تربية طفل هادئ في عالم مضطرب-ديفيد ريان ماركس

عنوان الكتاب:تربية طفل هادئ في عالم مضطرب
المؤلف: ديفيد ريان ماركس
الناشر: مكتبة جرير ـ الرياض

من عناصر تميز هذا الكتاب عن قائمة الكتب المشابهة له عرضًا ومحتوى استخدام المؤلف في ثنايا أجزائه الثلاثة للدليل العلمي من نتائج الأبحاث والملاحظات المستقاة من الممارسة الطبية، وسرده بعض القصص الواقعية التي واجهته، أو واجهت من عرفهم، أو قرأ أو سمع عنهم من الآباء والمعلمين. هذه المزاوجة خرجت بالكتاب من التنظير العلمي إلى متعة تنأى بصفحاته عن الرتابة، وقدمته كوصفة متعددة الفوائد (طبية ونفسية واجتماعية). ولعل مرد ذلك إلى تعدد مجالات واهتمامات المؤلف، فهو طبيب باطني درس الإدارة العامة، وامتهن الصحافة!!



اختار المؤلف حادث 11 سبتمبر 2001م كحقيقة كارثية اخترقت الجدران التي أقامها أولياء الأمور (خصوصًا في أمريكا) حول أطفالهم بغرض التدليل على حقيقة الضغوط التي يتعرض لها الصغار، وتأكيد أن هذا الحدث خلف وراءه ضحايا آخرين زحف إليهم الشعور بعدم الأمن والخطر فجاءت استجابتهم الفطرية البديهية منطقية نتيجة لإحساسهم بما يعاني البالغون حولهم قلقًا واضطرابًا. ويصف المؤلف تعاطي الأطفال مع مثل هذه الأحداث في كونهم يختلفون عن البالغين بحاجتهم إلى مزيد من الوقت كي يعبروا جراءها عما بداخلهم. ويمثل هذا التعبير جزءًا من العملية الترويحية التي تلي الحادث المؤلم. ولن يستطيع الآباء ـ مهما حاولوا ـ من منع اكتشاف أطفالهم لما يجري حولهم. لذا فالحل يكمن في التمهيد الجيد لإخبارهم بهذه الحقائق، وبوجودها في المحيط بشرط أن يكون الأطفال على درجة كافية من النضج للاستيعاب.

وفي حال ظهور بعض مظاهر القلق فإنها تعالج ببعض الخطوات كالالتزام بالروتين والتبرعات لأسر الضحايا، وإيجاد الوسائل التي تشعر الأطفال بمدى حب الآباء لهم.ينتقل المؤلف من هذا المدخل ليصف الضغط الواقع على الأطفال (بصيغته الأمريكية) بشكل أوسع، مبينًا أن المشكلات التي تواجه أطفال اليوم قد تخطت خطورتها الأخطار التي واجهها (المؤلف) وجيله. فبالإضافة إلى المشكلات التقليدية مثل: الهرمونات، ومشكلات البلوغ والأسرة، فإن هناك مشكلات حالية أشد خطورة مثل الإيدز والمخدرات والعنف.ويحمّل المؤلف الأغاني، والموسيقا، والخمور، وإعلانات السجائر، وأغلفة المجلات، وأدوات تجميل الفتيات الصغيرات، وخطوط الموضة مسؤولية تحطيم براءة الأطفال، ودفعهم بشتى الطرق تجاه النمو بصورة أسرع من الوضع الطبيعي. ومن جهة أخرى فإن حس الإعلام الضخم يقدم صورًا مثالية للراشدين تحث الأطفال بأن يصبحوا أكبر سنًا وأكثر نحافة وشهرة وإغراء، وهذا النوع من الثقافة (السائدة) يولد لدى الأطفال الرغبة في السعي وراء المستحيل!!

