بين القرار والتنفيذ

 

محتويات المقالة :

أولا : ما التنفيذ؟
ثانياً : التنفيذ ودوره في صنع القرار
ثالثاً : عناصر التنفيذ
أ - إبلاغ القرار
ب - تحديد خطة العمل
ج - توزيع المسؤوليات
د - الجدول الزمني
هـ - مصادر الميزانية
رابعاً : متطلبات الإنجاز
أ - مفكرة الجيب
ب - مرض العجز التنفيذي
ج - أنجز 100 % وليس 99، 99 %
د - الأب والأبناء الثلاثة
أهداف الفصل
لدى إكمال هذا الفصل، ستكون قادراً على:
l الربط بين عملية تنفيذ القرار وصنعه.
l التخطيط لتنفيذ القرار.
l إدماج التنفيذ ضمن عملية صنع القرار



أولا : ما التنفيذ؟

إن جدوى أي قرار تكمن في صحة تنفيذه. والقرار الفعال يتطلب أفعالا وسلوكاً معيناً من جميع من يتعلق بهم القرار. قد يستلزم القرار الكف تماماً عن اية اعمال معينة. وفي حال الحاجة الى اداء اعمال بعينها ينبغي التنفيذ بشكل سليم لتحقيق الاثر الانجع للقرار.
والتنفيذ هو وضع القرار موضع التطبيق بالزام شخص او اشخاص معينين باداء مهام محددة في وقت معين ولفترة زمنية محددة باستخدام امكانات مادية محددة.

ثانياً : التنفيذ ودوره في صنع القرار

يظل القرار هدفاً منشوداً حتى يتم تنفيذه عملياً وتحويله الى انجاز ملموس. واتخاذ القرار وتنفيذه عمليتان تكمل احداهما الاخرى، وقد نهى القرآن الكريم عن القول المخالف للفعل وامر بالجد والحزم في ما نقرر عمله فقال:
يأيها الذينَ ءامنوا لمَ تقولونَ ما لا تفعلونَ (2) (الصف)
... فاذا عزمتَ فتوكل على اللهِ انَّ اللهَ يحبُّ المتوكلينَ (159) (ال عمران)
واتخاذ القرار دليل على التفكير في معطيت المسألة واستكشاف البدائل المختلفة، وموازنة المحاسن والمساوىء، وتحديد جهات التنفيذ. اي ان اتجاه العمل عند هذه النقطة يكون واضحاً للجميع.
ان القرار الفعال يعني الالتزام بالعمل وبالنتائج، واول قاعدة في ذلك هي التأكد من مشاركة كل من بامكانه المساهمة في صنع القرار. كما انه من المهم ايضاً التأكيد على الالتزام منذ البداية بالعمل في اطار القرار نفسه. ولا يمكن اعتبار ان القرار قد اتخذ عملياً الا اذا أوكلت مهمة تنفيذه حسب خطوات محددة الى شخص معين يتحمل مسؤولية ذلك.
والقرار الناجح هو الذي يكون تنفيذه جزءاً منه. ويتحقق ذلك من خلال المشاركة الموسعة من قبل جميع من يعنيهم القرار، ومن خلال النقاش اثناء عملية صنع القرار. بهذا تتحقق المشاركة المطلوبة والالتزام الفعلي من قبل جميع الاطراف المعنية. بالاضافة الى ذلك، فان كل قرار يبنى على توقعات اساسية معينة يجب اختبارها بشكل مستمر في ضوء الواقع المعاش، ويتم ذلك من خلال دراسة ردود الافعال للتأكد من قابلية القرار للتنفيذ في عالم الواقع.

ثالثاً : عناصر التنفيذ

يتطلب تحويل القرار الى عمل الاجابة عن عدد من الاسئلة المحددة التي يتوقف عليها التنفيذ الصحيح للقرار، وهذه الاسئلة هي:
l من يجب ابلاغه بالقرار؟
l ما العمل المطلوب؟
l من يجب ان يقوم به؟
l متى يجب القيم به؟
l من سيغطي تكاليف العمل؟
تتم الاجابة عن هذه الاسئلة في الخطوات التالية:

أ - ابلاغ القرار :يجب ابلاغ كل من له علاقة بالقرار، ومن هؤلاء من اسهم في صنعه ومن لم يسهم ومن سيشارك في تنفيذه او تمسه بعض نتائجه.
ب - تحديد خطة العمل :ان تحديد العمل المطلوب والاجراءات الواجب اتخاذها هو من صلب صنع القرار. ويجب ان تكون الاجابات محددة وقابلة للتطبيق على الواقع لانها تحدد نوع الالتزامات التي يتطلبها القرار. ولذا يجب فهم الوضع فهماً تاماً قبل اتخاذ القرار المطروح. ويوجب كذلك وضع خطة للاعمال والتحركات المطلوبة تمكن العاملين من القيام بما يوكل اليهم من مهام، بناءً على تكليفات بالعمل محددة وواضحة.
ج - توزيع المسؤوليات :لا بد من توزيع المهام والمسؤوليات التي قد يتولى انجازها فرد او وحدة او قسم مختص. وينبغي في كل حالات التكليف تحديد اسم الشخص او الجهاز ووظيفته لازالة اي التباس ومنع تحويل المسؤولية الى غيره. ان تكليف عدد كبير من الناس بعمل واحد لا يضمن تأديته لان كل شخص سيعتمد على غيره في التنفيذ. ونذكر هنا بقصة الملك وخزان العسل.

