تحديات التخطيط التشغيلي

واجهت العمليات في الماضي تحديات مختلفة تتعلق غالباً بزيادة كفاءة الإنتاج، والتي كانت بسبب الافتقار إلى البصيرة الشاملة والعقبات التي تضمنت غياب النظرة المتكاملة والتعاون من داخل المنظمة؛ ونظراً إلى وجود هذه المشكلة في مختلف مرافق الإنتاج حول العالم، أصبحت إدارة العمليات حلاً مناسباً قابلاً للتنفيذ من أجل التغلب على مثل تلك العقبات.



تتعلق إدارة العمليات بالعملية التي تشمل إدارة الإجراءات داخل المنظمة؛ فمع إدارة عمليات فعالة وكافية، يوجد قدر أكبر من الدقة والوضوح في تسليم منتج أو مشروع بنجاح وتميُّز؛ فقد ساعد دخول مفهوم إدارة العمليات والتخطيط التشغيلي مرافق الإنتاج على نحو كبير؛ ولكن رغم ذلك التطور الملحوظ، لا تزال هناك بعض التحديات الحالية التي تعيق تحقيق النتائج الأمثل.

سنناقش في هذا المقال التحديات الحالية في تخطيط وإدارة العمليات؛ ولكن قبل مناقشة هذه التحديات، ينبغي لنا أن نبحث قليلاً حول تاريخ إدارة العمليات؛ حيث يمكننا تتبع أصول إدارة الإنتاج والعمليات إلى 5000 سنة قبل الميلاد، خصوصاً مع السومريين الذين تتبعوا قوائم الجرد والمعاملات والضرائب.

 فيما يأتي بعض المعالم التاريخية الرئيسة في إدارة العمليات:

  • بشَّرت الثورة الصناعية (1760 إلى أوائل القرن التاسع عشر) بأسس تقسيم العمل والأجزاء القابلة للتبديل، وهي مفاتيح الإنتاج الفعال؛ كما صنع إيلي ويتني -مخترع محالج القطن- عشرة ألاف سلاح ناري (muskets) باستخدام مفهوم الأجزاء القابلة للتبديل.
  • استخدم فريدريك وينسلو تايلور في عام 1883 طريقة ساعة التوقيت لتوقيت المهمات للوظائف المعقدة، وأصبح هذا مفتاحاً لدراسة الكفاءة والإنتاجية.
  • وضع فرانك وليليان جيلبريث في نحو عام 1912 الأساس لأنظمة وقت الحركة المحددة مسبقاً (predetermined motion time systems -PMTS)، والتي تتنبأ بالوقت الذي يستغرقه إكمال المهمات.
  • بدأ خط التجميع المتحرك الأول لهنري فورد في عام 1913 بالعمل، مما أدى إلى تقليل وقت إنتاج السيارة من 12 ساعة إلى أقل من ثلاث ساعات.
  • طورت تويوتا في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية نظام "الإنتاج في الوقت المناسب" (JIT)، والذي سُمِّي لاحقاً بنظام إنتاج تويوتا (Toyota)؛ حيث صممته الشركة للتخلص من النفايات وزيادة الإنتاجية والجودة.
  • في عام 1971، بدأت "فيديكس" (FedEx) تسليم الطرود الليلية.
  • طورت "أمازون" (Amazon) في الوقت الحاضر عملياتها لتسليم الطرود لعملائها في يوم الطلب نفسه.

يمكننا القول بوضوح وأسى أنَّ العديد من الخطط الاستراتيجية الجيدة فشلت في التنفيذ بنجاح بسبب نقص الموارد المالية أو البشرية أو كليهما؛ لذلك، من الهام للغاية في التخطيط التشغيلي أن نكون واقعيين ونفهم أنَّ الموارد محدودة.

