً، فيحاولون تشغيله على الكمبيوتر لمعرفة مهاراته.

فيبدأ طوال العام في تغذية هذا الهدف حتى يجيء الصيف، فترسل إدارة المدرسة إلى أبويه مذكرة أن ابنهما قال إن هدفه في الحياة كذا، ويجب أن تنموا في الصيف هذا الهدف. ويرجع إلى المدرسة في العام التالي ومعه شهادة من أبويه أنه تم تدريبه على كذا وكذا، فهم يقومون ببناء الإنسان. والله بناء الإنسان أصعب بكثير من بناء العمارات و المصانع والسدود.

 أن تبني إنساناً عنده رسالة وعنده هدف، فالطفل عندهم يعمل بجدية حتى إذا بلغ ١٢ عاماً يكون هدفه واضحاً: أنا سأكون أحسن مهندس كمبيوتر في البلد، أو أحسن روائي يكتب قصصاً في البلد، ويبدأ الموضوع يكبر مع الطفل عاماً إثر عام ويبدأ الحلم يكبر، وأحلام الطفولة تتحول إلى حقائق، ويجد الطفل نفسه وعنده هدف في الحياة.

يا آباء ويا أمهات، إذا كانت مدارسنا لا تفعل ذلك، فأرجو أن تفعلوا ذلك مع أولادكم، وهيا بنا نصنع هدفاً في الحياة. هل إلى الآن وأنت تبلغ من العمر ٤٠ أو ٤٥ عاماً، هدفك ليس مكتوباً وغير واضح ومشوش أمام عينيك، إذن أرجوك أن تدرك الجيل القادم، وابحث عن مهارات ابنك من الآن، وماذا يجيد واغرس فيه: «يا بني يجب أن يكون عندك هدف»، وتبدأ في تصعيد هذا الموضوع معه.

(٢) البعض سيقول فكرة الهدف هذه عملية إدارية لها علاقة بعلم الإدارة فما علاقتها بمقالة تحمل عنوان «اللهم إني صائم»، فأقول له: وجود هدف ليس كلام إدارة فقط بل إنه في صميم صميم الإيمان، أليس حديث النبي الشهير «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» النية هي الهدف وصيام رمضان يبدأ بنية من أجل تحقيق هدف (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون). وكأن رمضان يعلمك ويقول لك تعلم كيف تضع هدفا محدداً في فترة محددة هي شهر واحد ويكون هدفك أن تخرج في نهاية الشهر من المتقين، فإذا نجحت فقد حققت الهدف في شهر وتستطيع الآن أن تضع أهدافاً وأهدافاً لباقي حياتك، فقد كان رمضان معلماً لك لكيفية أن تضع هدفاً وتحققه.

أ.عمرو خالد في جريدة المصري اليوم بتاريخ 14 سبتنمبر 2008