العالم الداخلي

 تحت هذا العنوان يستهل المؤلف الجزء الثاني من الكتاب، مشيرًا بأصبع الاتهام إلى الأسرة بأنها أهم مصدر للضغوط على الأطفال بما تتبناه من تعريفات ومفاهيم لمعنى النجاح ألغت الخط الفاصل بين الطفولة والنضج، حيث انحصرت أهداف الحياة لديها في الثروة والنفوذ والشهرة وشغل الوظائف المرموقة. وربما لا تكون هذه الأهداف هي الأكثر أهمية أصلاً، إلا أن كثيرًا من الناس قد دفنوا الأهداف الحقيقية مثل السعادة والثقة بالنفس والصحة العاطفية تحت وطأة الأنشطة لإنتاج أطفال خارقين!! ويعزو المؤلف هذا التوجه لدى الآباء إلى رغبتهم في تحقيق غايات مترسبة منذ طفولتهم، أو إلى تطلعات مغروسة فيهم، ما يجعل من الأبناء نماذج مصغرة لهم.وغالبًا ما يظهر على الأطفال علامات معينة في حالة شعورهم بالإحباط، أو حينما يتعرضون لخطر الإجهاد الشديد. بعض هذه الإشارات يراه المؤلف واضحًا، ولا سيما مع براعة الأطفال في إظهارها، والتي تقل عنها قدرة الآباء على ملاحظتها، في تجاهلها أو في إيجاد تفسيرات منطقية لها. ومن الطرق التي يقرها المؤلف لاكتشاف مؤشرات الضغوط: الحوار، والملاحظة، والتفسير، والتفاوض. ويؤكد الخبراء في هذا الصدد أن الفئة العمرية غالبًا ما تكون هي المحكّم الأول لمثل هذه المؤشرات.

ولأن تكديس جداول الأطفال قد يكون خطرًا على نموهم الطبيعي فإن المؤلف ينادي بضرورة إطلاق الأطفال للعب واستكشاف العالم المحيط بهم، لما للعب من دعم لقدراتهم على الإبداع والتواصل وحل المشكلات. فهناك العديد من الأطفال المثقلين بالأنشطة التعليمية يعانون «قلة الحيلة المكتسبة» ولا يمكن إخراجهم إلا بعد التفلت من دوامة الحياة السريعة.ويعد التشجيع من الممارسات الثقافية الشائعة التي يقوم الآباء بها لإخراج أفضل ما لدى أطفالهم، لكن بعض الآباء لا يفرق بين تشجيع الأبناء الهادئ، ودفعهم إلى هاوية الآمال المستحيلة!! ويرتبط بهذا المعنى (التشجيع) بث روح منافسة الأقران، وإلحاق الأبناء في المدارس مبكرًا لضمان استمرارية نجاحهم. الأمر الذي يدل على خلل في فهم العملية التعليمية فهي ليست سباقًا تبدأ من نقطة انطلاق محدودة وتنتهي عند خط نهاية. فالأطفال سيصلون إلى غاياتهم عاجلاً أو آجلاً، حيث إن قدراتهم تنمو وتتطور بسرعات مختلفة. وعلى هذا يجب تأكيد ضرورة أن تتلاءم مهام الطفل مع مرحلته العمرية، حتى لا يتحول التعليم إلى مصدر للقلق والإزعاج.إن أقصى ما يمكن للآباء أن يفعلوه خلال سنوات الحضانة هو أن يكتشفوا إمكانات أطفالهم الفعلية ليتمكنوا من إمدادهم بتحديات مناسبة، وأن يغرسوا فيهم حب التعلم خلال سنوات دراستهم. فالآباء حين يقرؤون الكتب والصحف ويتابعون الأخبار، ويناقشون الموضوعات والأحداث الجارية، فإنهم بذلك يظهرون لأبنائهم اهتمامهم بمعرفة ما يجري من حولهم، وينبه الكاتب إلى عدد من لوازم العملية التعليمية التي تثقل كاهل الأطفال كالواجبات المدرسية فيرى ضرورة أن تكون الواجبات المدرسية في حدود المنطق. ومما يثبته الواقع الملاحظ أن مستوى الأطفال لم يتحسن على الرغم من أدائهم لكمية هائلة منها!! والمنح الدراسية التي تزيد من قوة الضغط على الأطفال، وبالمقابل فإن الاستمتاع بممارسة الرياضة يمكن أن يعلم الأطفال دروسًا مهمة ومفيدة عن المنافسة والفوز والخسارة.