يحتاج القادة إلى التخطيط بعناية لاستخدام الأموال والحصول على المرافق والمعدات وتطوير الأفراد داخل المنظمة لتحقيق الأهداف؛ وقبل الولوج في التحديات التي تواجه التخطيط التشغيلي، يجب علينا الوقوف على أهميته؛ وفيما يأتي الأسباب الخمسة لأهمية تخطيط العمليات وربطها بالمبيعات في إحداث ثورة في تنظيم العمل وتحقيق النتائج المرجوة:

  • الموازنة بين العرض والطلب.
  • مشاركة متعددة الوظائف والمستويات.
  • تجنُّب المفاجآت والمخاطر المكلفة.
  • مجموعة موحدة من النتائج المتوقعة.
  • أداة التواصل الرئيسة.
إقرأ أيضاً: ما مواصفات وكفاءات قادة التغيير؟

1. الموازنة بين العرض والطلب:

يمكننا دائماً تحقيق التوازن بين الطلب والعرض من خلال التخطيط المناسب للعمليات في الشركات، نظراً إلى أنَّ جميع الموظفين الرئيسين (Key People) لديهم دراية مستمرة بحركة المبيعات والمخزون والقدرة الإنتاجية والمبيعات المحتملة.

تساعد هذه العملية أيضاً الإدارة العليا في تحديد هوامش الربح للأعمال؛ فعلى سبيل المثال: في الحالات التي يتعذَّر فيها على منتج معين تلبية طلب العملاء، يمكن تقديم المعلومات التي حُصِل عليها إلى قسم المبيعات والتسويق للترويج لإمدادات بديلة أخرى.

يسلِّط هذا المثال الضوء على قدرة العمليات والمبيعات (S & OP) القوية على الموازنة بين العرض والطلب من خلال التعاون لتلبية احتياجات المستخدم النهائي.

2. مشاركة متعددة الوظائف والمستويات:

يؤدي توفير التعاون متعدد الوظائف والمستويات إلى تخطيط أفضل للعمليات التشغيلية بين أصحاب المصلحة الرئيسين في العمليات، وتساعدك عملية المبيعات والتخطيط التشغيلي المتسق (S&OP) على الفهم وتوفير الدعم اللازم لتحقيق النجاح المطلوب.

توجد فائدة أخرى هامة، وهي أنَّ هذا التخطيط والتنسيق يضيف تكاملاً أفضل بين الأجزاء الوظيفية في العمليات؛ وبمجرد اعتماد الخطة التنسيقية بين المستويات العليا للمجالات الوظيفية، فإنَّه يُترجَم إلى خطة شاملة تتماشى مع رؤية العمل.

3. تجنُّب المفاجآت والمخاطر المكلفة:

دون عملية تخطيط مفصلة للمبيعات والعمليات، كثيراً ما يعتمد مستوى التنفيذ على "الحظ والتوفيق" أو كما يُقال في البيئة العربية "على البركة".

صحيح أنَّ العمليات ستستمر محققة الحد الأدنى من التوقعات، ولكن بثمن وجهد مضاعف مقارنة بالتخطيط التشغيلي المتقن؛ وقد يكتمل العمل فعلياً، ولكن بكثير من الضغط النفسي والتوتر والقلق؛ لذلك، عادةً ما تواجه النتائج ركوداً تنظيمياً مثل نقص السعة التخزينية، والمخزون الزائد، والمهلة الطويلة، والعمليات المستعجلة، وسوء خدمة العملاء؛ وهي كلها مخاطر مُكلفة تؤدي إلى مشكلتين رئيستين هما:

  • ضعف التركيز على الآفاق الجديدة.
  • ضياع الفرص المتاحة في السوق.

ستحصل من خلال عملية تخطيط المبيعات والعمليات التفصيلية على مفاجآت منخفضة إلى الصفر، حيث ستُتخَذ القرارات من قبل القادة مقدماً لتقديم أفضل النتائج الممكنة داخل المنظمة.

إقرأ أيضاً: تعزيز الإبداع والابتكار في فريق عملك

4. مجموعة موحدة من النتائج المتوقعة:

أكبر فائدة قد تجنيها الشركات من التخطيط التشغيلي هي القدرة على إدارة الأعمال مع مجموعة موحدة من الأرقام والنتائج المأمولة، بحيث تتفق الإدارات الرئيسة -مثل المالية والإنتاج والمبيعات والتسويق- بهذا على الأرباح المتوقعة والقدرة على تلبيتها وفق خطة تشغيلية واضحة المعالم.