الملك وخزان العسل

يحكى ان ملكاً محباً للعسل واراد ان يعرف مدى حب شعبه له، فأمر بوضع برميل كبير في وسط المدينة، وطلب من كل من يحب الملك ان يصب كأساً من العسل الصافي في البرميل. وخطر لاحد الرعية ان يصب كأساً من الماء بدلاً من العسل الغالي الثمن دون ان يؤثر على باقي العسل ظناً منه ان جميع الافراد سوف يجودون بالعسل الصافي، وعندما كشف الملك على البرميل وجده مليئاً بالماء اذ ان الفكرة نفسها خطرت ببال جميع الناس!!

د - الجدول الزمني :لا بد من وضع جدول زمني للمهام، فقد يكون عامل الزمن عنصراً هاماً للقرار، وقد يفقد القرار تأثيره اذا ما نفذ قبل وقته او بعده او اذا كان التنفيذ يتم على مراحل متسلسلة. فالجميع يعلم مدى الانطباع السيء الذي يسببه تأخر وصول خطاب ما عن الموعد المقرر للرد عليه.

هـ - مصادر الميزانية:اذا لم تكن التكاليف معروفة بدقة، فينبغي وضع تقديرات تقريبية واقعية لها استناداً الى المتوافر من المعلومات. والقرار الفعال هو ذلك القرار الذي يمكن تنفيذه في اطار ما تحدده الميزانية المعتمدة.

رابعاً : متطلبات الانجاز :اما الان وقد تعرفنا على عملية التنفيذ، فبأمكاننا الاستفادة من بعض المؤشرات العملية في انجاز الاعمال اليومية. وسنحاول من خلال مجموعة ملاحظات وطرائف موجزة ان نبين الفرق بين النجاح والاخفاق في التنفيذ مشيرين الى بعض الوسائل الهامة التي تساعد على النجاح، مثل مفكرة الجيب، والتركيز على التنفيذ، اكثر من الكلام، والسعي الى تنفيذ العمل بنسبة 100 %، وتقويم الافراد بحسب ادائهم.

موقف عملي

فكر وابحث قبل رد الفعل الالي!
كنت طالباً بكلية نوروود للتكنولوجيا بلندن عام 1959، وجاءني أحد الاخوة صباح يوم يقول: «اني اراك دوماً بشوشاً مبتسماً ووددت لو كنت مثلك». وفي مساء اليوم نفسه قابلني آخر يقول: «ما لي اراك عبوساً دائماً؟ ما الذي يضايقك؟».
في عام 1979 كنت اشرف على مخيم تدريب قيادي نظمته في قبرص الندوة العالمية للشباب الاسلامي بالاشتراك مع الاتحاد الاسلامي العالمي للمنظمات الطلابية. وجاءني اثنان من الاخوة في اليوم الثالث يقولان: «ان البرنامج صار للغاية والمشاركون يشعرون وكأنهم في جو عسكري!» وفي رابع يوم جاءني اثنان آخران بشكوى حول سهولة البرنامج وتسيبه وضرورة تغييره لتوفير الروح العسكرية الانضباطية الصارمة.
ان التسرع في ردود الافعال وتغيير المواقف من اجل ارضاء الاخرين من دون دراسة يؤدي الى كوارث. فللناس مهاد وتجارب ونظرات مختلفة ومن واجبنا التحليل والتحري والتأكد والتشاور قبل الاقدام على التصحيح او التغيير. ان الادارة بطريقة رد الفعل مفضية لا محالة الى التميع والضياع، وعلينا ان نستمع للجميع ثم نتصرف بناءً على خطة تقوم على التفكير والتمحيص بلا هوادة.
ففي الوقت الذي نمثل فيه أعضاء مؤسستنا، فاننا نتحمل مسؤولية امام الله سبحانه وتعالى وهي ان نكون حكماء في قيادتنا للاخرين. على الحركة ان تقود الناس ولا تسمح لهم ان يقودوها اعتباطاً.

أ - مفكرة الجيب :ان الانسان سُمِّي انساناً لأنه كثير النسيان على أحد الاقوال. وللتغلب على ذلك، نحمل مذكرة صغيرة أو بطاقة أو ورقة في الجيب، لتسجيل كل الأمور الهامة المطلوب القيم بها في اليوم والليلة، ويفضل ترتيبها حسب الاولوية. ويجب الرجوع الى المفكرة مرتين على الاقل كل يوم صبحاً ومساءً لتعديلها وشطب ما تم انجازه في ذلك اليوم. ومن شأن ذلك ان يبعث في المرء احساساً بالانجاز. لذا ينصح باتباع هذا النظام مهما كانت ذاكرة المرء قوية لفوائده الجمة وأثره المدهش على رفع مستوى الاداء. وقديما قيل: افقر قلم افضل من اطول ذاكرة!

