ثقافة الحوار: متى نترك الأزقة ونجتمع في الشارع العريض؟

لا يوجد أحد في هذا الكون يملك الحقيقة الكاملة عن كل شيء، إلا أنَّ تعنُّت النفس البشرية، واعتقادها أنَّها حصلت على  كمال المعرفة، تجعلها في حالة اختلاف مع أصحاب المعتقدات الأخرى.



يحدثنا أكثر عن هذا الموضوع الكاتب زياد ريس في كتابه "تجربتي لحياة أفضل".

متى نترك الأزقة ونجتمع في الشارع العريض؟

نشاهد خلافات كثيرة بين أفراد الطَّيْف واللون الواحد، وبين مَن يحملون الرسالة والهدف نفسه، ودوماً يحتاجون إلى رأب الصَّدع والتوفيق بينهم من خلال إلقاء الضوء على الوجه الآخر للحقيقة، والتي يغفل عنها الكثيرون، وإنَّ بعضٌ منا ليلقي بأحكامه يميناً وشمالاً بما وصل إليه مِن عِلْم ومعرفة، وبما شاهده من مكانه ومَوْضعه والزاوية التي هو فيها دون معرفة كامل الحقيقة، ويكون ذلك سبباً كافياً لإطلاق التُّهَم وتأصيل الفُرْقَة والتَّشرذم، عندئذ تُفتح زواريب جديدة تكون مُغْلَقة من الطَّرف الآخر في أكثر الأحيان، ولا تتضح لنا المخارج منها إلا فيما بعدُ.

شاهد بالفيديو: 20 نصيحة لإتقان فن الحديث والحوار مع الآخرين

كم نحتاج إلى البحث عن الأعذار للآخرين قبل فوات الأوان، وندرك أنَّ ما وصلنا إليه من معرفة وعِلْم ودراية قد لا يكون هو الحقيقة الكاملة بالضرورة، وإنَّما قد يكون لها تَتمَّة لم نعرفها، أو لم نصل إليها بعدُ، وإنَّ للفقه المعاصر وفقه الواقع واختلاف المكان والزمان والظروف المحيطة معطياتٍ ومُخْرَجات تُسْهم في تعدُّد الرُّؤى والأحكام، وربما تأتي الُمخْرَجَات بتجاوزات قليلة ومحدودة من باب دَرْء الأكثر أذيَّة وسوءاً، ويكون ذلك هو الأسلم والأحوط.

إقرأ أيضاً: عَامِل الناس كما تحب أن يعاملك الله تعالى

من المحزن أنَّ معظم الزواريب التي ندخل بها يميناً وشمالاً تنتهي بنا بخلافات فرعيَّة وجزئيَّة بعيدة تماماً عن الهدف الأساسي الذي يجمعنا، والذي يبقى وراء ظهورنا، وندخل في عُمْق الخلافات ونعطي لها أبعاداً مختلفة؛ بحيث تتجذَّر وتخرج عن سياقها الصغير لتكون هي الأساس المفصلي الذي يُحدِّد العلاقة التي نجتمع عليها أم لا، وندخل في النوايا والأجندات إلى أن نهجر الشَّارع العريض الذي اجتمعنا عليه بالأصل، وننتظر القَدَر ليُثبت لنا خلاف ما ذهبنا إليه في محاكمتنا للأمور بما فيها النوايا المخفيَّة التي رسمناها بعقولنا، وكانت جزءاً هاماً في تأصيل موطن الخلاف.

إقرأ أيضاً: ميزان الربح والخسارة في التعامل مع الآخرين

حينها نُصْدِر صَكَّ البراءة للطَّرف الآخر، ونَمنحه التَّقدير والوسام، وقد تكون هذه فرصة لنُطْلِق عنان المُراجَعات والتَّصويبات، ونضع كلَّ شيءٍ في ميزانٍ واحدٍ لتَرْجُحَ كفَّة التَّقدير والامتنان والاعتراف بالفضل والمعروف والخدمة العظيمة، وحينها نعلم بأنَّنا في مركب ومحنة واحدة وتحدٍّ واحدٍ، واختلافنا هو في التَّفاصيل وفي عثرات الطَّريق وليس في الهدف ولا الغاية، ونعلم أنَّ علينا أن نتكامل ونتضافر وليس خلاف ذلك؛ لذلك تبقى البَصِيرة والرُّشد والحكمة أموراً أساسيَّة لنعود إلى الشَّارع العريض الذي يجمعنا.




مقالات مرتبطة