حبوب منع الحمل بين الفوائد والمخاطر المحتملة

تناول النساء لحبوب منع الحمل المحتوية على الهرمونات، يظل واحدة من القضايا الطبية الشائكة التي لا تزال محل نقاش وبحث علمي منذ أكثر من خمسين عاما. وتمثل الدراسة الحديثة للباحثين في جامعة “أبردين” بالمملكة المتحدة، بحق، واحدة من أكبر وأوسع الدراسات العلمية التي تم إجراؤها حول التأثيرات البعيدة والمتوسطة المدى لتناول النساء الحبوب الهرمونية لمنع الحمل.



والمثير للدهشة في نتائجها هو توصلها إلى ما يخالف غالبية الاعتقادات السلبية الشائعة حولها. ذلك أنها وجدت أن النسوة اللائي يتناولنها لديهن فرص متوقعة للعيش فترة زمنية أطول من اللواتي لا يتناولنها، وأن مستخدماتها أقل عرضة للوفاة بأمراض القلب وبالأمراض السرطانية، مقارنة أيضا بمن لا يتناولنها.

الواقع أن هناك تاريخا طويلا من الأخذ والرد والأحداث والاعتراضات والنجاحات على المستوى العلمي والطبي والاجتماعي، منذ مجرد بدء تفكير الباحثين الطبيين عن وسيلة دوائية تمنع احتمالات حصول الحمل في بدايات القرن الماضي، وحتى وصولنا إلى ظهور وانتشار توفر أنواع مختلفة من هذه الحبوب للمستهلكات اليوم في كل أنحاء العالم.

وهو ما يحتاج إلى عرض لفهم وإدراك جوانب تتعلق بالتسلسل التاريخي لظهورها وانتشارها، ومكوناتها، وطريقة عملها، وتأثيراتها المستقبلية، ودواعي الشكوك حول أمان تناولها، وضوابط وصفها واستهلاكها، وغيرها من الجوانب التي لا تحتاج إلى معرفتها النساء المتزوجات فقط، بل عموم النساء والرجال.

دراسة مطمئنة

ودراسة الأطباء من جامعة “أبردين” في اسكوتلندا بالمملكة المتحدة، ومن قسم علوم تناسل البشر التابع للمجلس البريطاني للبحوث، جاءت مطمئنة في نتائجها لعموم ملايين مستخدمات حبوب منع الحمل، ولأزواجهن. والمهم في ذلك، أنه لا علاقة مباشرة فيما بين تناول هذه الحبوب وبين احتمالات الوفاة المبكرة، بالمقارنة مع من لا يتناولنها.

وقال الدكتور ريتشارد أندرسون، عضو المجلس البريطاني للبحوث إن «نتائج هذه الدراسة مطمئنة بشكل وافر، وهي تفترض بشكل صريح أن الفوائد الصحية البعيدة المدى لتناولها تغلب أي مخاطر محتملة جراء استخدامها».

ووفق ما تم نشره في المجلة الطبية البريطانية BMJ، قام الباحثون بإشراف الدكتور فيليب هانافورد، بمتابعة 46 ألف امرأة لمدة 40 عاما. وتحديدا بدأت الدراسة منذ عام 1968، أي بعد نحو ستة أعوام فقط من بدء انتشار تناول الحبوب في العالم. وتوصلوا إلى أن متناولات حبوب منع الحمل لديهن احتمالات أقل للوفاة نتيجة لأمراض القلب والسرطان والأسباب الأخرى، مقارنة بمن لم يتناولنها مطلقا طوال حياتهن.

وعلى وجه الخصوص، تمس هذه النتائج المطمئنة أولئك النساء اللواتي تناولن في السابق الأنواع الأولية من حبوب منع الحمل. ومعلوم أن حبوب منع الحمل المحتوية على الهرمونات مرت بمراحل متعددة في الإنتاج. وكثيرا ما كان يخشى في الأوساط الطبية أن الأنواع التي كانت تتوفر في فترة الستينات والسبعينات، والتي كانت تحتوي على كميات أعلى من الهرمونات الأنثوية، ربما تركت أضرارا بعيدة المدى على مستخدماتها، بالمقارنة مع الأنواع الأحدث والأقل في محتواها من الهرمونات الأنثوية.

ولذا علق الدكتور هانافورد بالقول إن كثيرا من النساء، وخاصة من تناولن لسنوات عدة تلك الأجيال الأولى من حبوب منع الحمل الهرمونية، يمكن طمأنتهن بنتائج هذه الدراسة.

وعلى الرغم من أن الدراسة لاحظت أن تناول حبوب منع الحمل لا يزال يشكل خطورة على المدخنات، وعلى اللواتي في عمر أقل من الخامسة والأربعين، فإن الباحثين قالوا إن التأثيرات على الشابات الصغار تزول بعد عشر سنوات، وإن فوائد تناولها من قبل النساء الأكبر سنا تفوق مضارها أو مخاطرها.