ب - مرض العجز عن التنفيذ :من الحقائق المعروفة ان العمل الجيد هو الذي يقوم على اسس نظرية سليمة، لكن الذي يضع التصورات والمفاهيم هم الاشخاص القياديون او اهل المعرفة. فماذا اذن عن الافراد العاديين العاملين؟ اغلبية هؤلاء هم ضحية العجز، وما على المرء الا ان يراقب الاعضاء اثناء الاجتماعات ويقارن نسبة القول الى العمل.
يجب عليا التركيز على العمل اكثر من القول، فالله ورسوله والمؤمنون سيشهدون على اعمالنا. ومن اخطر المساوىء ان يصبح بديلاً كثرة القول عن العمل، فكلما كثر كلامنا عن مشروع ما، يخيل الينا بعد فترة انه قد تحقق. ولعل احسن مثال على ذلك وضع مناهج تدريس للمدارس الاسلامية، وقد كثر الكلام حولها بشكل واسع بدون ان يتحقق شيء ملموس، وحل الكلام الكثير - كما هي طبيعة البشر - محل العمل القليل.
كلما قل العمل كثر الكلام وذلك للتعويض عن الشعور بالذنب. ولاستيعاب هذا الامر، ينبغي اعتبار الكلام بمثابة الدين المستحق والعمل بمثابة الرصيد، فتكون كل كلمة ديناً على المرء يدفعه، وكل عمل رصيداً له يقبضه، وبذلك يحول من شخص يكثر الكلام الى شخص يهتم بالعمل ويسعى اليه.

ج - انجز 100 ; وليس 99، 99 %
قد يؤدي 90 % من الناس اعمالهم نصف كاملة، ويؤدي 9 % اعمالهم بنسبة 95 %، بينما يؤدي 1 % فقط اعمالهم بمقدار 100 %. وهذا يعني انك كمسؤول، لا تستطيع ان تكل المهام المطلوب انجازها كاملة الا لواحد بالمائة فقط من القوى العاملة لديك، مما يلقي بدوره عبئاً ثقيلاً على الادارة المسؤولة التي يقع عليها انجاز بقية العمل المطلوب. هذه الظاهرة تعرقل سير العمل. وكثيراً ما يسمع المرء بعض العاملين يؤكدون انجاز العمل كاملاً فيما عدا بعض اللمسات الطفيفة، اي ان العمل لم يكتمل، والا فلماذا لا تستكمل تلك اللمسات البسيطة؟
ما اكثر الاعذار، وما اكثر اولئك الذين يقدمون الاعذار لعدم تمكنهم من انجاز العمل المطلوب. اننا نحتاج الى الشخص الذي يعتمد عليه، والذي رغم كل الاعذار المشروعة، يقتحم العقبات وينجز المهام بمقدار 100 % يمتلك هذا النوع من الناس دوافع ذاتية وقدرة على ترويض النفس وتربيتها. على المرء أن يسأل نفسه دائماً عما اذا كان يمكن الاعتماد عليه وما مقدار انجازه للعمل: 100 % ام 99، 00 %
وعليك ان تسعى لتكون ذلك الرجل الواحد في المائة الذي ينجز عمله بمقدار 100 % مصداقاً للحديث:
«انما الناسُ كإبل مائة، لا يوجدُ فيها راحلةٌ»

د - الاب والابناء الثلاثة!
جاء اناس الى رجل يسألونه غاضبين: «لماذا تفضل ابنك الصغير على اخويه؟» فطلب منهم ان يتريثوا حتى ينضج لهم السبب ثم نادى ابناءه الثلاثة وطلب منهم ان يذهبوا الى الميناء، ثم يعودوا اليه بعد ساعة بتقرير عن تلك الزيارة. فذهبوا ثم رجعوا بعد ساعة من الزمان وقدم كل منهم تقريره:
الابن الاكبر: لقد تسلمنا شحنة من الالات.
الابن الاوسط: جاءتنا ثلاث آلات من اليابان امس.
الابن الاصغر: وصلتنا ثلاث آلات لكن هناك قطع غيار مفقودة، وهناك كسر في احدى الالات وقد قدمت طلباً للتأمين بالتعويض عنها، وعلينا ان نستكمل الاوراق المطلوبة بحدود الاسبوع القادم كي نتجنب دفع غرامة تأخير لهيئة الميناء.

انجز عملك اولاً، واعترف بقصورك قبل ان تقارن نفسك بالاخرين.

تمرين

المراحل الست للمشروع
هل تذكر مشروعاً مر بالمراحل الست التالية بالترتيب؟
1 - الحماسة
2 - الاحباط وخيبة الامل
3 - الهلع والرعب
4 - البحث عن كبش الفداء
5 - معاقبة البريء
6 - الثناء على القاعد الذي لم يشارك وتكريمه!!
اذا طلب منك تنفيذ المشروع نفسه، فما التغيير الذي ستجريه على هذه المراحل؟ اشرك زملاءك في الحلقة بتجاربك الخاصة.

المصدر: دليل التدريب القيادي / هشام الطالب / المعهد العالمي للفكر الاسلامي