جماعات تحفيظ القرآن منَّا وإلينا...

الهمم لدى الناس متفاوتة متباينة مختلفة باختلاف المشارب والميول والطموحات والغايات والعقليات ونوع التفكير: فهمة عالية سامقة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وهمة وضيعة غير طامحة ضعيفة قد كبَّلها الفتور والتواني والتسويف.



وإن من أعلى الهمم وأجلها من اعتنى صاحبها بحفظ كتاب الله، ويماثله في الهمة ويسايره من ساعده وبذل ما في وسعه من عطاء، فشارك في التعليم أو في المساعدات المالية، فكل أولئك داخل بإذن الله في الخيرية التي وردت في حديث المعصوم - صلى الله عليه وسلم -: خيركم من تعلم القرآن وعلمه وحكومة هذه البلاد - أمدها الله بالعون والسداد - داخلة في ذلك لما تبذله خدمةً لكتاب الله في شتى المجالات والميادين، فأقامت المسابقات في حفظ القرآن الكريم وتجويده على المستويين المحلي والدولي، فشجعت الحافظين، وساهمت مساهمة فعالة في خدمة جماعات تحفيظ القرآن الكريم والتي تشرف عليها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ولقد أثمرت هذه الجماعات ثماراً يانعة طيبة كان نتاجها حفظة لكتاب الله، فتخرج في حلقاتها عدد لا بأس به من الحافظين للذكر الحكيم، فكانت رافداً من أهم الروافد للتعليم العام، لما تتمشى به من الأسس والمبادئ وغاية التعليم وأهدافه في المملكة العربية السعودية، فكم لهذه الجماعات من آثار طيبة كثيرة أذكر منها:

1- تنشئة جيل مسلم حامل للقران الكريم، قد نشأ على تعلم القرآن وحفظه.

2- مساندة الدراسة النظامية في المدارس الصباحية، فغالب الدارسين في حلقات تحفيظ القرآن بالمساجد من المتفوقين دراسياً وأخلاقيا ولا غرابة في ذلك إذ تربوا على آيات الله البيِّنات وتعلموها وحفظوها، فتخلقوا بخلق القرآن ونهلوا من علومه، فتفتقت مواهبهم، وتحسنت طبائعهم، وارتقت سجاياهم، فكانوا قدوة في الأدب والأخلاق، قدوة في التفوق، ومن المزايا التي جناها أولئك الملتحقون بحلقات تحفيظ القرآن:

- مراجعة دروس القرآن والتجويد التي درسوها في الصباح ومذاكرتها وترسيخها.

ب-إجادة القراءة وانطلاق اللسان، فكثرة تلاوة القرآن والنظر إلى الكلمات يساعد على سلامة القراءة من الأخطاء اللفظية، وسلامة الكتابة من الأخطاء الإملائية، وهذا مبتغى كل دارس ومتعلم، فالقراءة والكتابة ملازمة للشخص في حياته العلمية والعملية فلا مفر منها ولا استغناء عنها.

ج- قدرة الحافظ لكتاب الله والمكثر من تلاوته على التعبير وحسن السبك والارتجال ودقة الاستشهاد والقدرة على المحسنات البلاغية والتي أعجز القرآن بان يأتوا بمثله، فانغرست الأساليب القرآنية في مهارات القارئ له وبخاصة الحافظ، فانعكس ذلك تطبيقاً عملياً في كتاباته وخطاباته وارتجالاته.

3- مساعدة ولي الأمر في مسؤوليته في رعاية أبنائه والتخفيف عنه في ذلك الوقت الذي يقضيه ابنه في الحلقة، إضافة إلى تأثير الحلقة في إصلاح الابن وصلاحه واستقامته، لتأثره بالقرآن والمسجد، فتهذبت أخلاقه، واستقامت أحواله.

وبعد فما دور الجميع نحو هذه الجماعات؟

والإجابة على هذا التساؤل تكمن في استشعار الجميع بالأثر الطيب الذي تقوم به هذه الجماعات، فمن ثم المشاركة المختلفة وأهم تلك المشاركات الدعم المادي لها، فأعمال الخير إذا لم تجد المساندة من أهل الخير لم تؤت ثمارها على الوجه المطلوب، فكن أيها الأخ الكريم سنداً قوياً لها، ولنستصحب النية الحسنة ونتذكر قول المصطفى- صلى الله عليه وسلم -: (ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت) أو كما قال- صلى الله عليه وسلم -، فلنتاجر بمثل هذه التجارة الرابحة، وليكن في ذهن كل متبرع أن تبرعه عائد على أبنائه وإخوانه وجيرانه وأهل بلده وإخوانه المسلمين، فلنحرص على الخيرية في: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، ولنشارك في تعليمه ونسعى إلى إحدى المرتبتين: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفق آناء الليل وآناء النهار) ولنروض أنفسنا، ونستعين على ترويضها باستحضار الأجر المترتب على مثل هذه الأعمال، والشعور بالانتماء والتكاتف والتعاون على البر والتقوى والذي دعت إليه الشريعة الإسلامية، فلنتق النار بالصدقة ولو كانت قليلة (اتقوا النار ولو بشق تمرة)، ولنضع نصب أعيننا أن خير الصدقة: أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى.

وفي الختام: فجماعات تحفيظ القرآن الكريم منَّا وإلينا، فلنبذل لها القليل، لنجني منها الكثير.