حج مبرور ليس له جزاء إلا الجنة

(حج مبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، (من حجَّ فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، (ما من يوم يعتق الله فيه الرقاب أكثر منه في يوم عرفة)...

هذا هو ثواب الحج، وهذا ما وعد الله به عباده الحجاج، وهذا هو أثر الحج لدى الوقوف بين يدي الله تعالى يوم القيامة.. الجنة ومغفرة الذنوب والعتق من النار.



لكن يبقى السؤال ما هو أثر الحج في حياتنا الدنيا؟ وفي واقعنا المعاصر وفي مستقبل أمتنا؟ وهل من دور للحج في إصلاح المجتمع وتحقيق التنمية؟

إنني أعتقد اعتقاداً جازماً أنّ العبادة في الإسلام تستهدف أساساً إصلاح واقع الناس فالله غني عن عبادتنا، ولكن العبادة بما تفجره من طاقات روحية وإيمانية تدفع المجتمع نحو التنمية والإصلاح. وإنّما يكون الثواب في العبادة على قدر استفادة المجتمع من هذه العبادة، فكلما عظم الثواب لعبادة من العبادات فاعلم أنّ وراء هذه العبادة مصلحة كبرى لتنمية المجتمع.

والحج وفقاً لهذا المفهوم هو من أعظم العبادات في الإسلام ثواباً لأنّه يمثل أعظم فرصة لإعداد ملايين من الحجيج سنوياً ليمارسوا دورهم في إصلاح المجتمع. واسمحوا لي أن أذكر في نقاط محددة مختصرة بعض أمثلة لدور الحج في عملية الإصلاح.

1- الحج مؤتمر فكري جامع للأمة:

إنّه فرصة نادرة أن يجتمع الملايين سوياً، وهل بقاء الحجيج في (منى) ثلاثة أيام متصلة إلا ليجلسوا سوياً في مكان خالي من وسائل الترفيه الملهية ليفكروا ويُخطّطوا لمستقبل أمتهم.

2- الحج والتدريب على الوحدة:

فالإله واحد والغاية واحدة والشعائر واحدة والحركة واحدة والزي واحد حتى الكلمات التي تردد واحدة (لبيك اللهم لبيك).

3- الحج والإصلاح الأخلاقي:

إذا اتفقنا أنّ الأخلاق هي البنية التحتية لأي عملية إصلاح اقتصادي أو تنمية في بلد من البلاد فإنّ الحج أعظم وسيلة عرفتها البشرية لإصلاح الأخلاق، فضيق المكان مع الزحام الشديد مع التعب والمشقة يجعل إنفلات الاخلاق وارد بشدّة، إلا أنّ ربط الثواب والمغفرة بضبط الأخلاق يجعل الحج معسكر تدريبي رائع للأخلاق (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج).

إقرأ أيضاً: أهم أحاديث الرسول محمد ﷺ عن الأخلاق

4- الحج والتدريب على الحرية:

فنزولك من عرفة كيوم ولدتك أمك وقد غفرت ذنوبك يجعلك تشعر بشعور عجيب لا يتذوقه إلا الحاج، هذا الشعور هو أنّك قد تحررت من قيود الخضوع لأي قوة في الدنيا إلا لله وأنّ بدايتك الجديدة كيوم ولدتك أمك هي انتصار لمعنى الحرية في حياتك تدفعك بعد الحج أن تتحرر من أي عبودية أو خضوع أو تذلل إلا لله وحده. ثمّ إنّ الحج يحررك أيضاً أن تعيش أسير عادادتك فأنت في الحج تُغيّر ما اعتدت عليه سنين طويلة من عادات في الأكل والشرب واللبس والنوم والزينة.

5- الحج والاستعداد للعمل الشاق:

إنّ إحداث تنمية في هذه المنطقة من العالم التي نعيش فيها يستحيل تحقيقه إلا بعمل جبار متواصل والحج يدربك على ذلك فالترحال والانتقال المستمر من مكة إلى منى إلى عرفة إلى مزدلفة إلى منى مرة ثم العودة إلى مكة كل ذلك في خمسة إيام في أرض صحرواية يستحيل إقامة فنادق راقية أو حياة مترفة بها. كل ذلك يعد تدريب جسدي ونفسي على تحمل المشقة في سبيل الوصول إلى الهدف والغاية ليعود الحجيج أعظم نشاط وأشدّ عزيمة.  

6- الحج والانضباط:

فلا مكان في الحج للمتسيبين والكسالى، فأخطاء التراخي والتثاقل ستكلفك الثمن الباهظ من ضياع الرفقة وفقد الطريق ربما لنهاية الحج. إنّه الإنضباط الشديد الذي غاب عن مجتمعاتنا العربية ففشلت بسببه كثير من محاولات الاصلاح.

إقرأ أيضاً: آداب الحج: نصائح وتوجيهات لمن عزم على الحج

هذا بعض ما يُدرّبك عليه الحج: الفكر – الوحدة – الأخلاق – الحرية - العمل الشاق - الانضباط. وكلها قيم ومفاهيم لا غنى عنها لأي عملية إصلاح أو تنمية.

ومن هنا نصر على مفهوم التنمية بالإيمان، فشعوب هذه المنطقة من العالم من مسلمين أو مسحيين لا نعرف شيء يفجر طاقتهم مثل الإيمان، فالإيمان هو أساس التكوين الوجداني لشعوب هذه المنطقة لكننا نريده إيمان دفاع للتنمية والإصلاح.    

 

المصدر: الأستاذ عمرو خالد لجريدة الدستور المصرية بتاريخ 4 يناير 2005




مقالات مرتبطة