تخلف أبناءنا دراسياً...

في مرحلة ما من مراحل الدراسة نشعر بأن أبناءنا مقصرين دراسياً...
لماذا نعاني من تخلف أطفالنا وتقصيرهم في دراستهم؟؟؟
ماهي أسباب هذا التقصير؟؟؟
هل طفلنا لايحب الدراسة؟؟
هل للمناهج المدرسية دور في هذا التخلف؟؟ أم أننا نحن السبب في ذلك؟؟!


 إن واقع التعليم الذي نعيشه في مدارسنا اليوم يفرض على جميع الأطفال وفي كل المناطق وعلى أصحاب الذكاء العالي المستوى والذكاء المنخفض منهجاً دراسياً واحداً...دون مراعاة الفروق الفكرية والعقلية لكل طفل، وكأن هذا المنهاج المقرر يفترض أن جميع عقول هؤلاء الأطفال في سن الدخول إلى المدرسة هي بمستوى واحد من الإدراك، بيد أنه من الخطأ الفادح أن نعتبر كل الأطفال بمستوى عقلي واحد، وكما أنه هناك اختلافات في البنية الجسدية لكل طفل، أيضاً هناك اختلافات في البنية العقلية للطفل.

هناك استثناءات في قبول الأطفال الدخول في المدرسة في أعمار مختلفة ...صحيح أنها تكون متقاربة كثيراً ولكن لاننكر أنها تختلف أحياناً عن بعضها البعض ...
فمن الممكن أن يكون في الصف الأول الدراسي أي عمر القبول هو سبع أو ست سنوات للطفل بينما نرى أنه يوجد في ذلك الصف من يصغر البقية بستة أو أربعة أشهر ويكون قد انتسب إلى الصف بشكل نظامي أو بعد إجراء اختبار بسيط له ...ولكن هل هذا يؤثر على التفاوت العقلي بين الأطفال من ناحية العمر ؟؟؟
مؤكد أنه في بعض الأحيان يؤثر وينتج عنه فروقات في طريقة التفكير وفي سرعة الاستيعاب ...
 
أيضاً من الأشياء التي تؤثر في تفاوت البنية العقلية للطفل هي أنه من الممكن أن يجتمع في صف واحد طفل قد أمضى سنتين في روضة من رياض الأطفال ويكون قد حفظ الأحرف الأبجدية والأرقام والألوان وغير ذلك ...بينما نرى باقي الأطفال لم ينتسبوا إلى أي روضة بل ولم يحاول أهلهم تحفيظهم أو تعليمهم أي شيء يساعدهم لعبور ولو مرحلة بسيطة من مراحل التعلم...
ولهذا كان لا بد من التأكد أولاً من أن قدرات الطفل الذي سيدخل في المرحلة التعليمية الأولى ملائمة للبدء بعملية التعلم .
 
لذا إذا أردنا مساعدة الطفل ليواكب التطور المعرفي ويكتسب الخبرات العلمية بطريقة صحيحة وسهلة، كان لا بد في البداية من تحديد مستواه العقلي الذي ينسجم مع بقية الطلاب ومنه ننطلق في التعليم، ولكن للأسف مايحدث اليوم هو أن جميع الأطفال الطلبة ومن جميع المستويات العالية الذكاء والمنخفضة والمتوسطة يتبعون منهجاً واحداً وكتيباً واحداً، ولهذا ينتج لدينا في الصف الواحد طلاباً يتفوقون تفوقاً رهيباً، وطلاباً آخرين يتخلفون تخلفاً كبيراً لا يستطيعون مسايرة زملائهم في الدراسة وتتعاظم مشكلتهم يوماً بعد يوم وسنة بعد سنة...
 
وهنا ينتج لدينا أيضاً أزمات نفسية لدى بعض الأطفال الذين يشعرون بعقدة نقص أما الأطفال المتفوقين في الدراسة،فمنهم الكثيرون الذين ينعتون زملائهم بالكسل ويسببون لهم الكثير من المشاكل النفسية حتى أنهم في بعض الأحيان قد يتعرضون للضرب دفاعاً عن نفسهم، وفي بعض الأحيان الأخرى نرهم يتململون من إعادة شرح بعض الدروس للطلاب المقصرين بينما هم يكونون قد قطعو المرحلة بسرعة أكبر...وهذا الوقت الذي يستهلك في إعادة الشرح أكثر من مرة يؤثر سلباً على الطلاب المتفقين...
ونرى في بعض المدرس أن العديد من المعلمات لايكترثن لأمر الطلاب المقصرين حيث أنهم يهتمون للوقت الذي سيصرفونه ويرون أمامهم منهاجاً دراسياً مطالبين بإنهائه...وهنا تكمن المشكلة الأكبر.
 
أما عن الأهل فهم يبدؤون بتأنيب ومعاقبة أطفالهم حيث أنهم يتهمونهم بالكسل المتعمد وبعدم الانتباه في الصف، ونرى الكثيرون منهم لم يفكروا ولم يخطر ببالهم أن سبب تخلف أطفالهم هو التفاوت في الاستيعاب.
 
