توطين التعلم السريع في مرحلة التعليم الأساسي

إن أهم منطلق لتحقيق متطلبات النقلة النوعية في التعليم المتمايز هو توطين التعلم السريع في مرحلة التعليم الأساسي، وهذا المنطلق –بحسب علمنا المحدود– يتم تطبيقه وفق أدوات وتقنيات واستراتيجيات ونظريات التعلم القائمة على الدماغ والحواس ونظرية الذكاءات المتعددة.



نهدف من الدعوة الجادة إلى توطين التعلّم السريع في مرحلة التعليم الأساسي من أجل تحقيق مستوى الاتقان الذي تنشده المؤسسات التعليمية للناشئة أجيال الغد وبناة نهضة المستقبل، ولا يمكن بلوغه إلا بتضافر جهود جميع العاملين داخل المؤسسة المدرسية من هيئة إدارية وتعليمية في كل الاختصاصات، وذلك وفق نظام فعال للتواصل والتعاون فيما بينهم داخل المدرسة التي ينتمون إليها وبينهم وبين زملائهم في المدارس المجاورة، فقد صار من المؤكد أن ينظم الأداريون والمعلمون والمعلمات جهودهم ويعبئوا طاقاتهم ويستثمروا مواد مدارسهم البشرية والمادية باقصى حد لاستغلالها افضل استغلال بغية الارتقاء بمستوى التعليم ومخرجاته ومواجهة التحديات المتزايدة نتيجة ثورة المعلومات ومتغيراتها المتلاحقة.

فلسفة تطبيق التعلم السريع:

أن فلسفة تطبيق التعلم السريع، فلسفة مُتَجَدِّدة عبر العصور إذ ينضوي تحت لواء التعلُّم السريع الآلاف من التقنيات والوسائل، ولا يزال هذا الرقم في ازدياد، إلا أن هذا ليس كل شيء في التعلُّم السريع. فالتعلم السريع قبل أي شيء آخر هو نظرة إلى التعلُّم وإلى الحياة، تهدف إلى إعادة الإنسانية إلى العملية التعليمية، واستعادتها من براثن الآلات والتكنولوجيا. وإلى جعل التعلُّم تجربة تشمل كامل الجسد والفكر، أي كامل "الشخص" المتدرب. إنها بهذا المضمون تعمل على إعادة صياغة العديد من الأفكار الموروثة، والتي أثبت الزمن أنها تعطِّل العملية التعليمية أكثر مما تدعمها.

إن التعلُّم السريع ما هو إلا جزء من حركة بنيوية أكثر اتساعاً، تشمل ليس فقط التعليم، بل أيضاً الزراعة والطب والحياة الاجتماعية وكافة المجالات الأخرى. حركة لاستعادة "الحقيقي" الطبيعي والإنساني، وللابتعاد عن الآلي الصناعي الميكانيكي. إنها باختصار حركة لتغذية الذكاء البشري بأشكاله المتعدِّدة العقلاني والعاطفي والجسدي والاجتماعي والفطري والإبداعي والروحي والأخلاقي وغيرها وعلى كافة المستويات، لاستعادة فعاليَّة العملية التعليمية.

إقرأ أيضاً: 6 أنشطة تساعد الطالب على تنشيط ذاكرته

ركائز توطين التعلّم السريع ومراحل تطور برامجه:

من أهم ركائز التوطين وجود استراتيجية التحول الى برامج التعليم بكامل العقل، التعلُّم بكامل الجسد، حيث التحول من التعليم التقليدي الى التعلّم السريع لابد له ان يتم بصورة تدريجية وفقا لاستراتيجية محددة الأهداف، وترتكز برامج التعلّم السريع على مراحل تبدأ بتطوير المهارات والتي تشمل برنامج تطوير مهارة التدريسيين وفق للركائز العالمية لبرامج التعلّم السريع، ومن أهم هذه الركائز (ماير، ص 45):

