تأثير المتفرِّج: من الأفضل أن تطلب المساعدة عندما تحتاج إليها

تخيل أنَّك تتجوَّل في البرية وحيداً وبعيداً جداً عن البشر، لكن عندما تستدير منعطفاً تجد شاباً يرتدي ملابس ممزقة ويبدو أشعث وغير متماسك، وإنَّك في طريقك إلى المخيم، لكن من الواضح أنَّه بحاجة إلى المساعدة، وعندما تقترب منه، يُخبرك بأنَّ ساقه كُسرت، ولقد كان في الغابة لأيام عديدة، وسيكون ممتناً إذا تمكنت من حمله، وإن لأمتارٍ قليلة، ليستطيع العودة إلى الطريق.



ماذا ستفعل؟ هل ستتوقف وتساعده أم سوف تتجاهله وتستمر في طريقك؟

إذا كان لديك الحد الأدنى من اللطف، فلا بدَّ أنَّك ستتوقف وتساعده، وفي الواقع، ربما تشعر أنَّ من الواجب القيام بذلك، فلا يوجد أحد في الجوار، أنت الشخص الوحيد الذي يمكنه المساعدة، ولا تريد أن تشعر بالمسؤولية عما سيحدث إذا لم تساعده، وقد لا تساعده فقط؛ بل ربما تلغي خططك وتحمله طوال الطريق دون أن تفكر في الأمر على الإطلاق.

الآن تخيل نفسك في ملابسك الأنيقة تمشي في وسط المدينة إلى يومك الأول في وظيفة جديدة، ولم تتأخر بعد؛ لكنَّك في عجلة للوصول إلى هناك مبكراً، وجميع الناس في رحلاتهم الصباحية مثلك تماماً، وها أنت تشق طريقك خلال الازدحام.

في منتصف الطريق، ترى رجلاً مشرداً يحمل لافتةً تقول: "أحتاج إلى المال لشراء الطعام، أيُّ شيء قد يساعد".

هل ستتوقف لتعطيه المال أم سوف تواصل طريقك؟

ربما تخبر نفسك الآن أنَّك ستتوقف؛ لكنَّ الحقيقة ليست كذلك، ويمكنك على الأرجح تذكر مراتٍ عديدة في حياتك، ربما في الأيام القليلة الماضية فقط إذا كنت تعيش في مدينة كبيرة، عندما واصلت طريقك بدلاً من التوقف للمساعدة.

ما وقعت ضحيته يسمى تأثير المتفرِّج (لامبالاة المتفرِّج)، وهو لا يمنعك فقط من فعل الشيء الصحيح بصفتك شخصاً لطيفاً ومهتماً؛ بل يمنع الآخرين أيضاً من مساعدتك عندما تحتاج إلى المساعدة، تابع القراءة لتتعلم كيفية التغلب على هذه الظاهرة النفسية الغريبة حتى تصبح مستعداً لمساعدة المحتاجين دائماً، وحتى تضمن حصولك على المساعدة التي تحتاج إليها في الأوقات العصيبة.

تأثير المتفرِّج: مشكلة شخصٍ آخر

عندما كنت طفلاً صغيراً، وأردت أن تفعل شيئاً ما لأنَّ جميع أصدقائك سيفعلونه، ربما كانت والدتك تسألك: "إذا قفز جميع أصدقائك من فوق الجسر، هل ستقفز أيضاً؟".

كان هدفها هو إقناعك بالتفكير ملياً في قراراتك وعدم السماح لأصدقائك بالتأثير فيك وإقناعك بالقيام بأشياء غبية سوف تندم عليها لاحقاً، وكنت تعلم أنَّ هذا هو هدفها؛ لذلك أجبت والدتك: "لا، بالطبع لا".

