التواصل في أرقى مستوياته

حين نقرأ في السيرة النبوية يشعر الإنسان أنها بحر من الدروس والعبر لو تأملنا فيها واتبعنا خطواتها لوفرنا كثيرا من الطاقة والوقت ...الشيء الذي قليلا ما نقوم به وبالتالي نظل كالإنسان الذي يحوم حول نفسه وحول" علوم" نأخذ وقتا وجهدا في تمحيص نتائجها على مجتمعنا العربي والمسلم... ونمر بالتالي بجانب ثروات نحن نملكها ولا نأبه ولا ننتبه لها.  تعالوا نتأمل سوية في هذه القصة الرائعة بين الرسول الكريم (ص)وأحد النساء ، قصة تحمل في طياتها  أبعاد تواصل في أرقى مستوياته:



أخرج الطبراني عن أبي أمامة قال:

كانت امرأة ترافث الرجال ( أي تكلمهم كلاما بذيئا ) وكانت بذيئة فمرت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل ثريدا على طربال

فقالت : انظروا إليه يجلس كما يجلس العبد ويأكل كما يأكل العبد.

فقال النبي : وأي عبد أعبد مني؟

قالت : ويأكل ولا يطعمني.

قال: فكلي.

قالت : ناولني بيدك، فناولها.

فقالت: أطعمني مما في فيك، فأعطاها فأكلت فغلبها الحياء فلم ترافث أحدا حتى ماتت.

إن تأملنا فسنجد:

استراتيجيات تواصل فعال وفي غاية الأهمية استخدمها الرسول الكريم في حواره مع هذه المرأة:

1- الهدوء وتجنب الانفعال الفوري وهذا عامل مهم في التواصل.

2- التركيز على رسالة الآخر..

3- عدم إصدار الأحكام.

4- تقبل رسالة الآخر وإعادة تأطيرها وصياغتها بطريقة حكيمة وتتناسق مع مستوى تفكير المتكلم.

تأملوا معي الجواب : وأي عبد أعبد مني . أعطى تأطيرا آخر لكلامها بدون استفزاز ولا مقاومة ولا آلية دفاع ولا مواجهة...هي تقصد عبد الإنسان وهو عليه أزكى الصلاة والسلام يقصد عبد الله.

5- الجواب دائما يكون في مستوى ما ينتظره المتكلم الذي هو في نفس الوقت وبطريقة غير مباشرة متعلم(قدرة الفهم والاستيعاب عقلا وقلبا )

6- صفة التواضع التي على أي معلم أن يتحلى بها.

قمة التأثير والحث الغير المباشر على التغيير الأفضل بالحلم وتقبل اختلاف الآخر..

تواصل ينساب رقة وعذوبة وحلما وحكمة وتسامحا أمام رسالة امرأة فيها هجوم وتهكم واستفزاز...

تواصل خاطب القلب والعقل فكان حقا فعالا وإيجابيا...

تواصل يبحث عن الجانب الإيجابي في الإنسان ليفعله (هو الأول قبل المرور إلى الشدة)مهما وصل هذا الإنسان في سلبيته.

وهذا هو الذي عهدناه في الخطاب القرآني والخطاب النبوي..

تواصل ناغم بين اللغة اللفظية وغير اللفظية فكان مؤثرا أيما تأثير!!!

تواصل فيه تقبل للنقد من طرف المتعلم إلى المعلم بغض النظر عن مدى صحته وواقعيته.

فأي تواصل وأي تعليم هذا يأخذ بعين الاعتبار مستوى تفكير الشخص المخاطب وشخصيته؟ أي تعليم هذا الذي يتجاوز قدرا كبيرا من الذاتية التي كثيرا ما تطغى علينا في تواصلنا في مدارسنا أو في حياتنا الأسرية أو في حياتنا العامة؟

فلنتعلم من هذه الصفات النبوية ولنرسخها في دواخلنا عساها تنعكس في سلوكياتنا..