حبست عفريتاً فما نفع العقاب!!

«حبسته كما حبسني أبي» هذا ما قاله صديقي وهو ينقل لي تجربته مع ابنه المتمرد والعفريت- كما ذكر- يقول: إن لي ابناً شيطاناً عمره اثنتا عشرة سنة، أردت يوماً أن أعاقبه كما كان أبي يعاقبني عندما كانت بيوتنا من الطين في الكويت، كان أبي يحبسني في الغرفة، وأجلس فيها أبكي حتي يرق قلبه فيخرجني، حاولت أن أطبق هذه التربية على ابني ذات يوم فحبسته وأغلقت الباب عليه، وجلست أنتظر بكاءه فلم يبك ثم تركته ساعة ولم يبك، ففتحت عليه الباب ببطء فرأيته منشغلاً بالكمبيوتر ويحدث فتاة عن طريق «الانترنت»، فغضبت ثم أخذت الكمبيوتر وأخرجته من الغرفة فأغلقت عليه الباب مرة أخرى واستغربت من عدم بكائه وتأثره بالعقوبة، ثم فتحت عليه الباب بعد ساعة وإذا به يتحدث مع أصدقائه من خلال «الهاتف النقال» فوقفت حائراً..



ماذا أفعل لأعاقب ابني وأردعه حتى لا يكون عفريتا ثم قال هذا الصديق بعد تجربته هذه: ثم أدركت أن الزمان الذي عشناه غير زمان أبنائنا، فينبغي أن نتعلم لغتهم وهمومهم وما يحبون وما يكرهون، حتى نحسن الخطاب معهم ثم نؤثر فيهم ونصنع قالبهم التربوي كما نريد.. وأقول معلقاً على هذه التجربة الجميلة، إن تربية النفس وسياستها أمر ليس بالسهل، وخصوصاً في زماننا الذي تعددت فيه وسائل التربية من مدرسة وشارع وصديق وتلفزيون وكمبيوتر وصحافة وأندية وسينما والتي تربي الأشباح لا الأرواح، فهي تركز على الشكل دون المضمون وتسوق زينة المظهر لا الجوهر، فهذه الوسائل تفسد العجينة البشرية من جهة، ويريد الوالدان لوحدهما في هذه المعركة أن ينتصرا في الحفاظ على قيم أبنائهما وهويتهم، خصوصاً وأن تربية النفس تحتاج إلى صبر ووقت ومهارة ولهذا قال مورق العجلي «أحد زهاد التابعين»: «أمر أنا في طلبه منذ عشرين سنة فلم أقدر عليه، ولست بتارك طلبه أبداً، قالوا: وما هو يا أبا المعتمر؟ قال: الصمت عما لا يعنيني..».


وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه، ويسن لنا قاعدة في التعامل مع التمرد النفسي، فإذا كان أحد أبنائنا عفريتاً فكيف نتعامل معه؟ والإنسان ابن بيئته وتربيته ويتأثر بمحيطه، ولهذا أحب صاحبنا أن يطبق على ابنه ما طبقه أبوه عليه مع نسيان الفارق الزمني والاجتماعي والنفسي والتربوي وحتى التكنولوجي، ثم يتهم الإنسان وسائله التربوية بالفشل، ولا يدري أنه مقصر في فهم وفقه الواقع التربوي الذي يعيشه، وقد تذكرت طرفة وأنا أكتب هذه السطور تبين نسيان الإنسان لواقعه وتأثره ببيئته، وهي أنه أراد زوج وهو طبيب للعيون أن يهدي زوجته وردة حمراء أثناء تناولهما وجبة العشاء في المطعم، فأخرج الوردة وأمسك بها بيده اليمنى ثم قربها من وجهها وقال لها ماذا ترين؟ قالت: وردة جميلة، ثم أبعد الوردة إلى وجهه وقال لها: والآن ماذا ترين؟! فضحكت زوجته لأنها عرفت أنه يختبر نظرها... فمرة أخرى نكرر ونقول إن تأثرنا ببيئتنا أمر ليس عيباً أو خطأً، ولكن الخطأ أن نعيش «صراع الأجيال» ولا نساهم في «المصالحة بين الأجيال».
 

بقلم: د. جاسم المطوع

 

 

موقع الأسرة السعيدة