حتمية المرجعية الربانية من أجل كرامة الإنسان ورسالته

 

الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا يوافي نعمه ، و يكافيء  مزيده ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين وعلى صحابته الكرام الميامين ، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين . وبعد فأبدأ بالمراد من عنوان الموضوع ، وفيه بعض الأدلة لوجوب هذه المرجعية:



 

الحتمية: من أمر حتم أي لازم لا بد منه بمعنى أنه ضروري لابد منه لحياة الإنسان المرجعية.

المرجعية : من الرجوع والرد إلى المصدر المعين كما في قوله تعالى :" فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر ، ذلك خير وأحسن تأويلا " (النساء :59) .

الربانية: نسبة إلى الرب سبحانه وتعالى " هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم " ( الحشر : 22 ) . ( خلق السموات بغير عمد ترونها ، وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ، وبث فيها من كل دابة ،  وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم . هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه ، بل الظالمون في ضلال مبين " ( لقمان : 10و11). وقال عز وجل ّ : " ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ، ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير " ( لقمان : 20 ) .

·    نحن مربوبون لله وحده طوعا أو كرها ، رضينا أو أبينا . وما أبلغ قول الله تعالى:" قل أعوذ برب الناس ، ملك الناس ، إله الناس .." فالعاقل هو الذي يأله – أي يتجه  - بصدق إلى عبادة الله وتوحيده . و هذا المراد من  قوله عز وجل ّ : " ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى ، وإلى الله عاقبة الأمور "    ( لقمان : 22)

·        وفي قوله سبحانه وتعالى ( يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة ، لنبين لكم ، ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا .... " ( ( الحج : 5 ) .

 

* هذا الإنسان من حيث الأصل مخلوق من تراب كما قال سبحانه : " ولقد خلقنا الإنسان من  صلصال من حمأ مسنون " (الحجر : 26 ) والصلصال : الطين اليابس إذا نقر عليه يَظهر صوتا ، فإذا شوي صار فخارا . وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( كلكم لآدم ، وآدم من تراب ، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى ) .

 

 

*    ومع هذا فقد كرم الله تعالى الإنسان من حيث هو إنسان كما في قوله عزّ من قائل : " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا " ( الإسراء : 70 ) لذلك حرم الله تعالى أن يستعلي الإنسان على أخيه الإنسان،أو أن يظلمه  أو أن يقتله بغير حق ، وبيّنً هذا في قوله تعالى : "من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ، ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا .." ( المائدة :32 ) .

 

* وبين الله تعالى أوضاع العباد ،ونص على أفضلهم في قوله عز وجل ّ " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم،إن الله عليم خبير "( الحجرات : 13 ) .

 

·    وجاءت الرسالة الخاتمة التي أنزلت على الرسول الكريم قرآنا مبينا يتلى آناء الليل ، وأطراف النهار تبين أحكام العباد على مختلف عقائدهم وأحوالهم الاجتماعية والسياسية ، فالكتابيون في المجتمع الإسلامي لهم حقوقهم ، وعليهم واجباتهم ، يعيشون كسائر المواطنين ، بأمن وأمان على أنفسهم وأهليهم ومن يلحق بهم ، وعلى أموالهم ، يتمتعون بكامل حرياتهم ، ويحفظ التاريخ مفاخر خالدة في حسن رعايتهم والاهتمام بشؤونهم ،وإن الصحيفة –العهد- التي دونها الرسول صلى الله عليه وسلم بين المسلمين و يهود المدينة بعد الهجرة – قبل أربعة عشر قرنا وثلث القرن – لتشهد بذلك ،كما يشهد بهذا قول الله تعالى : " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم : أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، و لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون : "( آل عمران : 64 )[1]  كما لقي غير المواطنين من أتباع الدول غير المسلمة ترحيبا طيبا في بلاد الإسلام لا ينساه ذوو الأحلام والنهى [2] ،  تنتظمهم أحكام المستأمنين [3]

 

·    والسؤال المطروح الآن : مَن المؤهل من الخلق لسياسة عباد الله تعالى وحسن رعايتهم ،وتقدير أحوالهم و طبائعهم الإنسانية وتحقيق مصالحهم الخاصة والعامة  ؟؟؟  بعد أن عرفنا أن الكون لله ، والخلق عباد الله يعيشون على أرض الله . فالمنطق أن يَحكم بين العباد بحكم الله تعالى .قال عز وجل ّ :"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) ( المائدة : 44) وفي الآية التي تليها ( فأولئك هم الظالمون "  ( المائدة : 45) وبعدها بآيتين ( فأولئك هم الفاسقون ) (المائدة : 47 ) .

 

 

 

* وبين الرسالات السماوية قاسم مشترك يتضح فيما يلي  :

 

  1 – توحيد الله عز وجل ، وتحريم الشرك به .

  2 – بيان سبل العبودية له بما شرع من عبادات  .

  3 – الدعوة إلى مكارم الأخلاق . والآداب واستقامة السلوك وما يلحق بهذا .

 

* والإنسان روح ، ونفس بميول وغرائز ، وجسد وروح .

 

كل هذا لا يخدم الإنسان بجميع مقوماته . فالسبيل الوحيد أن يقام حكم الله تعالى في عباد الله على أرض الله تعالى . بأن يتعاون علماء الديانات السماوية في الغرب والشرق ، في مشارق الدنيا ومغاربها ، وشمالها وجنوبها على بيان حكم الله تعالى في عباد الله ، وما توعد الله تعالى به الظالمين الذين لا يستجيبون لأوامر الله تعالى ، ويعتدون على حقوق الله عز وجل ، وحقوق العباد – من عقاب في الدنيا والآخرة ففي كتب أهل الكتاب أدلة كثيرة على هذا ، وفي الرسالة الخاتمة في القرآن الكريم الكثير الطيب ، الذي لا يخفى على أحد ممن يخشى الله تعالى ويتقيه في عباده سرا وعلنا ، ولا يتوفر هذا إلا في المؤمنين المخلصين الصادقين ،الذين يخشون الله تعالى ويراقبونه في جميع أحوالهم ، ولا يخافون في الله  لومة لائم ، ذلك أن ( الخلق كلهم عيال الله ، فأحب الخلق إلى الله مَن أحسن إلى عياله ) (1)  . وما أبلغ ما روى أبو هريرة رضي الله عنه ، وما أبعد دلالاته ، وما أسمى مراميه – قال : قبّلَ النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما ،وعنده الأقرع بن حابس التميمي – أحد زعماء القبائل العربية ووجهائهم و دهاتهم – فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا . فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " من لا يرحمَ  لا يرحَمَ " . . وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من لا يرحم ِ الناس َلا يرحمه الله ) ( 2 )      وأما أولئك الإرهابيون الصهاينة فلا صلة لهم باليهودية ، ولا بما أنزل الله تعالى على سيدنا موسى عليه السلام، وأدرك العالم انسلاخهم عن القيم الإنسانية من حقدهم الشديد وانتهاكهم   حرمات الله تعالى في فلسطين السليبة ، حتى أعلن كثير من اليهود تبرأهم من الدولة العنصرية اليهودية  ..... وهؤلاء الصهاينة   يسترحمون الغرب والشرق والبعيد والقريب و يستجدون باسم المحرقة التي لحقهم أذاها - كما يقولون – على يدي النازيين أثناء الحرب العالمية الثانية ويستدرون عطف الحكومات والشعوب فيبذلون إليهم المليارات من النقود لمواساتهم ، والتخفيف من معاناة ما لحق بهم .... ؟؟؟؟ عجبا لأمر هؤلاء االمعتدين القتلة الغاصبين ، الذين شردوا ملايين من إخواننا الفلسطينيين ، وقتلوا الألوف ويتموا الأطفال ورملوا النساء 

    وهدموا البيوت على الأبرياء ، وما أخبار اعتداءاتهم المتكررة ببعيد ة ، وآخرها ما كان على غزة جوا وبرا وبحرا ، وما ترك فيها من دمار عام لبيوتها ، ومؤسساتها التعليمية والصحية،ومستودعات أغذيتها، وما تركوا من جرحى ومصابين ومعاقين ، تحت حصار عام شامل يمنع الدخول والخروج على مرأى ومسمع مليارات الناس في مشارق الدنيا ومغاربها ،عدوان يفوق مئات المحارق اليومية،التي يدعون تعرض اليهود لها أيام الحرب العالمية الثانية ، وإلى الآن لم توفق المؤسسات الدولية إلى إدانة إسرائيل في عدوانها االغاشم السافر إلى جانب الاستيطان ، وبناء الجدار الفاصل العنصري ، وطرد مئات الأسر الفلسطينية من منازلها، في القدس وغيرها، إلى الضياع والشتات والعراء . لقد ماتت ضمائر الصهاينة المعتدين، ولا أمل في خير منهم ، فمن ذاق الظلم وعرف مرارته، لا يمكن أن يظلم غيره لو كان فيه يقظة ضمير حيّ ،أو مشاعر إنسانية صادقة .

 

  لكل هذا كان من الواجب المحتم على أكابر علماء الديانات السماوية سرعة التحرك ، وإيقاظ ضمائر الشعوب ، وضمائر أولي الأمر لإرساء قواعد العدل والمساواة و منع العدوان والظلم كما أسلفنا ....    

   

  *ومما يدل على شرعية هذا التعاون بين علماء الديانات السماوية في سبيل تحقيق كرامة الإنسان والسعي إلى إقامة سلام عالمي عادل شامل قول الله تعالى " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ،إن الله يحب المقسطين " ( الممتحنة :8) . وقوله عز وجل : " غلبت الروم . في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سَيَغِلبًون، في بضع سنين،لله الأمر من قبلَ ومن بعدَ،ويومئذ يََفرَحَ المؤمنون بنصر الله ، ينصر من يشاءَ وهو العزيز الرحيم "( الروم : 2- 5 ) فرح المؤمنين آنذاك كان لانتصار الروم وهم أهل كتاب على الفرس الذين كانوا مجوسا يعبدون النار . فرح المؤمنون بنصر أهل الكتاب على المشركين بجامع إيمانهما بالله عز وجلّ .

                                       

 

       وإن شاء الله عز و جل ستثمر جهود  هذا التعاون البناء ، ويفرح المؤمنون المخلصون بنصر الله تعالى ، والنصر آت لا محالة مصداقا لقول الله العليم الخبير :

" إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد " ( غافر : 51)

            اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر ، والعزيمة على الرشد .

 

            والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .