تعرّف على أهم 5 حكم عطائية

شغلت الحكم العطائية منذ بداية كتابتها على يد ابن عطاء الله السكندري اهتمام علماء الدين وإلى الآن لا تزال تحظى على اهتمام الباحثين ومريدي الطريقة الصوفية لما احتوت على أفكار نبيلة وسامية، ‏وتوجيهات مفيدة، وحكم بليغة، ونصائح لا تقدر بثمن، ففي الحقيقة اقتصرت هذه الحكم على قوانين الفكر الصوفي وقوانين التجربة الروحية، ونظراً لأهمية هذه الحكم سنتعرف فيما يلي بشكل تفصيلي على أهم أحكامها.



الحكمة الأولى: من علامة الاعتماد على العمل، نقصان الرجاء عند وجود الزلل

  • يقول ابن عطاء الله: "إياك أن تعتمد في رضا الله عنك و في الجزاء الذي وعدك على عمل قد فعلته، بل اعتمد على لطف الله و فضله و كرمه"
  • أسوأ شيء يمكن أن تفكر به أن ثمن العبادات التي تؤديها الجنة لا يجوز التعامل مع الله على هذا المبدأ فهو مالك الكون وهو الذي أدخل بقلبك الإيمان حتى تؤدي فروضك الدينية، قال تعالى (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) الحجرات.
  • فالعبادة حق الله على عبيده، والجنة منحة وعطية منه، قال تعالى (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) الأعراف.
  • إنّ المغزى العام منها ألا تعتمد على العمل حينما توفق إليه وألّا يقل الرجاء عند التقصير، ففي كلتي الحالتين نتطلع إلى جود الله وكرمه بقدر ما نخاف من مقته وعقابه، و من ثم ينبغي أن يكون شعوران يتجاذبان أبداً، شعور الأمل في فضل الله وعفوه وهو الرجاء وشعور الخجل والخوف من غضبه.
إقرأ أيضاً: 8 حكم عطائية للفقيه ابن عطاء الله السكندري

الحكمة الثانية: إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب من الشهوة الخفية، وإرادتك الأسباب مع إقامة الله إياك في التجريد انحطاط عن الهمة العلية

تدور على شيئين: الأسباب والتجريد

1- حالة الأسباب: فيجد الإنسان نفسه متقلباً في سلطان الأسباب لا مناص له من التعامل مع أسباب يتعامل معها ويتحرك فيها.

2- حالة التجريد: أي أن الإنسان يجد نفسه معزولاً عن سلطة الأسباب، فتكون بعيدة منه وعن المناخ الذي أقامه الله فيه.

و من ثم فالإنسان يجب أن يتعرف على حالته، ويتعامل معها، فلا يعمل هواه!

ولكي نفهم هذه الحكمة سنورد فيما يلي بعض الأمثلة:

و لنأخذ أمثلة لفهم الحكمة:

1- رب أسرة: فهو في حالة الأسباب، و هي البحث عن الرزق لأولاده، فإن قال أنا لي اليقين في قوله تعالى (فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ) العنكبوت، إن الأسباب المادية هي من الله لكن التوقف عن الصلاة والتسبيح وعدم البحث عن الرزق فذاك من الشهوة الخفية الغير معلنة، وهو في ذلك يتعامل مع الأسباب لا مع المسبب، وذلك من سوء الأدب مع الله عز و جل! فالعمل الصالح لا يقتصر على العبادة، فمثل حال رب الأسرة، التبسم في وجه زوجته وأولاده، وتربيتهم والبحث عن الرزق من أجلهم هو من العبادة إن استقامت النية و أريد بها وجه الله.

2- طالب علم: فهو في عالم التجريد، فالله قد أقام له من تكلف برزقه، فإن كان يركن إلى الدعة والكسل ويشرب ويأكل وينام فهو يعيش عيشة البهائم، وإن كان القصد دراسة دين الله وخدمة شرائعه، فهذا نهج سليم وعلامة النفوس العلية والهمم السامية.

إقرأ أيضاً: تفسير وشرح الحكم العطائيّة (الجزء الأول)

الحكمة الثالثة:  سوابق الهمم لا تخرق أسوار الأقدار

  • الهمم هي العزائم التي يمتع الله بها في مجال الإقبال على شؤونهم الحياتية، ومهما اشتدت و قويت هذه العزائم فإنها لا تخرق أسوار الأقدار.
  • إن القضاء والقدر يخضعان لله وحده و هذه الحكمة تجيب على من يعكف على سبب من أسباب الرزق في عمل غير مشروع، ويحتج أن الله أقامه في عالم الأسباب وأن عليه السعي للبحث عن الرزق، فتأتي هذه الحكمة لتقول لهذا الشخص أن رزقه كثيراً كان أم قليلاً فإنه مكتوب في علم الله، قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) الذاريات وفي آية أخرى (فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ) العنكبوت وهنا قد يسأل سائل: إن كان الرزق مسطراً في علم الله فلماذا السعي وراءه إذن و لماذا نتعامل مع الأسباب؟

و الجواب لأن الله عز و جل أقامنا في خضم الأسباب و أمرنا بالتعامل معها مع اليقين أن الفاعلية (النتيجة) هي تبع لإرادة الله و حكمه، و كل القوانين و الأنظمة الكونية إنما هي من تدبير الله عز و جل كما ورد في قول الله تعالى ( اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) البقرة فهذه الآية تبين أن الأسباب إنما تستمد فاعليتها و نتيجتها من الله عز و جل.

إقرأ أيضاً: ابن عطاء الله السكندري والحكم العطائية

الحكمة الرابعة: أرح نفسك من التدبير، فما قام به غيرك عنك لا تقم به لنفسك

  • إن نحن أٌقمنا في عالم الأسباب، فإن هذه الحكمة توحي في البدء أنها تدعو إلى عكس ذلك حيث تدعو إلى إراحة النفس من هم التدبير.
  • في الحقيقة إن التعامل مع الأسباب هو جهد عضلي مادي يبذله المتعامل معها، و التدبير هو عمل فكري و قرار عقلي و معناه أن الإنسان يتعامل مع الأسباب بالخطط و النتائج و العمليات الحسابية، وأن عقله هو مفتاح النجاح.
  • إذا نظرنا إلى قصة رسول الله محمد صلى الله عليه و سلم في الهجرة النبوية و قد أعد كل الأسباب المادية لنجاح هجرته (خرج متخفيا، وأمر علياً كرم الله وجهه أن يبيت في فراشه، وسلك طريقاً مخالفاً، وأمر راعي أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن يسير بغنمه كي تمحو الآثار، و اختار دليلاً خبيراً) ثم كان هناك تدبير الله عز وجل لما وصل المشركون إلى غار ثور وحينها همس النبي صلى الله عليه و سلم إلى صاحبه "ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟، و كذا لما أدركهما سراقة، فحماه الله منه، و انغرست حوافر الخيل في رمال الصحراء.
  • فالنبي صلى الله عليه و سلم مارس الأسباب و تعامل خضوعاً لأمر الله و انسجاماً مع النظام الكوني الذي أقامه الله عز و جل، ثم نسي الأسباب و قيمنها، و ربط النتائج في يقينه الاعتقادي بحكم الله و لطفه مع ثقته التامة بحكمته و رحمته و توفيقه.

الحكمة الخامسة :اجتهادك فيما ضُمن لك، و تقصيرك فيما طُلب منك، دليل على انطماس البصيرة منك

  • يقول ابن عطاء الله السكندري أنه إذا انصرف الإنسان إلى إرهاق نفسه فيما ضمن الله له من رزق فذاك يدل على عدم الثقة بوعد الله،  قال الله سبحانه وتعالى (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) سورة طه.
  • و الإنسان ليس استثناء من هذه القاعدة، لكن الفرق بينه و بين سائر المخلوقات أنها تمارس وظيفتها بالقهر والاضطرار و الغريزة، أما هو حر ذو إرادة، لكنه قد يستعمل حريته للتمرّد على الله عز وجلّ، وعلى الوظيفة التي أقامه الله فيها، فيشرد عنها ولا يقوم بها.
  • ماهي الوظيفة التي أقام الله فيها الإنسان؟ الجواب هو عمارة الأرض التي أحياه الله فيها على النحو الذي بينه الله له، و ذلك بتحقيق شيئين اثنين:
  1. ممارسة العبودية لله.
  2. عمارة الأرض على وجه سليم بإسعاد الناس.

شاهد: أهم 8 حكم عطائية

ما عاقبة تخلي المسلمين عن وظيفتهم؟

النتيجة بكل بساطة، ذل وهوان... هكذا نطقها عمر رضي الله عنه: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما طلبنا العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله". فالرعيل الأول حين صدق الله و قام بوظيفته على أحسن حال، أنجز الله وعده و نصرهم على قوتين كبيرتين آنذاك عما الروم و الفرس. حيث أراد أن يقول عمر أن المسلمين و إن كانوا مفتقرين إلى أدنى مقومات النصر المادية، فإن الوعد الإلهي أُنجز لأنهم صدقوا الله و قاموا بوظيفتهم على أكمل وجه.  

إلى هنا نتوصل عزيزي لنهاية المقال أتمنى أن تكون قد استفدت بما قدمناه لك من معلومات، ولا تنسى أن تستفيد من هذه الحكم في حياتك اليومية حتى تكسب رضا الله ومغفرته.




مقالات مرتبطة