  • لقد نقض التطوُّر المعرفي الحديث، وخصوصاً فيما يتعلق بالدماغ والتعلم، الكثير من مسلَّمات أساليب التعليم القديمة. إذ ثبت خطأ النظرية القائلة أن التعلُّم هو مجرد عملية شفهية و"معرفية" وتحتاج جهداً عقلياً بحتاً. وضَّحت الدراسات الحديثة أن التعلُّم يشمل حتى المشاعر، ويحتاج جهداً شاملاً لكامل الجسد والحواس وأبعاد الشخصية، وهو ما كان لوزانوف قد سماه "احتياطي الدماغ المخفي".
  • أثبتت أبحاث التعلُّم الحديثة استحالة وجود نموذج تعليمي واحد قابل للتطبيق في كل الحالات. يختلف الناس في طريقة استجابتهم للتعليم، وبالتالي لا بد من تنوع وسائل التعليم ومقارباته، وهو ما يمثِّل التحدي الأكبر أمام كلِّية التعليم القديمة القائمة على الترتيب والخطط المسبقة.
  • لقد أعطانا صعود فيزياء الكم وانهيار مبدأ نيوتن في فهم الأحداث الطبيعية كسلسلة رتيبة خاضعة لقوانين خطِّية قبولاً أكبر لمبدأ الترابط بين مجريات الأحداث والطبيعة الإبداعية الحيَّة غير الخطيِّة وغير الميكانيكية للوجود، إن التركيز على "الحيويَّة" هو من أهم مبادئ التعلُّم السريع.
  • إن التطوُّر المتدرج (وإن لم يبلغ مبتغاه بعد) من ثقافة ذكورية إلى ثقافة أكثر تشاركية وتوازناً قد فتح الباب أمام مقاربة أقرب إلى اللطف والعمل المشترك للتعليم.
  • فتح تراجع السلوكية كسيكولوجية وحيدة الباب أمام نظرة أكثر إنسانيَّة وأكثر كلِّية في فهم التعليم وممارسته.
  • حافظت بعض الحركات الموازية على حيويِّة بعض مقاربات الأخرى؛ فعلى سبيل المثال كان هنالك حركة المدرسة التقدمية (بدءاً من عشرينيات القرن الماضي)، وحركة التعليم المندمج (بدءاً من أربعينيات القرن لماضي) وحركة التعليم الإنساني (بدءا من خمسينيات القرن الماضي)، وحركة المدرسة الحرَّة (ستينيات القرن الماضي)، كان هنالك أيضاً مدرسة مونتسوري التي أسَّستها ماري مونتسوري، ومدرسة والدروف التي أسَّسها رودلف ستينر، وأيضاً حركة مدرسة سمرهيل في بريطانيا والتي لعب الدور الأكبر فيها ألكسندرسثرلاند نيل.
  • إن الطبيعة الديناميكية دائمة التغيُّر لبيئة العمل وثقافتها تثبت يوماً بعد يوم شلل طرق التعليم التقليدية التي نتَّبعها اليوم، وتثبت أهمية الوصول إلى مقاربات أحدث وأكثر فعاليَّة.

آليات تطبيق توطين التعلّم السريع في مرحلة التعليم الأساسي:

 من أجل تطبيق بناء يهدف إلى توطين فعلي للتعلّم السريع بالمدرسة، لابد من تنفيذ الخطوات التالية:

  • تشكيل فرق من المعلمين والمعلمات بحسب تخصصاتهم داخل كل مجموعة مدارس المنطقة الواحدة، ويشرف على كل فريق موجه تربوي متخصص، وكذلك يتم اختيار منسق الفريق ونائب للمنسق عن طريق الانتخاب سنوياً وبصورة دورية.
  • تشكيل لجنة تنسيق من مجموعة المدارس للمنطقة تضم منسقي الفرق ويشرف على عملها كل من: منسق توجيه الشعبة والمنسق الفني والمنسق الإداري للحلقة في التوجيه التربوي، ويتم ايضاً تشكيل فرق لجنة تنسيق عليا تضم كل منسقي اللجان في كل مجموعات المدارس للمنطقة ويشرف عليها المنسق العام للتوجيه التربوي بالتعليم الابتدائي.
  • حصر الكفايات الأساسية لكل أعضاء الهيئة الإدارية والتعليمية في المدارس مع الاحتياجات التدريبية وترجمتها إلى برامج تدريبية في مجال التعلّم السريع وفق تصنيف التدريب الفني والتربوي والتقني والإداري وأيضاً وفق أنواعها: دورات البرامج التأهيلية، دورات البرامج الإثرائية، دورات البرامج الإجرائية دورات البرامج العلاجية، ودورات البرامج التحويلية.
  • إعداد مركز التعلّم السريع في كل مدرسة، خاص لمعلميها يقوم بتقديم مجموعة من الرزم والبرامج التدريبية لمنتسبي المدرسة والمدارس المتعاونة إن أمكن، حيث يعتمد هذا المركز على تحليل الاحتياجات التدريبية لمعلمي المدرسة من الميدان مباشرة وتصميم برامج تدريبية تسهم في رفع كفاءة المعلمين المهنية من جانب وتساعدهم على اجتياز متطلبات توطين التعلّم السريع بالمدرسة، وما لا شك فيه ضرورة قياس الأثر التدريبي لهذه البرامج على منتسبيها بعد الانتهاء من التدريب والبدء بتطبيقها في الميدان التربوي. هذه البرامج مهمة في رفع دافعية المعلمين نحو التدريب والتمهن وستسهم بحراك تدريبي شامل بكل المدارس.

شاهد بالفديو: 10 نصائح حياتية لتنشيط العقل وتقوية الذاكرة

معايير توطين التعلّم السريع:

مصطلح معيار SCORN: مشتق من المصدر (Sharable Content Object Reference Model) وتعني النموذج المرجعي لمشاركة المحتوى والأهداف.

1. معايير المنظومة المدرسية:

ويمكن تركيزها في المعايير الخاصة بالمنهج الدراسي الذي بشكّل التحدي الأكبر لمشروع توطين التعلّم السريع بالمدارس، إذ أن المنهج المدرسي يتشكل من مجموعة عناصر متداخلة ضمن منظومة المدرسة. والشكل التالي يوضح لنا عناصر المنهج المدرسي كما يراها مربون من مصممي مناهج التعليم في العالم التربوي:

الأسئلة

مكونات المنهج الدراسي

من يدرّس

 المعلم (كفاياته العلمية، المهنية، الاجتماعية، النفسية)

لماذا ندرس

الأهداف (العامة، الخاصة، الأغراض)

ماذا ندرس

المحتوى (كتب، مادة تعليمية)

كيف ندرس

الطرائق (فعاليات، تواصل، أنشطة التعليم والتعلّم)

بماذا ندرس

التقنيات (وسائل، أجهزة، خامات)

ماهو المردود

التقويم (قبلي، مرحلي، تكويني، نهائي)

أين ندرّس

المبنى المدرسي (تصميمه التربوي، مرافقه، موقعه)

ومن هنا يمكن أن نستنتج المعايير الخاصة بتوطين التعلّم السريع:

  • الأهداف التربوية.
  • المحتوى التعليمي.
  • التقويم.
  • المعلم.
  • أنشطة التعليم والتعلّم.
  • العمل المختبري.
  • المبنى المدرسي.

2. معيار التعلّم السريع:

مشتق من التوجه العالمي لنظام تطبيق التعلّم السريع في المؤسسات التعليمية والتدريبية العالمية، وهي مراكز التعلّم السريع في الولايات المتحدة الأمريكية (مركز ديف ماير للتعلم السريع Dave Meyer Center Accelerated Learning & الإتحاد العالمي للتعلم السريع International Alliance for Learning) بالإضافة إلى مركز التعلم السريع في دبي/ الإمارات العربية المتحدة Dubai Accelerated Learning Center.

يصف هذا المعيار، المبدأ الأساسي في التعلُّم السريع هو "افعل ما يؤدي المهمة، واستمر في البحث عما يؤديها بشكل أفضل."  فالتعلم السريع ليس مرتبطا بتقنيات أو أساليب أو وسائل معينة، يمكن للتعلم السريع أن يعمل بدون هذه الأمور تماماً، أو أن يستثمر بعضاً منها أو جميعها دفعة واحدة. إن المعيار الوحيد هو ما يمكن أن يؤديه استعمالها من نتائج. ولا يؤسِّس التعلُّم السريع أساليباً من الإسمنت، بل يترك المجال واسعاً للمرونة وفقا للمؤسسة التي يتم التدريب فيها، والمادة التي يتم تدريبها، والمتدربين أنفسهم. نحن نؤمن بما قاله الكاتب في مجال التدريب جاك بارزن: " ليس التعليم تطبيقاً لنظام ما، إنه عملية الاجتهاد الدائم." ففي نهاية المطاف، ليس الأسلوب ما يهم، بل النتيجة (ماير، التعلّم السريع، ص18).

إن التعلُّم السريع هو بالدرجة الأولى النتيجة التي يتم الوصول إليها، وليس الوسيلة المستخدمة. إن هذا الربط بين التعلُّم السريع والنتائج هو مسألة جوهرية، حيث أن أية وسيلة، من موسيقى أو أنشطة أو فيديو أو أي شيء آخر،  طالما أنها تؤدي إلى نتائج إيجابية في إنتاج تعلّم أسرع وأكثر فعاليَّة، هي من وسائل التعلُّم السريع. وفي المقابل فإن أية وسيلة لا تحقِّق ذلك هي بعيدة كل البعد عن التعلُّم السريع، مهما كانت مبدعة أو مبتكرة أو جذَّابة. إذا، إذا أردت أن تمارس التعلُّم السريع، لا تربط نفسك بأي من الوسائل أو التقنيات، فقط أبق عينك مفتوحة على النتائج. (ماير، ص32).

إقرأ أيضاً: 5 نصائح لاستعادة النشاط الذهني عند الطالب

3. معيار المرحلة التعليمية:

وهو المعيار الصادر عن (وزارة التربية والتعليم، معايير التعليم، مرحلة التعليم الأساسي)، وهذا المعيار تشتق منه عدة معايير تحدد الغايات & الأهداف العامة للمرحلة & الأهداف التعليمية لكل مادة تعليمية، والتي تهدف الى تمكين واضعي المنهج الدراسي من تصميم المناهج وفق مجالات التعلّم الخاصة بكل مرحلة تعليمية وتمكين المؤسسة المدرسية من تصميم البرامج التعليمية (التدريبية، التقويمية) المناسبة.




مقالات مرتبطة