لكنَّ الحقيقة هي أنَّك، ما لم تنتبه جيداً لنفسك طوال الوقت، كنت على الأرجح ستقفز على الفور من ذلك الجسر؛ فقد أثبتت الأبحاث النفسية ذلك مراراً وتكراراً، فمن أجل التوافق مع محيطك، سوف تُعدِّل سلوكك ليتناسب مع سلوك المجموعة، ولهذا السبب تتصرف بطريقة معينة مع أصدقائك، وبطريقة مختلفة مع عائلتك، ولهذا السبب تتصرف بطريقة ما في العمل، وبطريقة أخرى في المنزل.

إنَّه أمرٌ جيد عندما يساعدك على بناء علاقات قوية والتوافق مع المحيط؛ لكنَّه قد يكون خاطئاً جداً أيضاً، وإنَّ المرور أمام شخصٍ مشرد يحتاج بشدة إلى مساعدتك دون تقديم العون له هو مجرد مثال واحد.

هذا ما يسمى بتأثير المتفرِّج، عندما تكون وحدك وتجد مشكلة، تشعر بأنَّ مهمتك هي حلها؛ ففي النهاية، لا يوجد شخص آخر ليحلها، لكن عندما تكون ضمن مجموعة كبيرة من الأشخاص، فإنَّك لست الوحيد القادر على المساعدة؛ لذلك لا تبدو الحاجة مُلحةً للغاية.

يسمي علماء النفس هذا الأسلوب انتشار المسؤولية، إنَّك في عجلةٍ من أمرك ولديك كثير من الناس في الجوار، ومهما كانت المشكلة التي تتطلب الحل، سواء ذلك الرجل المتشرد الذي يحتاج إلى طعام، أم القمامة المرمية في الحديقة، أم ذلك الجرو الضائع، سوف يعتني بها شخص آخر بالتأكيد.

إنَّها فكرة منطقية؛ لكنَّ المشكلة هي أنَّ كل شخص آخر يفكر بالطريقة نفسها، فهم أيضاً في عجلة من أمرهم ويفترضون أنَّك ستساعد؛ لكنَّ الأمر أسوأ من ذلك، فبينما تتجنب المشكلة دون إعطائها اهتماماً كبيراً، فإنَّ كل من حولك يفعل الشيء نفسه، ولا يتنبه الجميع لوجود مشكلة على الإطلاق؛ ففي النهاية إن كان هناك مشكلات، لكانت قد لفتت انتباه الآخرين، أليس كذلك؟

هكذا تُغفل معظم المشكلات التي تؤثِّر في حياتك كل يوم.

شاهد بالفيديو: رحلة الحياة بـ (10) خطوات بسيطة

التغلب على تأثير المتفرِّج: إصلاح العالم وتحسين حياتك

عندما تسأل شخصاً ما: "هل ستمر أمام شخص محتاج دون أن تساعده؟"، من النادر أن يقول الشخص أنَّه لن يساعد، يفترض الجميع أنَّهم سيفعلون الشيء الصحيح عندما تستدعي الحاجة ذلك؛ لكنَّ تأثير المتفرِّج يمنعنا من إدراك هذه الحاجة، وإذا كنت تعتقد أنَّ كل هذا لا يؤثِّر فيك أبداً، ففكر مجدداً.

يحرمك تأثير المتفرِّج كل يوم من الحصول على المساعدة التي تحتاج إليها، سواء في المنزل، أم في العمل، أم في أثناء السفر، وفي كل مكان؛ لذا تذكر أنَّنا جميعاً نعدل سلوكنا ليتناسب مع من حولنا، على سبيل المثال:

  1. إذا كنت تشعر بأنَّك تستحق وتحتاج إلى زيادة في رابتك؛ لكنَّك لا ترى أياً من زملائك في العمل يطالب بها، فمن غير المرجح أن تطلبها بنفسك، وفي هذه الأثناء، يرى جميع زملائك أنَّك لا تطلب علاوةً فيفعلون الشيء نفسه.
  2. إذا أردت تعلم القيام بشيء ما، لكن يبدو أنَّ جميع أصدقائك يعرفون كيفية القيام به، فمن غير المرجح أن تطلب المساعدة لأنَّهم لم يطلبوا المساعدة، وبالطبع، قد يفكرون في الشيء نفسه.
  3. ربما لديك شيء خاطئ في إحدى علاقاتك، لكن تأثير المتفرِّج يمنعك من الحديث عنه لأنَّك تعتقد أنَّ الشخص الآخر لا يرى هذه المشكلة؛ لكنَّه طوال الوقت ينتظر منك أن تقول شيئاً.

