ثقافة إدارة ميزانية الأسرة

يعيش مجتمعنا الخليجي مرحلة تحولات مهمة ومفصلية. والمواطن فيه ربما لا يحس بها لأنه يدور في فلكها ودوامتها. فهناك سلع وخدمات أصبحت أساسية لم نكن نعرفها. وهناك معايير وتصنيفات وأولويات جديدة غيَّرت من أنماط الحياة المعيشية التي كنا نعرفها. كل ذلك مما يضاعف مهمة وسائل الإعلام وبالأخص الصحافة، في نشر الوعي العام.



من منطلق أن تأثير وسائل الإعلام في هذا المجال أقوى من تأثير المؤسسات الحكومية. فالحكومات مهما حظيت من تأييد وقبول شعبيين، فإنه لا ينبغي لها التدخل في الشؤون الخاصة للناس، لتحدد ماذا يأكلون وماذا يستهلكون وماذا ينفقون ويدخرون؟ من ذلك مجال ثقافة ميزانية الأسرة الذي يستطيع الإعلام أن يقوم بدور ريادي لرفع مستوى الوعي العام فيه. فالمجتمع السعودي بحاجة إلى عمل شيء ما لتحسين أوضاعه المعيشية، في حدود الميزانية الأسرية المتاحة..

على طريق الاستخدام الأمثل للموارد وترشيد الإنفاق، حتى لا نشعر بالفقر ونحن أغنياء! وبهذا الصدد، صدر كتاب لروبرت كايوساكي عام 2000 بعنوان «أبي الغني ـ أبي الفقير Rich Dad Poor Dad». وبالمناسبة، فالمؤلف شخص عصامي من مواليد جزيرة هاواي الأميركية، ومن اصل ياباني. بدأ حياته من الصفر الى أن اصبح مليونيرًا بعد أن أفلسَ أكثرَ من مرة، حتى بلغت به الحال أن عاش بلا مأوى. لكنه كافح إلى أن أصبح مليونيراً ومحاضراً عالمياً في مجال التنمية البشرية. وألف 16كتاباً بيع منها 26 مليون نسخة. ويعرف كايوساكي الشخصَ الغنيَّ بأنه مَنْ كانت مصاريفهُ ونفقاتهُ أقل من إجمالي دخله، فكل شهر سيكون لديه فائض مالي.

كما يُعرف الفقير بأنه من تميل كفة الميزان عنده إلى جانب النفقات، فينتهي الشهر، وهو مدين. ووفقاً لهذا التعريف، فقد نجد عاملاً بسيطاً أغنى من أستاذ جامعي مرموق. وقد نجدُ طبيباً أو أستاذاً جامعياً أو مهندساً أو لاعب كرة قدم مشهوراً.. وقد زادت مصاريفه عن دخله، إذا اضطر للاستدانة وتراكمت ديونه لدرجة يصعب عليه سدادها.. وقد يصل به الأمر لأن يُسجن في قضية حقٍ ماليٍ خاصٍ.

كما يذكر كايوساكي أن الأغنياء يشترون الأصولَ، والفقراء ليست لديهم إلا النفقات والمصاريف. بينما الطبقة المتوسطة تشتري الخصوم وهي تظنها أصولا. وينصح الفقراء بألا ينفقوا مرتباهم بأكملها وأن يحرصوا على مختلف أنواع الأصول. لكن الكاتب لم يتطرق إلى فلسفة أن مصدر الثراء إما زيادة الدخل، أو تخفيض المصروفات.. للحصول على فائض يمكن تنميته واستثماره.

ولأن العكس بالعكس، فإن الفقرَ يحصل إما بسبب انخفاض الدخل أو زيادة الإنفاق. وهنا، فإن منبع هذه المشكلة نقص في ثقافة بعض شرائح المجتمع. فعلى سبيل المثال هناك العديد من السعوديين الموقوفين على ذمة وفاء حقوق خاصة، ليسوا من ذوي الدخول المنخفضة إلى درجة تدعوهم للاستدانة، لكنهم ببساطة أناس ينفقون أكثر من دخولهم! ويماطلون ويسوِّفونَ إلى أن يصدر بحق الواحد منهم صك شرعي يلزمه بالسداد أو الحبس. أو هم أناس يقصرون في العمل وبذل الجهد، ويُتبعون النفسَ هواهَا في الكسل، وتضطرهم تكاليف الحياة للاستدانة للوفاء بمستلزمات الحياة الضرورية.

وفي برنامج لإحدى القنوات الفضائية، تم عرض أمهاتٍ سجيناتٍ بإحدى الدول الخليجية على ذمة حقوق خاصة!. أجبرتهن الظروف على ترك أطفالهن وأزواجهن ليبقين خلف القضبان. وكأني بحكومات دولهن في غاية الحرج! فإن هي دأبت على سداد كل ما استدنَّ ولم يسددن؛ فهذا معناه فتح الباب واسعاً قد يستغله البعض للثراء غير المشروع على حساب خزينة الدولة. وإن تركَتْ مثل هؤلاء لفترات طويلة خلف القضبان بسبب ديون تستطيع أن تسدِّدهَا عنهم، فقد ينظر إلى الدولة على أنها تخلت عن مواطنيها المحتاجين للعون والمساعدة. ولذا، فإن الأولى هنا تكثيف حملات نشر الوعي الاستهلاكي وثقافة إدارة ميزانية الأسرة.

 

 

موقع الأسرة السعيدة