تربية أولادنا بين الواقع والواجب

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، المرسل رحمة للعالمين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعهم بإحسان  إلى يوم الدين .



وبعد فإن الاهتمام بالتحديدات التي تواجه الأمة الإسلامية ومعرفة أسبابها وسبل الوقاية منها وعلاجها أمر حتمي واجب على كل من بوسعه أن يدلي بدلوه في هذا الميدان، ولعل العلماء والخبراء والباحثين هم الذين يتحملون العبء الأكبر من هذا الواجب ، العظيم الأثر ، الكبير الخطر؛لأنهم ينيرون السبيل أمام الأمة رعاتها ورعيتها ، ويسهمون في صيانتها من الأخطار المحدقة بها ، بما يقدمون من نتائج جدهم واجتهادهم من أبحاث وحلول وعلاج إلى من بيدهم التنفيذ ، وللجميع أجر المجتمع والعامل لأنهم شركاء في رعاية مصالح الأمة وصيانتها والحفاظ عليها

وما أكثر التحديات التي تواجهها أمتنا؛ من فقر وتصحر وتلوث بيئة ... وغيرها من القضايا الاجتماعية والتربوية والاقتصادية . . . إلى جانب التحديات المتربصة بناشئتنا؛ أولادنا. وقد آثرت أن أتناول هذه التحديات تناولاً موضوعياً مرتكزاً على محاور تربيتهم الأسرية ، والمدرسية والاجتماعية مؤيداً بالأدلة، مجتهداً- ما بوسعي –  في تقديم بعض الحلول ؛لأن أولادنا اليوم رجال الغد، عيوننا متعلقة بهم وآمالنا معقودة عليهم، وأن بناء شخصيتهم بناء فذاً وتحصينهم بالوقاية اللازمة وتبصيرهم بحقائق الأمور يحفظ لنا فلذات أكبادنا ويسهم إسهاماً كبيراً في بناء مستقبل أمتنا، فهم أملنا من النهوض من كبوتنا وبناء مجد قريب – إن شاء الله – يعيد لأمتنا دورها العظيم.

سائلاً  الله العلي القدير أن أكون قد وفقت فيما اخترت وقدمت ، خالصاً لوجهه الكريم بيده الخير وهو على كل شيء قدير إنه ولي السداد والرشاد والتوفيق .

أولاً –  بين يدي الموضوع :

(1) من المسلم به عند علماء التربية والمصلحين أن التربية تتناول الفرد في وسط اجتماعي له عقيدته وعاداته وتقاليده وأعرافه، وأن ميدانها الإنسان بما فيه من فكر ووجدان وروح وجسد، وأنه لا بد من أهداف للعملية التربوية مهما يكن شأنها وزمانها ومكانها، حتى في أبسط المجتمعات ، التي تسعى لأن يحصل الفرد على كسب غذاء يومه وكسائه  ،  أو لتحقيق ذاته ، لإثبات شخصية عشيرته وقبيلته في قادمات الأيام ، أو السعي لتنميته في جميع مكوناته ، إلى أن انتهت أهداف التربية إلى إعداد الموطن الصالح، ثم إلى إيجاد الإنسان الصالح . وهذا التفاوت في مقاصد العمليات التربوية وغاياتها مرده إلى اختلاف الأمم والمجتمعات، وإلى التطور الدائم الذي يعتري الحياة؛ فيقتضي تطور العملية التربوية وتطوير مناهجها وأساليبها   ووسائلها وكل ما يحقق أهدافها .

 ومع كل هذا فهناك ثوابت في الكون والطبيعة الإنسان ذاته يجب أن  تمنح العملية التربوية صفة الثبات في كثير من محاورها .

(2) ومن المسلم به أيضاً أن للعلمية التربوية أسساً متعددة تستند إليها العملية التربوية من الناحية الفكرية؛ وأساساً اجتماعياً؛ لأن العملية التربوية لا تكون إلا في وسط اجتماعي، ضاق أم اتسع، بسيطاً كان أو معقداً، وللمجتمع قيمه وأهدافه وتقاليده. هذا إلى جانب الأساس النفسي الذي هو محل التربية وميدانها، وترتكز عليه بقية محاور التربية والتنمية في الفرد من الناحية العقلية والبدنية والروحية ؛ لما لمعرفة نفس من نتعهده بالتربية من أثر بعيد وخطير في نجاح العملية التربوية أو إخفائها. ولذا يجتهد المربون في بيان الحاجات النفسية للصغار ، ويؤكدون على أهمية إشباعها وتحقيقها باعتدال وانتظام .

(3) ومن المعلوم أن مختلف أنواع المؤسسات المالية والصناعية والزراعية والتربوية تقيم أوضاعها وخططها في سبيل تحقيق غاياتها، وأن الأمم المتقدمة تقيم مؤسسات خاصة بالبحوث لتقف على أسباب تخلف مردود مؤسساتها المختلفة، كما أنها في أحوال الهزائم أو التخلف تجند فرقاً من الخبراء والباحثين لدراسة النظم التربوية وتحليلها، ومعرفة إمكاناتها لترميم الواقع،أو النهوض به ؛إيماناً منها بأن الإنسان بنفسه وفكره وببقية مكوناته هو المحور الذي تدور عليه عجلة الحياة، بل هو الأساس في التقدم والرقي والازدهار . حيثما كان موقعه من ميادين الفكر والعمل والتنفيذ ، فإن التغيير متوقف عليه، بل على نفسه وتكوينها وحسن تأهيلها وتنميتها . . . مصداقاً لقول الله عز وجل  :    { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ }  [1]  الذي يؤكد أن بدء التغيير إنما يكون من النفوس، والنفوس هي مسرح أوميدان العملية التربوية [2] .

وكذلك يبين الله عز وجل أن ما ييسره لعباده من نعم مادية أو أدبية ( معنوية ) على اختلاف أنواعها ومستوياتها لا يغيرها ولا يحرم منها أو من بعضها حتى يغيروا ما بأنفسهم من أحوال . . . بكفران نعم الله سبحانه، أو انتقاصها أو عدم شكرها وحمده على إحسانه ، أو الوقوع في معاصيه وترك أوامره؛ فبانحرافهم عما أمر الله تعالى نتيجة دوافعهم النفسية وتغيير سلوكهم استحقوا تغيير تلك النعم، مصداقاً لقوله عز من قائل:   { ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [3] .   ولو أدوا حق شكرها بالمحافظة عليها لزادهم رب العالمين، مصداقاً لقوله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } [4] .

(4) ولا يخفى على أحد ما لحق بالأمة الإسلامية من ضعف في موازين القوى المادية نتيجة الغزو الصليبي إذا جمد نشاطها في العطاء واستمرار التقدم، ووجهت كل طاقات الأمة لمواجهة الزحف الصليبي وصده ورده على أعقابه، يسحب ذيول الهزيمة. ثم وجهت طاقات أمتنا آنذاك لإصلاح وترميم ما أفسده ذلك الغزو الغاشم، ثم للتحرر من الاستعمار والانتداب والتبعية. غير أن عقيدتها وقيمها لم يعتريهما على الأغلب تغيير كبير؛ مما هيأ لها أن تستعيد عزتها وكرامتها على يد السلطان صلاح الدين الأيوبي، الذي جمع شمل الأمة شرقاً وغرباً وحرر الديار. وأدرك أعداء الإسلام أنه لا سبيل لهم إلى ديار المسلمين عن طريق القوة. وأدركوا أن التأثير على النفوس بالتشكيك في العقيدة حيناً ، وفي الرسالة أحياناً، وبإثارة الشُّبَه حول شريعة الإسلام التي ارتضاها الله تعالى لعباده تارة ، وبإثارة الفتن والنعرات المختلفة، والسعي إلى إيقاع الفرقة بين المسلمين تارة أخرى ـ هو السبيل الأيسر والخفي للسيطرة عليهم وعلى بلادهم. فكثرت المؤتمرات المعادية للإسلام والمسلمين وحيكت المؤامرات للخلاص من الخلافة الإسلامية ( الرجل المريض ) [5] .

وتتابعت النكسات على العالم الإسلامي، وصحت البلاد الإسلامية في مطلع القرن العشرين وخلال العقود الستة الأولى على أوضاع وحقائق مزرية إذ رزحت بعض الأقاليم الإسلامية تحت نير الاستعمار أو الانتداب ،  أو القهر بالقوة للتخلي عن عقائدها كما حل ببعض البلاد الإسلامية إثر الثورة الشيوعية ، وأمضت ردحاً من حياتها بمقاومة الاستعمار ،  وتحرير الديار ، ثم أدرك رجال الفكر والصحوة الإسلامية ما أصاب الأمة في شخصيتها ، وإثبات ذاتها فاجتهدوا في بيان سبل العلاج والوقاية [6] .

(5) مما سبق يتبين لنا أن ما أصاب شخصية أمتنا الإسلامية من ضعف أو اضطراب في ولائها، وتمسكٍ واعتزازٍ بهويتها إنما هو بسبب تغيير مفاهيمها وقيمها وما لحق بها من أذى خلال فترة القهر النفسي – فترة الاستعمار . . . . . . – وما يحيط بها من مخططات ظاهرة وخفية في سبيل القضاء عليها.

ومن هنا ندرك أن الواقع الذي يعيشه أولادنا تكتنفه عوامل كثيرة جداً ، ومؤثرات قوية موجهة ، منها ما يعود إلى فترة الركود والانحطاط التي حفت بأمتنا، ومنها ما يعود إلى المخططات الماكرة المعادية التي تستهدف الأمة كافة والأجيال الصاعدة على وجه الخصوص . لذا كانت العملية التربوية عملية ذات شقين: الأول عمليــة ( بناء وتنمية هذه الشخصية )، والثاني عملية حماية ووقاية هذه الشخصية . وتقف تحديات كثيرة أمام هذين الشقين، سائلين المولى عز وجل أن يسدد الخطى وينير السبيل .

(6) وتيسيراً لعرض الموضوع نتناول الركائز التربوية الأساسية :

1 – أهداف التربية الإسلامية ووسائلها.

2 – دور الأسرة المسلمة في التربية .

3 – دور المدرسة في التربية .

4- دور المجتمع في التربية .

ثانياً: المبحث الأول: أهداف التربية الإسلامية

أرسل الله تعالى رسله وأنبياءه بدعوة التوحيد، والدعوة إلى مكارم الأخلاق. وما من نبي إلا دعا إلى ذلك [7] .

قال عز وجل: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ } [8] .  وقال عز من قائل:  {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ } [9].  وكانت خاتمة الرسالات المنزلة على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم التي ارتضاها ربنا  سبحانه وتعالى لعباده واضحة جلية في هذين الأمرين وفيما جاء من تشريعات في مختلف ميادين الحياة. هذا إلى جانب مزيد بيان أسماء الله الحسنى وصفاته العليا[10] . ولخص التوحيد في سورة الإخلاص: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {1} اللَّهُ الصَّمَدُ{2} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ{3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ{4})[11]. وفي سورة الناس : ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ{1} مَلِكِ النَّاسِ{2} إِلَهِ النَّاسِ{3} مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ{4} الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ{5} مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ{6} ) [12] .

هذا الهدف الذي يرتبط بفطرة الإنسان ويشبعها مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم  :( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون بها من جدعاء  ؟ قال أبو هريرة رضي الله عنه – راوي الحديث – اقرؤوا إن شئتم: فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم . . ) [13] .

وفي توحيد الله عز وجل والعلم بما شرع رب العالمين والعمل به عبودية تامة لله عز وجل، تحرر الإنسان من كل عبودية أخرى؛ كمالٍ أو متعة أو هوى أو سلطان. وفي هذا تبرؤ من كل شك أو شرك وتوجه تام إلى عبادة الله الواحد القهار، بما يملأ النفس البشرية من طمأنينة واستقرار وسعادة  ، ودافع دائم إلى مرضاة الله سبحانه ، فتستقيم حال الفرد والمجتمع وتحفظ كرامته بما يتفق مع إنسانيته فيتحرر من عبودية غير الله عز وجل ومن كل سلطان غير سلطانه وتصان حرمة نفسه وماله وعرضه، وبهذا ترسو أصول الحرية وقواعدها ،  وتصان بالتشريعات التي سنها رب العالمين لعباده. وتحت هذا الهدف الرئيس تتضافر بقية الأهداف التربوية التي تنمي قدرات الإنسان البدنية والعقلية والتعبيرية والجمالية والاجتماعية والإنسانية والإبداعية، وتسمو صلته بالآخرين على اختلاف عقائدهم ومللهم وأزمانهم وأماكنهم . بل إن تربية الإنسان على العبودية لله تكسبه حسن الاتصال والانتفاع بكل ما في الكون من نبات وحيوان وجماد لما في صالح خلق الله من إنس وجن وحيوان . . . . . . . . . وما أسمى هذه التربية، وما أبعد آثارها النفسية والسلوكية !. هذا إلى جانب التربية الأخلاقية والتربية الدينية التي تمده بمعرفة أحكام الله عز وجل وآداب شرعه [14] ، كل هذه الفروع التربوية يعاضد بعضها بعضاً لتحقيق العبودية لله وحده ، وهي ذروة الحرية الإنسانية المنظمة المنضبطة بنظام الإسلام وشرائعه .

وبهذا استخلف الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قال عز وجل من قائل : {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }  [15]  .  ومن هذه الأمة تكون الخلافة في الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات، مصداقاً لقوله عز من قائل : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [16]  ، هؤلاء المؤمنون الذين يعملون الصالحات ويستجيبون لأمر الله  تعالى ويحسنون إقامة حكمه بين عباده على أرضه من غير إفراط ولا تفريط ، يرسون قواعد العدل والخير والمساواة بين الناس من غير عسف وظلم، لا يخافون في الله لومة لائم ، شدة في الحق من غير عنف، ولين من غير ضعف. وبهذا يحققون قول الله تعالى:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ..} [17].

فإذا اجتهد المجتمع الإسلامي وبذل قصارى جهده في تحقيق العبودية لله وحده بعيداً عن الميول والأهواء؛اتجهت الطاقات جميعها في خطوط متوازية لتحقيق المقصد الأسمى ؛ مرضاة الله عز وجل للفوز في دار الدنيا والآخرة؛ فلا تتعارض الجهود ولا تتصارع القوى، فإن روح الجميع وقواهم متجهة إلى هدف واحد، ولو تعددت السبل المشروعة لتحقيقه. ولا يكون التمايز إلا بالتقوى وحسن العطاء مع كمال الأداء؛ فتعم السعادة وتطمئن النفوس ويتم الاستقرار في جميع جوانب الحياة العامة والخاصة. وإذا أدرك كل منا مسؤولياته وواجباته ودوره في المجتمع، وأدرك معنى قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم :( ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصحه  إلا لم يجد  رائحة  الجنة )  [18] .

مهما تكن تلك المسؤولية جليلة ، أو حقيرة ، فالمؤمن يتحملها على أحسن صور التحمل ، ويسعى إلى القيام بها على أحسن وجه ، وينفذها بكل وسيلة مشروعة ، مستفيداً من مختلف الطاقات المتخصصة،والأدوات المتجددة ، والتقنيات المتطورة ، ولا يرضى لإخوانه إلا ما يرضاه لنفسه ، وإذا بدرجة الإتقان والدقة وحسن التنفيذ وجودة العطاء يأخذ مكانه في المجتمع الإسلامي ، الذي ينهل من معين الإسلام عقيدة ، وشريعة وأخلاقاً .

1) الرعد: آية 11.
2) وتشير تتمة الآية الكريمة إلى أن هذا الأمر حتم لا مَرَدَّ له ، وأن سبيل التغيير اتباع المنهج الرباني في تربية النفوس ( ما لهم من دونه من وال ) ، فإذا عرفنا أن من معاني الولاية النصر  والتأييد اتضح لكل ذي لب من هذه الآية ما للنفس من أهمية كبيرة في التغيير وما للمنهج الرباني من دور عظيم في نهضة الأمة وتقدمها.
3) الأنفال53، وانظر فتح القدير ج 2 ص 318.
([4] سورة إبراهيم 7.
([5] انظر مختصر تفسير ابن كثير ج 2 ص 615  وانظر سيرة صلاح الدين الأيوبي لبهاء الدين بن شداد وانظر المدخل إلى دراسة الثقافة الإسلامية للأستاذ الدكتور محمد رشاد سالم طبع مكتبة الفلاح الكويت . وكتاب الغارة على  العالم الإسلامي   لـ أ.د . شاتليه ترجمة مساعد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب المطبعة السلفية ، وكتاب التبشير والاستعمار للأستاذ للدكتور عمر فروخ والأستاذ الدكتور مصطفى الخالدي طبع ببيروت ، ومذكرات السلطان عبد الحميد طبع بيروت ، وكتاب الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر للدكتور محمد محمد حسين الجزء الأول والثاني طبع مصر  وبروتوكولات حكماء صهيون طبع بيروت ، وكتاب الخليج العربي أمام التحدي العقدي للدكتور سعيد حارب ط مكتبة  الأمة ، دبي ، وكتاب التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي ، ترجمة كاملة لأعمال المؤتمر التبشيري الذي عقد في مدينة جرين آيري بولاية كولورا دو في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1978 ونشرته دار ( م ا ر ث ) للنشر في نحو ( 900 ) صفحة .
[6]) انظر الصحف والمجلات  والكتب التي نشرت في المشرق والمغرب خلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها ، وانظر أولويات الحركة الإسلامية للدكتور يوسف القرضاوي ، وماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين لأبي الحسن الندوي ، ومن هنا نعلم للشيخ محمد الغزالي وغيرها .
([7] انظر مبحث الأخلاق الإسلامية في كتاب ( في الفكر الإسلامي ) جامعة الإمارات  ص  197 .
([8]  المؤمنون آية 23  وانظر دستور الأخلاق في الإسلام  ص 686- 778 وأصول النظام الاجتماعي في الإسلام ص 129- 130  للعلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور .
[9]) سورة هود : الآية 50 .
([10]  انظر بحث الأخلاق الإسلامية في كتاب  ( في الفكر الإسلامي ) جامعة الإمارات ص 197 وما بعدها ، وانظر كتاب في رحاب أسماء الله الحسنى .
[11]) السورة الثانية عشرة  بعد المائة من القرآن الكريم .
[12]) السورة الرابعة عشرة بد المائة من القرآن الكريم .
[13]) أخرجه أصحاب الكتب الستة والإمام أحمد وغيرهم واللفظ للبخاري، انظر فتح الباري ج 3 ص 464 و 465 ومسند الإمام أحمد ص 329 ج 14 بتحقيق محمد شاكر، والآية 30 من سورة الروم.
[14]) انظر ( كلمات في مبادئ علم الأخلاق ص  38- 40 للأستاذ الدكتور عبد الله دراز رحمه الله ، وكتاب دستور الأخلاق في القرآن ) ,
[15])  الأنعام 165 في الآية دلالة بانتهاء خلافة الأرض كلها إلى أمة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلالة قوله تعالى في الآية الأخرى( خلائف في الأرض ) ( يونس 14 ) الذي لا ينفي وجود خلائف أخرى وانظر تفسير الطبري ج 8 ص 114 .
[16])  النور : آية 55 ، قال ابن كثير رحمه الله  : ( هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلوات الله  وسلامه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض ، أي أئمة الناس والولاة عليهم وبهم تصلح البلاد ، ويخضع لهم العباد ، وليبدلنهم من بعد خوفهم من الناس أمناء حكماء فيهم ، وقد فعله تبارك وتعالى وله  الحمد والمنة ، مختصر تفسير ابن كثير  ج 2 ص 615 .
[17]) آل عمران 110.
([18] متفق عليه.