تاريخ التدخين

"فارتقب يومَ تأتي السماءُ بدخانٍ مبين. يغشى الناسَ هذا عذابٌ أليم". (سورة الدخان)



الإسلام و التدخين:
 من ذكرياتي الشخصية أيام طفولتي وصباي في رأس الخيمة ، أن والدي مفتي البلاد وقاضيها آنذاك من المناهضين للتدخين، كان يختتم خطبة الجمعة كل أسبوع بالنهي عن التدخين ويؤكد تحريمه شرعا حتى ظن بعض المصلين إن النهي عن التدخين أحد أركان خطبة الجمعة ولذلك لما اختتم مرة الخطبة بدون النهي عن التدخين قام أحد المصلين وقال "نسيت التمباك ياشيخ".
وكان قد كتب قصيدة ضد التدخين حفظها طلابه ، و من كثر ما كنت أسمعها في المجلس علق في ذهني منها بيتن منذ أكثر من أربعين سنة :
حُرِّمَ البيعُ بـه مثل الشرا ودع التمباك واهجر شربه
يُـورثُ السلَّ و يُعمي البصرا فمُّ أهليه يحاكي كـنـفا
الشيخ أحمد بن حجر 1950
الاسم :
ولقد عرفنا عدة أسماء لهذا النبات في اللغة العربية مثل: التبغ والتتن والتمباك وهي كلمات أجنبية معربة.
إن الوطن الأصلي للتبغ هو القارة الأمريكية .
في نوفمبر 1492 رأى كريستوفر كولومبوس Christopher Columbus وبحارته التبغ وهو يُدخن لأول مرة في جزيرة كوبا Cuba ولكنه سُمي Tobacco توباكو نسبةً إلى الأنابيب التي كان يُدخن بها في جزيرة سانتو دومينغو Santo Domingo وكان الهنود يسمون الأنبوب Tobaco ولكن الأوربيون أطلقوا الاسم على النبات نفسه.
(كان الهنود يعتقدون أن التبغ به فوائد طبية ولهذا الغرض نقله الأوربيون إلى أوربا، كما كان الهنود يدخنون في احتفالاتهم الدينية والاجتماعية).
النيكوتين:
في سنة 1559 أخذ السفير الفرنسي جين نايكوت Jean Nicot بذور التبغ من ليزبون Lisbon من التجار الهولنديين العائدين من العالم الجديد وأرسله كدواء للملكة كاترين دي ميديسي Catherine de Medici ومنذ ذلك الوقت بدأت زراعته في فرنسا واشتهر نيكوت Nicot بسببها.
و لتشريفه سميت هذه الفصيلة من النبات نيكوتينيا Nicotiana ، وعندما استخرجت مادة الإدمان من أوراق التبغ1828 سميت النيكوتين .
بعد سنة 1500 نَشر البرتغاليون التبغ في آسيا ، و نشره الأسبان في الفلبين.
وفي سنة 1586 أُدخل التبغ وتدخين البايب في بلاط الملكة اليزابيث Elizabeth .
وفي سنة 1600 انتشر التبغ في كل أوروبا.
ولم تأت نهاية القرن السابع عشر حتى أصبح التبغ من المواد التجارية في كل أنحاء العالم. وبدأت بعض الأصوات المناهضة للتبغ تبرز في المجتمعات الأوربية.
وعندما ماتت الملكة اليزابيث تولى العرش سنة 1603 جيمس الأول James First وكان الملك معروفا بكرهه للتدخين . وفي سنة 1604 قال الملك جيمس الأول " والآن أيها الناس الطيبون دعونا نعتبر : ما هو داعي الشرف الذي يدعونا إلى تقليد أولئك الهنود الحقراء المتوحشين الذين لا يعبدون إلهاً ، في عاداتهم القذرة، تلك العادة المؤذية للعين، المزعجة للأنف، المضرة للمخ، الخطرة على الرئة، وكأن ذلك الدخان المرعب برائحته السيئة ينبع من حفرة لا قعر لها".
ثم في السنة التالية رفع الملك الضرائب على التبغ 40 مرة لتقليل انتشاره ولكن ذلك أدى إلى زيادة تهريبه.
اكتشاف أضرار التبغ :
سنة 1761: وصف طبيب بريطاني جون هيل John Hill أول سرطان سببه التبغ ، سرطان الأنف.
سنة 1859: نشر طبيب فرنسي 68 حالة سرطان في الفم بسبب التدخين، وذكر أن سرطان الشفاه يتكوّن في النقطة التي يلامس البايب أو السيجار الشفاه باستمرار أثناء التدخين.
ولكن في القرن التاسع عشر لوحظت العلاقات التالية بين التبغ والسرطان :
موقع السرطان طريقة الاستعمال
·         الفم المضغ
·         الفم السيجار
·         الأنف الاستنشاق
·         الشفاه البايب
سنة 1938: لاحظ بيرل Pearl في مقارنة بين المدخنين وغير المدخنين في المحاربين القدامى، أن المدخنين يموتون في سن مبكرة، والفرق في العمر حوالي 7 سنوات، أي تساوي جميع مجموع الوقت الذي قضاه الشخص في التدخين.
وبعد ذلك توالت الاكتشافات الكثيرة المبرهنة على أضرار التدخين على الصحة.
في سنة 1946 وبعد مراجعة 7000 مقال عن التدخين والصحة من قبل لجنة علمية متخصصة أعلنت الحكومة الأمريكية القرار التاريخي للجراح العام أن "التدخين يشكل خطورة مهمة على الصحة تحتم اتخاذ إجراءات مناسبة لتصدي له".
والغريب أنه في سنة 1966 قرر الكونجرس الأمريكي إرسال 600 مليون سيجارة لمساعدة ضحايا الفيضانات في الهند!
الخلاصة:
التدخين طاعون هذا العصر ولكنه يختلف عن الطاعون الذي تسببه الجراثيم حيث تظهر أعراض مرض الجراثيم على الضحية خلال أيام قليلة، بينما هذا الطاعون لا تظهر أعراضه على الضحية إلاّ بعد سنوات وتسبب الإصابة بالأمراض التي كانت تظهر نتيجة لتقدم السن مثل السرطان وأمراض القلب. لذلك لم تعرف حقيقة أضراره في القرون الأربعة الأولى من استعماله. فالدخان هو السم القاتل، يحتوي على آلاف الكيماويات وأعداد من المواد المشعة والمسرطنة بما فيها بولونيوم 210 المشّع مما يجعل التبغ أخطر سم قاتل للإنسان المدخن أو الذي لا يدخن ولكن يستنشق دخان المدخنين من حوله.

المصدر: بيوتنا كنانة أونلاين