تهيئة جو من الاستقرار في عالم غير مستقرمن الممكن أن يكون التوتر مدمرًا لنا ولأطفالنا، ولكننا في الوقت نفسه لا نرغب في الحياة دون التعرض له، فقليل منه ضروري، ومطلوب، لأن الحياة دون القليل من التوتر ستبعث على الملل والرتابة والسطحية. وسنفتقر إلى التغيير والإثارة ومتعة مواجهة التحديات.ومن الحقائق الشائعة والمعروفة أن الآباء لا يستطيعون أن يحولوا دون تعرض أطفالهم لمواقف عصبية طوال حياتهم، لكنهم ـ من وجهة نظر المؤلف ـ يستطيعون تعليمهم كيف يتعاملون مع هذه المواقف ويقهرونها قبل أن تهزمهم وتؤدي بهم إلى الانهيار. إن «المناعة النفسية» تعني أن نعلم الأطفال كيف يتعاملون بإيجابية مع المشكلات الصغيرة والكثيرة التي يواجهونها يوميًا حتى تصبح لديهم قدرة نفسية أكبر على التعامل مع عوامل الضغط الكبيرة بعد ذلك.

ويقدم المؤلف ست تقنيات يمكن للآباء استخدامها للسيطرة على التوتر وهي:

* ترك الأطفال يعبرون عن أنفسهم والبحث عن المدلولات الحقيقية لكلماتهم ورسوماتهم مع إشراكهم فعليًا في التجارب الخاصة.

* قيام الأطفال بأداء التمارين الرياضية (الآيروبيك)، والتي يمكن أن تتحقق في ممارسة بعض الألعاب كالتسلق وركوب الدراجة والتدحرج. ومن فوائد التمارين أنها تجعل الأعصاب تطلق مادة تسمى (أندروفين) في الجسم يعزى إليها تسكين الألم ورفع المعنويات، وتقليل معدل هرمونات الضغط والكورتيزول في مجرى الدم.

* التنفس بطريقة صحيحة، فقد أثبتت البحوث الطبية أن التنفس العميق يساعد على تخفيف بعض أعراض التوتر، وقد استخدم الصينيون طريقة التنفس العميق منذ قرون لتعزيز الصحة البدنية والذهنية.

* التخيل العلاجي، والذي يستثمر خصوبة الخيال لدى الأطفال للسيطرة على التوتر والوصول إلى الاسترخاء.

* التأمل بهدف تبديد طاقة الضغط الذهنية والجسدية الهدامة والتي تتراكم داخل أجسام الأطفال.

* التغذية الاسترجاعية الحيوية وهي تقنية السيطرة على العمليات الجسدية عن طريق معرفة رد الفعل. فبمجرد أن ينقضي أثر الاستجابات الجسدية (الأتوماتيكية) تساعدنا هذه التقنية على السيطرة عليها، بحيث تصبح استجابات إيجابية وذات فائدة للجسم.

ويضيف المؤلف إلى ما سبق نصائح يمكن الاستفادة منها لرفع التوتر والضغوط على الأطفال كترتيب الأولويات والحصول على القدر الكافي من الغذاء والنوم وغيرها.وينبه في خاتمة كتابه إلى أن الأمور الصغيرة كتعبيرات الوجه والإشارات والعبارات تعد رسائل تظهر مضامينها على أحاسيس الأطفال، وربما تبقى معهم طوال حياتهم!!


المعرفة الأرشيفية

تربية الطفل في عالم متوترلا تتحمس أن يكون «خارقاً»اجتهد أن يكون «سعيداً»