فوائد علاجية أخرى

 

وكانت الكلية الأميركية لطب النساء والتوليد ACOG، أصدرت في يناير (كانون الثاني) الماضي «نشرة ممارسة» جديدة حول مجالات الاستفادة من حبوب منع الحمل، في مجالات غير عملها على منع الحمل. وأشارت إلى أنه بالإضافة إلى منع الحمل، فإن الحبوب الهرمونية تلك مفيدة في معالجة حالات الاضطرابات ذات الصلة بالدورة الشهرية والحيض، مثل الألم الشديد المصاحب للحيض، والنزيف الشديد للحيض.

وأضافت النشرة أن: حبوب منع الحمل تحتوي على هرموني البروجيسترون progesterone والاستروجين estrogen، وهما يُقللان من مخاطر الإصابة بسرطان بطانة الرحم وسرطان المبايض وسرطان القولون. ومن الفوائد الأخرى المحتملة لتناولها هو منع الإصابة بالصداع النصفي (الشقيقة) migraine الذي يأتي مع بدء الحيض. وكذلك في معالجة آلام الحوض التي يتسبب بها مرض «بطانة الرحم المهاجرة» endometriosis. ومعالجة، أيضا، شدة نزيف الحيض المصاحب لحالات وجود تليفات الرحم uterine fibroids.

وقال الدكتور روبرت ريد، رئيس الفريق العلمي الذي وضع النشرة: «يعلم الأطباء منذ سنوات عدة أن حبوب منع الحمل لها فوائد صحية تتجاوز القدرة على منع الحمل فقط. والإرشادات الجديدة التي تتضمنها النشرة فحصت بدقة الأدلة العلمية الداعمة لاستخدامات حبوب منع الحمل في الحالات العلاجية المختلفة، التي لا علاقة لها بتحقيق منع الحمل».

وأضاف أن حبوب منع الحمل الهرمونية التي تحتوي على مجموعة من الهرمونات، فاعلة في إعادة التوازن إلى الاضطرابات التي تعتري انتظام أوقات الدورة الشهرية، وفي حالات الاضطرابات التي تظهر على المرأة قبيل بدء الحيض. وفي تخفيف ظهور حبوب الشباب، وفي منع حيض المرأة خلال الأيام التي لا تود المرأة أن تحصل فيها، مثل أيام السفر أو الأجازات أو الزفاف أو شهر العسل.

الحبوب والإصابات السرطانية

ووفق ما تشير إليه النشرات العلمية الحديثة للمجمع الأميركي للسرطان، فإن أسباب الهواجس الطبية حول احتمالات وجود علاقة حبوب منع الحمل بالأمراض السرطانية، مردها إلى أن هناك أنواعا من الإصابات السرطانية ذات العلاقة المباشرة، في ظهورها ونموها وانتشارها، بنسبة الهرمونات في الجسم. وهذا ينطبق على النساء وعلى الرجال. إذ كما أن سرطان البروستاتا لدى الرجال له صلة بالهرمونات الذكرية، فإن سرطانات الثدي والمبايض والرحم لها هي الأخرى علاقة بالهرمونات الأنثوية.

ولكن مجرد طرح «احتمال» وجود «علاقة»، سلبية أو إيجابية، لا يعني بالضرورة وجود علاقة «السبب والنتيجة» بين تناول حبوب منع الحمل وإصابة النساء بالأمراض السرطانية. وهذا ما ثبت علميا خلال السنوات الماضية. ولذا فإن هناك تفصيلات تستحق العرض عند الحديث عن تناول تلك الحبوب والإصابة بالأمراض السرطانية، خاصة وأن ديدن بعض الناس هو التصديق المباشر والتلقائي لأي شائعة تذكر السلبيات، ولا يستمعون لأي توضيح أو نفي يصدر عن جهات علمية طبية محايدة وغير منتفعة بالأصل من وراء انتشار تناول تلك الحبوب الهرمونية.

ويقول الباحثون في المجمع الأميركي للسرطان: «بالنسبة لسرطان الثدي، من المعلوم أن خطورة الإصابة بسرطان الثدي تعتمد على عدة عوامل. وأحدها هو الهرمونات الأنثوية الطبيعية في جسم المرأة. ولذا ترتفع الإصابات بسرطان الثدي بالعموم لدى النساء اللواتي بلغن قبل سن 12 سنة، أو وصلن متأخرات إلى سن اليأس، أي بعد سن 55 سنة، أو حملن لأول مرة بعد بلوغ سن الثلاثين، أو اللواتي لم يحملن مطلقا».

وأضافت القول إن الدراسات العلمية التي فحصت علاقة حبوب منع الحمل بالإصابة بسرطان الثدي، كانت نتائجها متضاربة. منها دراسات توصلت إلى حصول ارتفاع طفيف في نسبة الإصابة بسرطان الثدي، وبشكل أعلى لدى من يبتدئن تناولها في العشرينات من العمر، أو كن يتناولنها في خلال السنوات الخمس الماضية. ولكن هذه الخطورة تتلاشى بعد التوقف لعشر سنوات عن تناولها. ومنها دراسات أخرى أكدت في نتائجها عدم وجود علاقة بين الأمرين بالمطلق. ولذا لا تتبنى الجمعية أي رأي جازم في نصائحها الطبية للوقاية من سرطان الثدي.

