تعريف عام بمتعـلقات التدخين

لقد أضحى تدخين التبغ بأنواعه من سجائر وشيشة وغيره من العادات المتعارف عليها والمتقبلة من قبل المجتمعات المختلفة، وذلك نظرا لتقادم العهد بهذه العادة التي لم يتم اكتشاف ما لها من أضرار على متعاطيها إلا في السنوات الخمسين الأخيرة فقط، علما بأن تعاطيها قد عرف لدى الإنسان من مئات السنين. ولهذا صار ينظر لها كعادة لا تستهجن، بينما هي في حقيقة الأمر آفة ينبغي استهجانها والتخلص منها. فإدمان التبغ كما أصبح معلوما اليوم لا يقل خطورة أو ضررا عن إدمان الحشيش والمخدرات بأنواعها، لا بل قد يكون إدمان السجائر هو الطريق المؤدي في النهاية إلى إدمان الخمور والمخدرات.



بما أن العلاقة الحميمة والوثيقة بين التدخين والمرض أو حتى الموت أصبحت من المعلوم الثابت في هذا الوقت بالذات، فقد أصبح من الواجب دينيا وأخلاقيا على كل من عرف هذه الحقيقة أن يوصلها بدوره الى كل من يعرف أو يصادف من المدخنين حتى يعذر أمام الله عز وجل. وهذا بدوره ما يزيد الضغط على كل مدخن وصلت إليه هذه الحقيقة الى أن يفكر جديا في الإقلاع التام عن التدخين، حماية لنفسه وللآخرين من حوله.
يختلف رد فعل المدخنين عند العزم على الإقلاع عن التدخين، فالبعض لا يجد صعوبة تذكر فيبدأ بالإقلاع مباشرة عندما يعزم على ذلك جادا. بينما آخرون يجدون تحقيق ذلك من الصعوبة بمكان، فتجدهم يحاولون ويفشلون مرات عديدة وقد يصابون باليأس والإحباط ويستسلمون في النهاية لآفة التدخين. وهنا يكتشف هؤلاء أنهم قد أصبحوا ضحايا لإدمان السجائر والتبغ. بالضبط كما يقع آخرون ضحايا إدمان المخدرات التي لا يستطيعون لها انفكاكا. وهذا لا يتعارض مع الحقيقة العلمية، فإدمان النيكوتين أصبح من الأمور الثابتة علميا ولا شك فيها. كما أنه ثبت من خلال الدراسات أن الإقلاع الشخصي عن التدخين بالاعتماد على العزيمة الذاتية وحدها قد لا ينجح إلا بنسبة ضئيلة جدا تقدرها الدراسات بنحو 3% فقط.
ماهية دخان التبغ:
يتكون دخان التبغ من مواد كثيرة جدا. وتختلف نسب هذه المواد في تركيبة السجائر أو الشيش المختلفة، ولكنها كلها تحتوي على نسب عالية وضارة من هذه المواد. ويحصي البعض هذه المواد بمقدار 4000 إلى 6000 مادة كيميائية، منها الطبيعي في ذات التبغ ومنها المضاف صناعيا من قبل صانعي الدخان من مواد منكهة أو صيغية أو غيرها لا تخلو هي الأخرى من سموم وأضرار. من هذه المواد السامة مثلا، الأمونيا، والزرنيخ ( مادة سامة تدخل في صناعة المبيدات الحشرية)، والبنزين، ومركبات السيانيد السامة، والرصاص، والزئبق، وغيرها كثير. ولكن الذي يهمنا في هذه العجالة التعريف بأهم المواد الكيميائية الرئيسية الضارة والتي لا تخلو منها أي من منتجات التبغ المختلفة.
أولا – أول أكسيد الكربون: وهو مادة غازية تنبعث مع دخان السجائر أو عادم السيارات وهي مادة الإحتراق الأولية. يقوم هذا الغاز على إضعاف قدرة الخلايا الحمراء في الدم على حمل الأكسجين وتوصيله الى خلايا الجسم المختلفة والتي لا تعيش إلا به. حيث يحل غاز أول أكسيد الكربون محل الأكسجين في خلايا الدم الحمراء وذلك بعد طرد الأكسجين منها. حيث أن قدرة دخول هذا الغاز الى داخل الخلايا الحمراء تفوق قدرة الأكسجين على ذلك بنحو 200 مرة. هذا علاوة على أن غاز أول أكسيد الكربون يتسبب في تلف جدران أوعية الدم، وخصوصا الشرايين.
