حالة الغشية

عندما تجلس  أمام التلفاز مساءً بعد نهار طويل في العمل فإنك بالتأكيد  تجلس لتقضي فترة راحة واسترخاء تريح فيها بدنك وأعصابك بعد جهدٍ عضليٍّ أو فكريٍّ. فما هي هذه الحالة وكيف نصفها؟ إنها حالة  يكون فيها الشخص على وعي بنفسه وبما حوله ولكن دون وجود عمليات تفكير أو محاكمة أو تفسير, فالشخص منتبه؛ ولكنه انتباه سلبي....



يكون فيه مستغرقاً فيما يحدث. وهذه الحالة يطلق عليها المتعاطون للمخدرات اسم " الوعي المجرد". وهي ليست ببعيدة كثيراً عن الحالة الشعورية لمن يستغرق في مشاهدة التلفاز, والتي يطلق عليها العلماء حالة الغشية Trance , والتي يلحظها الآباء على  أطفالهم أثناء مشاهدة التلفاز, حيث تستحوذ الشاشة عليهم, وتتحول تعابير وجه الطفل, فيرتخي الفك, وتغشى العينين نظرة زجاجية متسمِّرة.

وقد درس ت بيري برازلتون T Berry Brazelton  -وهو طبيب وكاتب في مجال الأطفال- غشية التلفزيون The Television Trance , وأجرى التجربة التالية:

يقول: عرَّضنا مجموعة من الأطفال الرضع الهاجعين في سكون إلى مثير بصري مزعج, وهو عبارة عن ضوء ساطع في غرفة عمليات, ووضعناه على مسافة 24 بوصة من رؤوسهم, وظل الضوء مشتعلاً 3 ثوان ثم انطفأ دقيقة واحدة, وتكرر هذا التتابع عشرين مرة, وكنا أثناء التجربة نراقب التغييرات التي تحدث للأطفال الرضع فيما يتعلق بضربات القلب والتنفس وموجات الدماغ. وقد لاحظنا ما يلي:

فزع الأطفال بوضوح حين تعرضوا في المرة الأولى للمثير البصري, لكن شدة رد فعلهم تناقصت بسرعة بعد مرات قليلة, ومع المرة العاشرة لم تظهر تغيرات في السلوك أو ضربات القلب أو التنفس, وظهرت أثناء المثير الخامس عشر أنماط نوم على الراسم الكهربائي للمخ على الرغم من أنه كان واضحاً أن أعينهم لا تزال تستقبل الضوء.

فالإنسان يمتلك آلية عجيبة تعمل كوسيلة إغلاق يتعامل بها مع المثيرات المزعجة, ويمكنه أن يتخلص منها ويدخل في حالة تشبه السبات.

إن التلفاز يعمل تماماً كضوء غرفة العمليات, يخلق وسطاً يتهجم على الطفل ويغلبه على أمره, ويرد عليه الطفل بالسبات السلبي فقط.

ونلاحظ ذلك في أطفالنا الذين يجلسون أمام التلفاز يشاهدون فيلماً حافلاً بالأهوال من كل لون؛ أو أمام شاشة الحاسوب يلعبون, والسكون والذهول التام يلفُّهم, وبحيث لو أنك ناديت أحدهم أو تحدثت إليه ما سمعك وما انتبه إلى وجودك أصلا بجانبه.

ولكن ماذا يعني ذلك؟ وما هي آثاره؟

إن حالة الغشية هذه تعني أن هذا الشخص الذي يدخلها  هو نصف واعٍ , يرى ويسمع  ولكنه لا يناقش ولا يحاكم ولا ينقد, وبالتالي فإن ما يشاهده يدخل عقله اللاواعي دون استئذان ودون إخضاعه للمبادئ والمعايير التي يؤمن بها, وهذا يفسر التأثير السلبي للتلفاز على معتقدات وقيم ومبادئ الكبار والصغار.

فكر  جدياً في الحد من استغراقك في هذه الحالة, وتعمَّد البقاء في حالة من الوعي الكامل أثناء مشاهدة التلفاز , لتستطيع غربلة ما يأتيك, وعلم هذا لأطفالك .

بقلم: ضحى فتاحي

المرجع: وين, ماري: الأطفال والإدمان التلفزيوني. ترجمة عبد الفتاح صبحي. سلسلة عالم المعرفة. العدد 247

المصدر: زاد ترين