إنَّ المشكلة في تأثير المتفرِّج بسيطة، وهي انتظار الآخرين لإيجاد حل للمشكلة؛ لكنَّ حلها أيضاً بالسهولة نفسها، والعكس صحيح.

إنَّ إصلاح الأخطاء التي تراها في العالم، ومن ذلك مشكلاتك الخاصة في المنزل أو في العمل أو في أي مكان، يتطلب تحمُّل المسؤولية الشخصية الكاملة عنها.

بدلاً من انتظار الآخرين لإدراك وجود المشكلة وحلها، عليك أن تحكم على الأشياء كما تملي عليك أخلاقك، فإذا بدا شيءٌ ما خاطئاً، لكن لا أحد يفعل أيَّ شيء حياله، فعليك أن تأخذ الأمر على عاتقك.

قد تخاف من أنَّ أحداً لن يرى المشكلة وستُترك وحدك للتعامل معها؛ لكنَّ طبيعة تأثير المتفرِّج تُملي عكس ذلك تماماً؛ فالجميع يرون المشكلة، وهم جميعاً ينتظرون أن تفعل شيئاً حيالها، بمجرد القيام بذلك، فإنَّك ستلفت الانتباه إلى المشكلة، وسوف يشعر الآخرون بأنَّهم مضطرون إلى المساعدة أيضاً.

ينطبق ذلك على مشكلات حياتك بقدر ما ينطبق على مشكلات الآخرين، وبسبب تأثير المتفرِّج، قد يرى الآخرون أنَّك بحاجة إلى المساعدة؛ لكنَّهم لن يتدخلوا حتى يشعروا بأنَّ من مسؤوليتهم الشخصية القيام بذلك، فإذا لم يفعل أحدهم شيئاً، لن يفعله أي شخص آخر.

إقرأ أيضاً: 5 أسباب تشجعك على طلب المساعدة عوضاً عن تقديمها في العمل

إذا كنت بحاجة إلى مساعدة، فعليك التواصل مع شخص يمكنه مساعدتك وطلب المساعدة منه على وجه التحديد، على سبيل المثال:

  1. إذا كنت تائهاً في مدينة أجنبية كبيرة، فلن يساعدك النظر إلى خريطتك نظراتٍ حائرة، تكلَّم مع أحدهم واسأل عن الاتجاهات.
  2. إذا كنت بحاجة إلى زيادة في الراتب، فإنَّ التلميح إلى أنَّك متأخر في سداد الرهن العقاري لن يجلب لك المال الذي تحتاج إليه، عليك تحديد موعد مع رئيسك في العمل للتحدث عن التعويضات المالية.
  3. إذا كنت مستلقياً تنزف على الرصيف، فلا تتوقع أنَّ مئات الأشخاص سوف يأتون لمساعدتك على الفور، عليك أن تشير إلى شخص ما وتقول بوضوح أنَّك بحاجةٍ إلى مساعدته.
إقرأ أيضاً: ما تأثير المتفرج في حياتنا؟

في الختام:

أتَذْكُر ذلك الرجل المتشرد ذو اللافتة، الذي مررت به في ذلك اليوم؟ الرجل الذي مر به الجميع أيضاً؟ كيف كنت ستتصرف لو أمسك بك من ذراعك، وقال: "سأموت بحلول الغد إذا لم أحصل على بعض الطعام، هل بإمكانك مساعدتي؟".




مقالات مرتبطة