ثانيا – القطران ( القار): القطران عبارة عن مجموعة كبيرة من المواد الكيميائية المخلوطة مع بعضها بحيث تشكل في مجموعها المادة الجيلاتينية اللزجة والتي يغلب عليها السواد. وقد يقرب عدد المواد الكيميائية المكونة للقطران نحو المئة أو أكثر, على الأقل 60 مادة منها من المواد المسببة للسرطان كالزرنيخ, والكروم, والكادميوم, والفورمالديهايد. هذه المادة القاتلة مسؤلة عن معظم الأضرار الناجمة عن التدخين. فهي من مسببات سرطان الرئة وسرطان الحلق والأحبال الصوتية عند المدخنين, ومادة القطران تسبب الشلل التام للشعيرات الصغيرة المبطنة للشعب الهوائية، والتي تؤدي وظيفة التنظيف المستمر للشعب الهوائية مما قد يترسب فيها من مواد وعوالق من جراء دخول الهواء والأغبرة الى الرئتين. و يتسبب هذا في بقاء هذه العوالق مترسبة داخل الشعب الهوائية مما يعرض الرئتين للإصابة بالالتهابات والتدرن باستمرار. كذلك فإن مادة القطران نفسها تترسب داخل الرئتين والحويصلات الهوائية, ويؤدي ذلك الى تهيج الحويصلات الهوائية والأغشية الرئوية المجاورة لها, مما يتسبب في الإضعاف من قدرة الحويصلات الهوائية على أداء وظيفتها الأساسية وهي إمتصاص واستخراج الأكسجين من الهواء داخل الرئتين. كما تتسبب مادة القطران في إضعاف جهاز المناعة عند المدخن، مما يكون له أسوأ الأثر في إمكانية مكافحة الأمراض.
ثالثا – النيكوتين: من المواد ذات الشهرة العالية في الدخان. أكبر تأثيراتها تكون على القلب والشرايين. فمادة النيكوتين تسبب تسارع في ضربات القلب،( وبالتالي زيادة حاجة القلب للأكسجين)، وارتفاع في ضغط الدم، نتيجة لتسبب النيكوتين في تقلص الأوعية الدموية وبالأخص الشرايين. وهذا الأمر يؤدي بالتالي الى اجهاد القلب أكثر, حيث يحتاج القلب الى المزيد من الجهد لضخ الدم من خلال الأوعية الضيقة نتيجة لتقلصها بسبب تعرضها للنيكوتين. ويؤدي النيكوتين في دخان التبغ الى زيادة قدرة الصفائح الدموية على التجمع والإلتصاق والتخثر، وهذا أمر له خطورته لأن هذا الأمر يساعد على سرعة وسهولة تجلط الدم، وقد تحدث التجلطات نتيجة لذلك في الساقين والقدمين, أو في شرايين القلب التاجية, أو حتى في المخ. وعند النساء المدخنات يؤدي النيكوتين الى إضعاف قدرة جسم المرأة على تصنيع وإفراز هرمون الإستروجين، مما يسبب إضطراب ثم توقف الدورة الشهرية مبكرا, والوصول المبكر لسن اليأس.
مفهوم الإنسحاب أو الحنين:
إن تعرض الجسم لهذا العدد الهائل من المواد المختلفة في دخان التبغ ولمدة طويلة من الزمن يجعل الجسم غير قادر على الإستغناء عن أي من هذه المواد المكونة لدخان التبغ. فقد تعود الجسم على وجود مكونات دخان التبغ في الدم باستمرار، فمتى ما انقطع المدخن عن التدخين فإنه تبدأ نسب وجود هذه المواد في الدم بالتناقص تدريجيا الى أن تصل الى حد معين تبدأ جميع أعضاء الجسم (وبالذات المخ) حينها بطلب هذه المواد التي تعودت دائما على وجودها في الدم. وعند إفتقار الجسم إليها نتيجة الإنقطاع عن التدخين فإنه تبدأ حينها ظهور ما يسمى بأعراض الإنسحاب أو الحنين. ومن بين المواد المختلفة المكونة لدخان التبغ تصدق هذه الظاهرة أكثر على مادة النيكوتين، فهي المسبب الرئيس للإدمان وبالتالي لأعراض الإنسحاب أو الحنين. من هذه الأعراض:
1.       لرغبة الشديدة والملحة لتعاطي التبغ (الشوق للتدخين).