إنَّ أحد الأساليب القيادية الرائدة في هذا المضمار هو استثمار وقت كافٍ في التخطيط التشغيلي مع تحديد أرقام طموحة من المبيعات المتوقعة والأرباح، ثم السَّماح للعمليات التشغيلية بالتنفيذ بعد أن تُخصَّص الميزانية وتُحدَّد أدوات قياس النتائج والمراقبة.

5. أداة تواصل رئيسة:

توفر خطط العمليات طريقة اتصال محددة المعالم والتوقعات تعمل كأدوات تواصل رئيسة لتحقيق الأهداف المحددة، بحيث تقدم الإدارة العليا الرؤية اللازمة للمشاركة في التفاعلات الهامة التي تشمل: التمويل، والإنتاج، والمبيعات، والتسويق، والموارد البشرية؛ بينما تحتفظ كل عملية فرعية بجدول زمني يلغي أي تضارب أو تعارض في العمليات.

إذن، أصبحنا على دراية كافية بأهمية الخطط التشغيلية؛ والآن، ينبغي توضيح أنَّ الأهداف الاستراتيجية هي بمثابة الوجهة الذي يريدون الذهاب إليها، بينما يشبه التخطيط التشغيلي والعمليات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS).

يعدُّ التخطيط التشغيلي والعمليات بمثابة نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، والذي يساعدها في الوصول إلى أهدافها بدقة وبأقل قدر من الوقت والجهد؛ وربما الأهم من ذلك، مساعدتها على التصحيح التلقائي إذا خرجت عن المسار الصحيح في أثناء التنفيذ.

تضع معظم الشركات خططها معتمدة على الإدارات التشغيلية أو الوظيفية (وليست المساندة)، والتي في كثير من الأحيان تكون مقاييس متعارضة؛ بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الشركات من جميع الأحجام عبارة عن بيئات اجتماعية معقدة تحتوي على كميات كبيرة من البيانات المتداولة والمتجددة يومياً.

فيما يأتي بعض الأخطاء الشائعة التي تحدث مراراً وتكراراً عند التخطيط التشغيلي؛ فإذا كان بإمكانك تجنبها، فستكون على الطريق الصحيح لتكون قادراً على تنفيذ أفضل ممارسات التخطيط التشغيلي:

1. ضعف اهتمام القيادة التنفيذية:

أكبر مشكلة يمكن تلمسها هي ضعف وقلة اهتمام القيادة التنفيذية بالتخطيط التشغيلي؛ فإذا لم تشارك القيادة التنفيذية مشاركة كاملة في التخطيط التشغيلي، فلن تكون العملية ناجحة، ولن تحقق ما يُرجَى منها.

لربما تكون الأسباب ظاهرة أو مخفية، أو ربما لم يمنح القادة التشغيليون القيادة التنفيذية الأشياء التي يحتاجونها؛ كالرؤية المستقبلية والعالمية، أو المعلومات الموجزة التي يسهل فهمها مثل: مؤشرات الأداء الرئيسة (KPI)، أو خطة قابلة للتنفيذ، أو مصفوفة واضحة حول أبرز المخاطر (Risk Matrix).

يمكن لمنصة تقنية جيدة (Dashboard) أن تساعد على نحوٍ كبير؛ حيث تعمل التكنولوجيا كرافعة لتسريع العملية وتحويل الجهد من مراجعة البيانات إلى القدرة على تحليلها عملياً.

أخيراً، ليس التقنيات، وإنَّما أفضل الأفراد والعمليات المتقنة هما من يقدران على قيادة المؤسسة نحو المستقبل بخطى ثابتة.

2. غياب التواصل والترابط بين الإدارات والوظائف:

الهدف الأساسي من التخطيط التشغيلي هو توجيه المنظمة بأكملها في الاتجاه نفسه، ومن الصعب القيام بذلك دون مشاركة جميع أصحاب المصلحة الرئيسين في العملية.

لقد أظهرت الأبحاث حول إخفاقات المبيعات والخطط التشغيلية (S&OP) مباشرة بعد الانكماش العالمي أنَّ ثلث المشاركين في البحث لم يشاركوا المبيعات في خطط العمليات، وأنَّ ما يقرب من نصفهم لم يشاركوا العمليات أو المالية في ذات الخطط.

