تكريم الإسلام للمرأة زوجة (4)

أنتقل إلى مظهر أخر من مظاهر تكريم الإسلام للمرأة زوجة: وهو خدمة المرأة زوجها.. هل فرض الإسلام على المرأة أن تخدم زوجها أم ارتضى ذلك منها تطوعاً تدل به على كرامة أصلها وحسن عشرتها؟



 

يعتبر هذا الموضوع من المواضيع الحساسة التي يكثر الخلاف عليها، حيث أوجب طائفة من السلف والخلف، خدمتها له في مصالح البيت. وقالوا: إنه واجب على المرأة أن تخدم زوجها في كل شيء. وقالت طائفة أخرى، ومنهم مالك والشافعي وأبو حنيفة: أن المرأة ليس عليها وجوباً خدمة زوجها في شيء. وأود قبل ذكر الرأي الذي أميل إليه أن أثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرر مسئولية المرأة عن تدبير شئون البيت. فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا كلكم راع ومسئول عن رعيته.. والمرأة الراعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم.(رواه البخاري). إذن من أين ولم نشأ الاختلاف في وجهات النظر؟


إن مسئولية المرأة تدبير شئون المنزل، أو بتعبير الحديث الشريف: المرأة راعية على بيت بعلها، لا يعني أن تقوم بنفسها بجميع أعمال البيت، من إعداد الططعام إلى غسل الثياب وكيها، إلى تنظيف وترتيب وتجميل البيت، إنما يعني مسئوليتها عن الإشراف على كل ذلك.


أما أن تقوم هي به كله-أو ببعضه- آخرون من خدم أو أبناء وبنات وأقارب، أو يتولى المساعدة الزوج نفسه، فهذا أمر يتوقف على عوامل كثيرة مثل القدرة المالية. ومدى الوقت المتيسر لبذله في أعمال البيت عند كل من: الزوجة، والزوج والأبناء والبنات. كذلك يتوقف على مدى قدرة الزوجة على إنجاز تلك الأعمال دون إرهاق، ودون تعطيل لواجبات أخرى مثل: رعاية الأطفال وتربيتهم، وغير ذلك من واجبات.

إن هذا الرأي هو ما قاله الإمام النووي، إذ قال: هذا كله من المعروف والمروءات التي أطبق الناس عليها، وهو أن المرأة تخدم زوجها بهذه الأمور المذكورة ونحوها: الخبز والطبخ وغسل الثياب وغير ذلك، وكله تبرع من المرأة وإحسان منها إلى زوجها، وحسن معاشرة وفعل معروف، ولا يجب عليها شيء من ذلك، بل لو امتنعت من جميع هذا لم تأثم. (صحيح مسلم وشرح النووي) (جـ14 صـ164).

إنني لا أريد إثارة الزوابع لمجرد إثارتها، إنما أريد إنصاف الإسلام والوقوف على سماحته، ومدى احترامه للمرأة وتكريمه إياها. إن الإسلام لم يلزم الزوجة شرعاً بالقيام بخدمة زوجها بنفسها، إنما جعل ذلك منها تطوعاً تشكر عليه. أرجو من الزوجة المسلمة - التي حسن الظن بها ثابت - ألا تجعل هذا الرأي مدعاة للكسل والإهمال أو سبباً للمشاكل، أرجو من الزوج المسلم أن يتعاون مع زوجته من أجل كمال أداء مسئولية تدبير شئون اليبت، استناداً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان في خدمة أهله.

 

فعن الأسود، قال: سألت عائشة: ماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله. تعني خدمة أهله - فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة (رواه البخاري). (وفي رواية عند أحمد: أن عائشة سئلت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته؟ قالت: كان بشراً من البشر، يخيط ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه) (وفي رواية أخرى: كان يخيط ثوبه ويخصف نعله (يخيط نعله) ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم).

 

لقد توارثنا مع الأسف – أن من المعيب أن يشارك الرجل في أعمال البيت، وأن مثل هذا يعد عاراً ينتقص من قدره، وعلى ما أعتقد يكفي في تصحيح هذا التصور الخاطئ والمنحرف عن هدي الإسلام، وسننه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إننا نريد أن نكون من نحول أحكام الإسلام الثابتة في المتب والتي كرم منها المرأة زوجة إلى الواقع الذي نحياه.. إننا لا نريدأن نكون من الذين يسمعون كثيراً، ويقرأون كثيراً ثم يذهلون عما سمعوه وقرأوه...


إن تكريم الإسلام للمرأة زوجة لن تذاق حلاوته إلا بزوج مسلم، وقاف عند حدود الله، لا يتخذ آيات الله هزواً، يسمع فينفذ، ويحتكم إلى الله ورسوله لا ليأنس بالحكم، وتزداد ثقافته أو معلوماتهالإسلامية، إنما لينزل على حكم الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم.


فهذا هو دأب المؤمنين الذين قال الله فيهم في سورة النور الآيتين (51،52) ومن الذين نرجو أن نكون منهم: “إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون* ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون".

 

الأستاذ/ عمرو خالد في مجلة اليقظة بتاريخ 7/1/2004