2.       الصداع، والدوار، والغثيان.الشعور بحرقة في اللسان.
3.       إضطراب المعدة والأمعاء، والإصابة بالإمساك.
4.       حدوث تقرحات بالفم.
5.       التوتر العصبي الشديد.
6.       عدم القدرة على التركيز.
الاكتئاب:
الإصابة بالأرق وعدم القدرة على النوم.
وتبلغ حدة هذه الأعراض ذروتها في الأيام والأسابيع الأولى بعد الإنقطاع عن التدخين. وهذا ما يفسر القول بأن تعاطي التبغ يسبب الإدمان.
مفهوم الإحتمال (أو التحمل):
وهذه ظاهرة أخرى تلاحظ عند متعاطي دخان التبغ. فحينما يبدأ المدخن بالتدخين في أول أمره قد يبدأ باستهلاك خمس أو عشر سجائر يوميا، ثم لا يلبث مع الوقت حتى يزيد من كمية السجائر التي يتعاطاها في اليوم الواحد فتزيد الى عشرين أو حتى أربعين سيجارة يوميا وقد تزيد. فما هو السر خلف هذه الظاهرة؟. يبدأ الجسم عند متعاطي دخان التبغ بالشعور بالراحة والإكتفاء في البداية عند تدخين ولو عدد قليل من السجائر. وذلك نتيجة لوصول مادة النيكوتين الى حد معين في الدم تكفي مبدئيا لإشعار الجسم بالقدر المطلوب من الراحة نتيجة التدخين. ولكن مع مضي الوقت والزمن فإن هذه الكمية من الدخان ( النيكوتين) تصبح غير قادرة على إعطاء نفس القدر من الراحة التي كانت توفرها للجسم بداية، فيبدأ المدخن تلقائيا بزيادة عدد السجائر التي يتعاطاها في اليوم الواحد حتى يصل الى القدر من الراحة المطلوب، وذلك بالحفاظ على مستوى معين من النيكوتين في الدم. وقد يلجأ بعض المدخنين للحفاظ على مستوى معين من النيكوتين في الدم بشفط أو إستنشاق السيجارة الواحدة بشكل أعمق، أو استبدال نوع السيجارة بأخرى تحتوي على تركيز أكبر من النيكوتين، كل ذلك للحصول على القدر المطلوب من النيكوتين في الدم بحيث يصل بالجسم الى مستوى الراحة المطلوب. وهذه الظاهرة وتسمى ظاهرة الاحتمال (أو التحمل) هي الأخرى تسهم في تفسير عملية الإدمان عند متعاطي دخان التبغ.
عادات وطقوس عند المدخن:
يجد المدخنون عناء وصعوبة في تغيير نمط التدخين اليومي، فالكثير من المدخنين يحرصون كل الحرص على تعاطي وتدخين السجائر في أوقات معينة كل يوم, ولا يستطيعون الحيدة عن أو تغيير هذا النظام اليومي المتبع وكأنها طقوس دينية لابد من القيام بها. مثلا لا يترك بعض المدخنين التدخين في الأوقات التالية:
1.       عند الاستيقاظ من النوم (حيث يكون النيكوتين في الدم في أدنى مستوياته).
2.       عند الوصول إلى مكان العمل.
3.       في أوقات الفرص والراحة أثناء العمل.
4.       بعد الوجبات الغذائية.
5.       بعد الجماع.
هذه الأنماط من التصرفات تنبئ هي الأخرى عن وجود عامل الإدمان على دخان التبغ وبالذات النيكوتين.
 
 المصدر: بيوتنا كنانة أونلاين