إذاً تقع المسؤولية في تحديد مستوى الطفل العقلي أو الفكري على الأهل بالدرجة الأولى لأن الأهل هم أول من يواكب نمو الطفل الجسدي والعقلي وهم من يلعب دوراً كبيراً في تنمية قدراته الفكرية فحياة أطفالنا لاتفتصر فقط على اللباس والنزهات والغذاء واللعب... إذ أننا نرى بعض الوالدين يضعون برنامجاً تعليمياً لطفلهم منذ أن يبدأ بالتكلم والنطق ويبدؤون معه من كلمة ماما وبابا، ثم العد حتى العشرة ثم بعض الألوان والتمييز بينها ثم بعض أسماء الحيوانات وأصواتها وحفظ الصور التي تناسب كل حيوان، والعديد من الأحرف العربية والانكليزية أو الفرنسية...وما إلى ذلك من أساليب تعليمية بسيطة ويستطيع الطفل تقبلها من اللحظة الأولى التي يبدأ فيها التعلم وخصوصاً إذا كانت مقترنة ببعض الصور.
 
أيضاً نستطيع أن نلحظ أن هناك أسباب و إشارات أخرى لتخلف الطفل دراسياً ومن الممكن أن نلحظها في المنزل وهذه الإشارات قد أقرها العديد من الأطباء النفسيين ومنها: تأخر الطفل الشديد في النطق والتحدث والتي من الممكن أن يكون سببها وجود ملتحمة صغيرة في فم الطفل تكون ملتصقة تحت اللسان ولا ينتبه الأهل لوجودها... والتأخر أيضاً في المشي، وانعزاله وعدم قدرته على الاندماج مع الأطفال الآخرين.
 
ولكي نكون موضوعيين -فعلاً- في التحدث عن التخلف العقلي، لا بد لنا من الدراسة والتشخيص الدقيق لكل المسببات للوصول إلى النتائج الحقيقية الكامنة وراء مثل هذه المشكلة، والدراسات التي أجريت في مجال التخلف العقلي كثيرة جداً، يجب علينا البحث والاطلاع على كل جديد ومفيد لأطفالنا.
 
لو حاولنا البحث عن أهم أسباب التقصير أو التخلف في الدراسة نجد أولها والتي من السهل تغييرها هي البيئة المحيطة:
 
- عمل الوالدين خارج المنزل وقضاء الوقت الأكبر بعيداً عن أطفالهم وبذلك يكون إهمالاً لطفلهم.
- وجود الطفل في مجتمع فقير، مما يجعل الأساليب التعليمية معدومة، والحالة النفسية والجسدية هزيلة.
- العوائق المادية التي تعاني منها الأسرة.
- المستوى العلمي والثقافي المنخفض للوالدين والأسرة ككل.
- تسلط الأب بطريقة مخيفة على الزوجة والأطفال، مما يدعو لخوف الطفل من الاعتراف بتقصيره.
- انشغال الأم في قضاء معظم وقتها في الزيارات والنزهات والسفر.
- لهو الطفل الزائد عن حده وروجه المستمر مع رفاقه للعب بعيداً عن جو الدراسة.
- انفصال الأبوين عن بعضهما وتشتت الطفل في قضاء حياته بين منزل أمه ومنزل أبيه.
 
أيضاً هناك أسباب تكون أحياناً وراثية:
وتؤثر على تخلف الطفل دراسياً ويقصد بالوراثة أن هناك أسباباً عضوية متوارثة وعوامل جينية يصعب تغييرها، والباحثون يعنون بذلك أن علاج مثل هذه الحالات فيه صعوبة بالغة جداً،
 
من المؤكد أن لهذه الأسباب الكثير من الحلول لنمد يد العون لطفلنا...فلطفلنا علينا حق...ولأطفال الفقراء على الأغنياء حق...فلو أن كل عائلة غنية خصصت مبلغاً شهرياً يعين العائلة الفقيرة فإن هذا سيساعد في تأمين مستوى معيشي ودراسي لأطفالهم أكثر. وكم من الآيات والأحاديث الشريفة التي تدعو لذلك.
كما أنه يجب على الأهل تعويد الطفل على العادات السليمة في كسب المعارف وتنظيم وقته بالشكل المناسب،
وقضاء معظم الوقت معه للتقرب منه ولمعرفة مايفكر به، ومساعدته في التغلب على المشكلات التي تعترضه سواء في صفه أو مع رفاقه أو في تقبل دروسه، وإبعاده قدر الإمكان عن مجالات الإهمال واللهو الزائد، دون حرمانه من اللعب في أوقات الفراغ بما يحبه ويفضله.
 
أما عن المدارس والمناهج التعليمية المخصصة لأطفالنا فهذه مسؤولية الجهات المسؤولة، والمؤسسات التربوية والاجتماعية، إذ أن عليها التوعية والإرشاد للأهل وللمعلمات من أجل تأمين جو مناسب للتعلم، وتنشئة الطفل على نظام تعليمي معين، بعد تحديد نسبة الذكاء لكل طفل أو المستوى العقلي لديه، ومن ثم تحديد الطرق والأساليب والمناهج المناسبة في تعليمه، ولو اضطر الأمر لفصل بعض الطلاب عن بعضهم.
 
كثيراً من أطفالنا يمتلك قدرات كبيرة ومواهب متعددة ولكن...!!!
لم يجد ذلك الطفل من يسقي تلك المعارف والمواهب ويهتم به وبها لكي تنمو...