يمكننا الإشارة بوضوح إلى أنَّ عدم وجود آلية للمشاركة بين وجهات النظر الوظيفية المختلفة للمعلومات يؤدي إلى إغفال واحد أو أكثر من أصحاب المصلحة الهامين خارج عملية التخطيط؛ ولنأخذ المثال التالي:

ستحتاج إدارة العمليات إلى تحديد الطلب من إدارة الإنتاج، وتريد الإدارة المالية رؤية صافي هامش الربح؛ ولكي تنجح الخطط التشغيلية، يجب أن يكون لدى الإدارات كافة المعلومات والدقة نفسها، مع عرضها بالشكل والطريقة التي تحتاجها وتفهمها كل إدارة.

3. تحديد مسارات ضيقة من الأرقام والنتائج المتوخاة:

تسعى العمليات في كثير من الأحيان إلى تبسيط الأمور والتركيز على أرقام بعينها ضمن مسار ضيق، مما يحد من قيمة العمليات في نظر القيادة التنفيذية.

في الحقيقة، يُكافَئ القادة التنفيذيون مقابل القدرة على التنبؤ بالمستقبل والتخطيط وفقاً لذلك، وتتمثل مَهمَّتهم في تحديد المخاطر والقدرة على تخفيفها استباقياً لتجنب الخطر قبل أن يصبح حقيقة.

يمكن أن تكون خطط العمليات أداة رائعة للمساعدة في ذلك، مثلها مثل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) الذي يرشدك إلى مسار مناسب يجنبك الوقوع في زحمة السير؛ فما هو البديل؟ نحتاج في العمليات التشغيلية إلى التخطيط في نطاقات أكثر سعة مثل: السيناريو الأفضل، والسيناريو الأسوء، وسيناريو وسط بينهما، بحيث نبني قدراتنا ومواردنا وفقاً لذلك؛ فالقدرة على تحديد تأثير الأشياء التي لم يُخطَّط لها لا تُقدَّر بثمن؛ فكما قال الرئيس الأمريكي أيزنهاور ذات مرة: "الخطط لا شيء، والتخطيط هو كل شيء".

4. التعقيد وكثرة المقاييس:

قد تضع الشركات مقاييس كثيرة ومعقدة، وتصبح مشلولة وغير قادرة على اتخاذ القرار الصحيح عندما يتعين عليهم تقييم مئات المقاييس، حيث يمنعهم التعقيد من القدرة على طرح الأسئلة الصحيحة وسلوك المسار المناسب؛ لذا اختر 5 إلى 10 مقاييس رئيسة، وخطط لمراقبتها وتتبعها، واجعل الأداء شفافاً حتى يفهم الجميع مستواهم ويتعلم منهم.

إقرأ أيضاً: استشراف المستقبل والفجوة الاستراتيجية للقادة

5. ضعف التوثيق:

كيف نتعلم من أخطائنا؟ عندما نلتقط جميع المعارف والافتراضات المؤسسية التي تدخل في الخطط التشغيلية ونوثقها باستمرار، ونوفر آلية لالتقاط هذه المعلومات من كل مشارك، ونسهل عليهم المساهمة في ضمان أن نتعلم من أخطائنا ونصحح مسارنا على نحو أفضل في كل مرة.

يجب تذكُّر القاعدة الذهبية: "أولئك الذين لا يتعلمون من التاريخ محكوم عليهم بتكراره"؛ لذا أيُّها القائد؛ تذكر أنَّ المكافأة النهائية لأي عملية تخطيط محكم للعمليات هي توحيد جميع مدخلات العرض والطلب المطلوبة لنجاح الأعمال، إضافة إلى تجنب المفاجآت والمخاطر التي قد تعوق العمليات، وأخيراً مراجعة أداء العمل مقابل أهداف العمل المحددة من أجل إنشاء خطط أفضل عند الحاجة.

أخيراً، الخطة التشغيلية بمثابة دليل التشغيل الخاص بالشركة، فهي تساعدك على تحقيق أهدافك، ويمكن القول أنَّها تمثل قطعة أساسية من الأحجية التي يحاول كل فريق عمل أن يجد حلاً لها.

 

المراجع: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة