تاريخ الخطوط العربية

تنوَّعَت مجالات الثقافة العربية عبر العصور؛ إذ كانت وما زالت اللغة العربية ببحرها الواسع موطناً لعدد من الفنون الإبداعية، وأهمها فن الخط العربي الذي انتشر في شتى البلدان الإسلامية حول العالم.



يعود تاريخ الخط العربي إلى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وطُوِّرَت بعد ذلك أساليبه عبر العصور، ليكون اليوم واحداً من أشهر الفنون في أصقاع متنوعة من العالم، وفي مقالنا هذا سنتعرف إلى تعريف الخط العربي، إضافة إلى نشأته وتاريخه وتطوره عبر الزمن، فقط تابع القراءة.

تعريف الخط العربي:

تتنوَّع أساليب تعريف الخط العربي؛ وذلك لتنوُّع اللغات التي تُكتَب به، ويمكن القول إنَّه أحد الفنون الزخرفية التي تتخذ الحروف العربية أساساً لها، والسبب في ذلك هو ميزة الكتابة العربية أنَّها متصلة غير منفصلة، الأمر الذي يسمح بتكوين وإنشاء زخارف متنوعة، عن طريق المد أو التركيب أو التدوير أو الاستدارة وغيرها.

تُعَدُّ هذه الزخارف من فنون التزيين لمختلف المعابد العربية وغير العربية، مثل الكنائس والمساجد ودور العبادة المتنوعة؛ إذ تُنقَش آيات من القرآن الكريم على جدران المساجد، كما تُزيَّن بزخارف الخط العربي القصور الملكية.

لقد اهتم الفنانون المسلمون بالخط العربي، ويعود ذلك إلى أنَّ الإسلام نهى عن رسم البشر والحيوانات في زخارف الكتب السماوية ودور العبادة والصلاة، فكان لا بد من ابتكار فنٍّ جديدٍ يستطيع من خلاله الفنان أن يعبِّر عن طابع المكان بصورة فريدة بعيدة عن التجسيد الواقعي للأشياء كما نراها، فكان للخط العربي طابع خاص مختلف عن سائر الفنون الأخرى، مثل النحت التجسيدي أو الرسم التصويري والتشكيلي.

نشأة الخط العربي:

بدأت نشأة الخط العربي في عهد الخليفة "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه؛ إذ زُيِّنت به المنابر والمحارب، إضافة إلى النقود، وأصبح التنافس كبيراً من قِبل الفنانين الإسلاميين لإتقان هذا الفن، كونه يعكس طابع الإسلام والمسلمين.

لأنَّ اللغة العربية هي لغة الإسلام آنذاك؛ فقد سعى العرب عبر العصور من خلال الفتوحات إلى نشرها في شتى أرجاء الأرض لتكون اللغة الرسمية المتداولة شرقاً وغرباً، فكتبَ بالخط العربي العثمانيون ومن قبلهم السلاجقة والروم، ثم الإيرانيون بلغتهم الفارسية، وذلك لجماله وأعجوبة تنسيقاته، ولشدة عشقهم له، طوروا للغتهم الفارسية نوعاً جديداً من أنواع الخط العربي وسموه بخط "التعليق"، وهو الخط العربي المميز للغتهم.

بعد ذلك طُوِّر خط التعليق من قِبل الخطاط القدير "ميرعلي"، ليضاف إليه قليل من ميزات خط النسخ، وسمي بعد ذلك بخط "النستعليق"، الأمر الذي رغب الإيرانيون به وزادت محبتهم له وأصبح الخط الرسمي المتداول في بلدهم، وبالعودة إلى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، في فترة نزول القرآن الكريم، دُوِّنت آياته الكريمة بخط الجزم الذي سمي لاحقاً بالخط المكي.

من ناحية أخرى، عُرِف في تاريخ الخط العربي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نوعان من الخطوط؛ الأول يدعى الخط الحجازي أو الدارج، وهو الخط المتداول بين الطلاب والعامة وخط الكتابة اليومية.

أما النوع الثاني فهو الخط الكوفي الذي يُعَدُّ أساساً لفن الخط العربي بأنواعه شتى؛ إذ استُخدِم من قِبل الخطاطين في ذلك العصر لتدوين الآيات القرآنية على سعف النخل، لكن دون استخدام أيَّة همزة أو شدة أو تنوين أو حتى حركات اللغة العربية، واستمرت الكتابة به بهذه الطريقة حتى خلافة "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه.

تطور الخط العربي:

تطور الخط العربي عبر العصور المختلفة وتنوعت أساليب الكتابة به، واستُخدِم عبر العصور لأغراض متنوعة، كان أولها تدوين آيات القرآن الكريم في مصاحف وكتب، وفيما يأتي سنورد تطور فن الخط العربي عبر العصور المختلفة بدءاً من عصر ما قبل الإسلام، وصولاً إلى العصر الفارسي.

1. عصر ما قبل الإسلام:

كانت الكتابة في عهد ما قبل الإسلام تعتمد على أبجدية من أصل يمني، منتشرة في شبه الجزيرة العربية، وهي من أصول خط المسند.

2. عصر صدر الإسلام والخلفاء الراشدين:

اهتم المسلمون بالخط العربي بكثرة، وبرعوا بأساليب تطويره؛ وذلك لتدوين سور القرآن الكريم، فبدأ الخطاطون يبتكرون أساليب جديدة لتدوين الخط بأسلوب زخرفي جميل.

3. العصر الأموي:

هو العصر الذي يلي عهد الخلفاء الراشدين، وقد تميز هذا العصر بالرقي والترف وخصوصاً فيما يتعلق بأمور الزينة والفن، فكانت مهنة الخطاطين من أعظم المهن في وقتها؛ إذ زُيِّنت بالخط العربي قصور الملوك، وجدران المساجد، والصُحف وغيرها.

4. العصر العباسي:

تميز هذا العصر ببلوغ ذروة الخط العربي، لما كانت للدولة العباسية من أشقاء وعلاقات في أنحاء العالم، فكان لا بد من تطوير هذا الخط ليلائم مختلف الثقافات؛ إذ استُخدِم من قِبل الفلاسفة والعلماء والشعراء وحتى الأطباء، وتبادلوه في مختلف أرجاء الأرض آنذاك.

5. العصر الأندلسي:

نشطت اللغة العربية في هذا العصر؛ إذ كانت لغة المثقفين لتبادل المعارف، وأصبحت الكتابة اليدوية شيئاً متداولاً بين الناس وليس فقط بين الخطاطين، الأمر الذي زاد من تطورها وانتشارها؛ إذ استُخدِم الخط الكوفي آنذاك لتزيين المساجد والمعابد والكنائس، وكذلك في المدارس من قِبل الطلاب لتعلُّم القراءة والكتابة.

6. العصر الفاطمي:

كان لهذا العصر دور هام في انتشار الخط العربي في مصر ونواحيها، فقد انتشر الخط الكوفي أولاً ليتطور لاحقاً إلى خط النسخ والرقعة، وكسائر العصور استُخدِم لتزيين واجهات وجدران الأماكن المقدسة، إضافة إلى بعض القصور.

إقرأ أيضاً: علم البلاغة: نشأته وأقسامه

7. العصر العثماني:

ظهر في هذا العصر ما يسمى بالخط الديواني، وهو أسلوب جديد في تخطيط الخط العربي، وقد تميز بليونته، إضافة إلى روعة زخارفه، فقد استخدمه العثمانيون بوصفه رمزاً لثقافتهم الإسلامية، ونُقِشَت به السيوف والترس، إضافة إلى المساجد، وكُتِبَت به بعض المصاحف، وكان الخط المتعارف عليه لتداول قرارات السلاطين الرسمية في المحاكم وغيرها.

8. العصر الفارسي:

كما ذكرنا آنفاً، طُوِّر في بلاد فارس خط "النستعليق" وهو الخط المتداول المتعارف عليه في تلك المنطقة، إذ ما يزال يُستخدَم حتى يومنا هذا في الشعر والأدب وغيرها.

أنواع الخط العربي:

1. الخط الكوفي:

الخط الكوفي

أقدم أنواع الخط العربي، واستُخدِم لكتابة سور القرآن الكريم لما يزيد عن 500 عام.

2. خط الرقعة:

خط الرقعة

أسهل أنواع الخط العربي، ويُستخدَم حالياً للكتابة اليومية المتداولة، واشتُقَّ اسمه من كلمة "رقعة"؛ أي "قماش"، وسبب تسميته أنَّه كان يُكتَب على قطع صغيرة من الورق أو القماش.

3. خط النسخ:

خط النسخ

قديماً كان أحد أنواع الخطوط التي تُستخدَم لنسخ القرآن الكريم، ومن هنا جاءت تسميته، أما في الوقت الحالي يُستخدَم خط النسخ في الطباعة الإلكترونية، وهو خط الكتابة الإلكترونية عموماً، ويتميز بوضوحه وسهولة قراءته لكبر حجم حروفه ووسعها.

4. الخط الفارسي:

الخط الفارسي

هو الخط المتداول في بلاد فارس، ويتميز بسلاسته وسهولة كتابته وقراءته.

5. خط الإجازة:

يسمى بذلك لكونه يُستخدَم لتوقيع التراخيص المختلفة، ويمتلك قليلاً من الصعوبة والتعقيد، ولكنَّه ذو طابع فريد ومميز عن باقي الخطوط ويمكن تمييزه بسهولة، فقواعده قليلة ولا يخضع لكثير من التدقيق كسائر الخطوط.

6. الخط الديواني:

الخط الديواني

أول من خطط به العثماني "إبراهيم منيف" في العهد العثماني، ويُعَدُّ من أجمل خطوط اللغة العربية، وانتشر في بلاد واسعة بعد الغزوة التي قام بها "الفاتح" على "القسطنطينية"، وهو خط جميل ذو زخارف بيضوية واسعة.

7. خط الطغراء:

وهو الخط المميز للنقود العربية قبل العهد العثماني.

8. الخط المغربي:

الخط المغربي

انتشر في المغرب العربي، واستُخدِم في كتابة القرآن الكريم.

أشهر الخطاطين العرب:

1. ابن مقلة:

هو "أبو علي محمد بن مقلة"، عراقي الأصل، مولود في بغداد في عائلة خطاطة مشهورة بتخطيط كافة أنواع الخطوط العربية، وقد كتب "ابن مقلة" المصحف الشريف مرتين، وتوفي رحمه الله عام 329 هجري.

2. ابن البواب:

هو "علي بن هلال أبو الحسن"، ولُقِّب بـ "ابن البواب" لأنَّ والده عمل بواباً لدى "آل بويه"، ومن أهم أعماله أنَّه كتب 64 مصحفاً.

3. ياقوت الرومي:

هو أحد مماليك الخليفة "المعتصم بالله"، وكُنِّي بـ "أبي در"، وأصله من بلاد الروم، واشتُهر بمخططات عدة، وخطَّط المصحف مرتين.

4. محمد طاهر الكردي:

هو أحد الخطاطين العرب المعاصرين أقام في السعودية، وسافر إلى مصر، وكتب المصحف بخط النسخ، وأصبح المصحف المعروف والمتداول في المملكة العربية السعودية.

5. البوصيري:

هو "أبو عبد الله محمد بن سعيد"، واشتُهر بتعليم كثير من التلاميذ على يده، فقد خرَّج أكثر من 1000 طالباً أسبوعياً من مدرسته لتعليم الخط العربي.

6. الضحاك بن عجلان:

اشتُهر في العهد العباسي في خلافة "أبي جعفر المنصور" و"محمد المهدي"، وكان الخط في تلك الحقبة معياراً لتطور الدولة ورقيها؛ إذ تم التركيز على اختيار أجود أنواع الأقلام والمحابر، وأَوْلى الحكام "عجلان" أهمية خاصة لشدة تركيزه وجمال مخطوطاته.

إقرأ أيضاً: الأخطاء الشائعة في اللغة العربية

في الختام:

لقد قدَّمنا لكم معلومات وافية عن تاريخ الخط العربي ونشأته، ونتمنى أن يكون مقالنا قد حقق الفائدة المرجوة لكم.




مقالات مرتبطة