 

وبالنسبة لسرطان المبايض أو سرطان بطانة الرحم، فلا يوجد خلاف بالمطلق بين نتائج الدراسات العلمية التي أكدت فائدة تناول حبوب منع الحمل في تقليل الإصابات بهذين النوعين من السرطان. وهو ما يؤكد تبنيه المجمع الأميركي للأورام.

وأما علاقة سرطان عنق الرحم بتناول حبوب منع الحمل فهي علاقة غير مباشرة. ويشير المجمع الأميركي للسرطان إلى أن «فيروسات بابيلوما البشرية» human papilloma virus هي السبب المباشر. وهي فيروسات موجودة في 99% من تلك الحالات لسرطان عنق الرحم. وعليه فإن علاقة حبوب منع الحمل هي في تسبب تناولها من قبل النساء في بعض مجتمعات العالم في حرية ممارسات العلاقة الجنسية، وبالتالي ارتفاع احتمالات التقاط عدوى هذه الفيروسات.

وعلاقة تلك الحبوب بسرطان الكبد، هي الأخرى علاقة ضعيفة وغير مباشرة. ذلك أن المراجعات العلمية للمجمع الأميركي للسرطان لاحظت خطورة منخفضة لتناول تلك الحبوب على إصابات النساء البيضاوات بالذات بسرطان الكبد. أما النساء ذوات الأصول الأفريقية أو الأسيوية فلا ترتفع لديهن الاحتمالات.

الحبوب وأمراض القلب

زيادة الوزن وارتفاع الكولسترول الخفيف وارتفاع ضغط الدم، هي ثلاثة عوامل ذات علاقة بارتفاع احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب. وتناول حبوب منع الحمل لا يؤدي عادة إلى حصول اضطرابات في هذه العوامل الثلاثة، وبالتالي لا يصنف بالعموم تناول حبوب منع الحمل كأحد عوامل خطورة الإصابة بأمراض شرايين القلب. ومع هذا، الأمر يحتاج إلى توضيح.

ويقول الأطباء من مايو كلينك الأمريكي في نشراتهم الحديثة: «كثير من النساء يعتقدن أن تناول حبوب منع الحمل يؤدي إلى زيادة الوزن. ولكن الدراسات الطبية أظهرت أنها ليست كذلك. وربما تتسبب تلك الحبوب في زيادة كمية الماء بالجسم، مما يعطي الشعور بامتلاء الثديين والأرداف».

ويحتاج تأثيرها على نسبة كولسترول الجسم إلى توضيح. ووفق ما يقوله هؤلاء الأطباء، يرفع هرمون الأستروجين من نسبة الكولسترول الثقيل HDL، أي الكولسترول الحميد والمفيد في تنقية الشرايين من ترسبات الكولسترول الخفيف الضار LDL. كما يفيد هذا الهرمون في خفض نسبة الكولسترول الخفيف الضار. بينما يؤدي هرمون بروجيسترون في المقابل إلى عكس هذه التأثيرات. وبالمحصلة فإن تأثيرات تناول حبوب منع الحمل على الكولسترول غير مهمة ولا تؤثر في الصحة العامة للمرأة في هذا الجانب.

أما تأثيرها على ضغط الدم فيحتاج إلى اهتمام. ذلك أنها قد تتسبب بارتفاع في ضغط الدم، مما يتطلب إجراءات قياسية بشكل دوري حال استخدامها. واللواتي لديهن ارتفاع في ضغط الدم بالأصل، عليهن استخدام وسيلة لمنع الحمل غير تناول تلك الحبوب الهرمونية. وإذا ما قررت المرأة استخدامها على الرغم من ذلك فعليها مراقبة مقدار الضغط ومتابعة ضبطه بالمراجعة الدورية لدى الطبيب. وإذا ما تسبب تناولها بارتفاع في الضغط أو عدم القدرة على ضبط ارتفاعه، فعلى المرأة التوقف عن تناولها.

والنقطة المهمة هي تجنب تناول تلك الحبوب لأي داع كان من قبل النساء اللواتي تجاوزن سن 35 سنة وهن مدخنات، لأن ذلك يرفع من احتمالات إصابتهن بأمراض شرايين القلب. وإن كانت المرأة تلك ترغب بتناولها فعليها التوقف فورا عن التدخين.

وعليه، فإن الحذر من تناول تلك الحبوب هو في حالات النساء اللواتي لديهن بالأصل عوامل ترفع من خطورة الإصابة بأمراض الشرايين، مثل ارتفاع ضغط الدم والسمنة وارتفاع الكولسترول ومرض السكري والتدخين.