بناء الثقة مع الآخرين

على المدى القصير، يكون التمتّع بثقة مفرطة في النفس أمراً جيّداً لأنه يدفعنا إلى المغامرة والتجريب، لكن إدراكنا لحدودنا ونقاط ضعفنا يساعدنا أكثر على المدى الطويل لأنّه يقودنا إلى التواضع، ويساعدنا في علاج مشكلاتنا والتخلّص من عيوبنا ومواصلة التعلّم والتأقلم والعمل بدأب، وجعل الأسباب مقدمات النتائج كما يقول توماس تشامورو -الرئيس التنفيذي لشركة "هوغان اسيسمنتس" (Hogan Assessments)-.



فسواءً عمل الإنسان بجدّ وكدّ لإظهار قدراته أم لا، فسيحتاج دائماً لأن يبدو بارعاً أمام الآخرين، ويمثل إبراز قدراتك 10% فقط من معادلة النجاح وتعتمد الـ 90% الباقية على الاستعداد والعمل الشاق الذي يقود إلى النجاح.

وكما يؤكد توماس تشامورو بأنّ الكفاءة أو النجاعة الاجتماعية تساوي قراءة الآخرين، مجموع لها التقرّب الإيجابي منهم، ومضاف لها التأثير فيهم، وكثيراً ما نبالغ في دور الثقة بالنفس في تحقيق النجاح، فحين نعتقد أنّنا بحاجة للمزيد من الثقة، نكون بحاجة أكثر لسدّ الفجوة بين مستوى ثقتنا، وبين مستوى قدراتنا.

وكونك محلّ ثقة مجاملة أكبر من كونك محبوباً، فمن المستحيل أن يكون هناك مبالغة في تقدير أهمية الصدق عندما يتعلق الأمر بالثقة، فإذا قمت باختصار العلاقات في أكثر عناصرها أهمية، فدائماً ما سيكون ذلك العنصر هو الثقة، وليس القيادة، أو القيمة، أو المشاركة، أو أي شيء آخر، فإذا لم تكن هناك ثقة فإن العلاقة ستواجه مشكلة، والثقة هي أساس القيادة كما يقول جون مكسويل بوصفها بمبدأ الأرض الصلبة.

وكما كتب وارين بينيس بأن الاستقامة هي أساس الثقة، والثقة ليست أحد مقومات القيادة بقدر ما هي نتاج لها.


اقرأ أيضاً:
6 نصائح مهمة لبناء علاقات إيجابيّة مع الآخرين


إن الصفة الوحيدة التي لا يمكن اكتسابها، وإنما لا بد من استحقاقها، إنها تمنح من جانب الزملاء والمرؤوسين، وبدونها لا يستطيع القائد العمل بكفاءة، فالثقة هي أساس كل علاقة، وهي إطار أي علاقة، وهي قمة أي علاقة. فبناء الثقة يتم عندما تكون الأقوال والأفعال متطابقة.

وتنشأ الثقة أيضاً عندما يشعر الناس بالأمن والأمان، ولكن عندما يتم ازدراء الآراء والأفكار والسخرية منها، لا يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لتدرك أن المناخ ليس آمناً ولا مساعداً على تعريض نفسك للخطر، ويمكن إضعاف المناخ الدفاعي عن طريق تقديم تعليقات وصفية وليست تقييمية، والتعبير عن مشاعر الاهتمام والمشاركة، والاستعداد للبحث، والإنصات، وفهم والاستفادة من آراء الآخرين بفعالية.

وكما يقول تشارلز كينجزلي بأنها نعمة لأي رجل أو امرأة أن يكون لديه صديق، روح بشرية أخرى يمكننا الثقة بها بشكل مطلق، شخص يعرف أفضل وأسوأ ما فينا، ويحبنا برغم كل عيوبنا. فتعريف الصداقة وسمتها المميزة بأنه توجد تلك الثقة المتبادلة بين الأصدقاء.

ولتكسب ثقة الآخرين عليك أولاً بأن تعرف بأن الثقة تبدأ بك أنت، كما كتب شكسبير ذات مرّة بأنه قبل أي شيء آخر، كن صادقاً مع نفسك، وسيتبع ذلك، كما يتبع الليل النهار، أنك لن تستطيع أن تكذب على أي انسان آخر، وثانيها بأنّ الثقة لا يمكن تقسيمها لأجزاء.

كما تقول شيرشل بيهل بأن إحدى حقائق الحياة هي أنك إن لم تكن تستطع الثقة بشخص آخر في جميع المجالات، فإنك لا تستطيع الثقة به في أي مجال منفرد.

وثالثها بأن الثقة تشبه حساب البنك.

كما يقول مايك أبراشوف بأن الثقة تشبه حساباً بنكياً، عليك أن تستمر في وضع الإيداعات إذا كنت تريد لحسابك أن يكبر، وأحياناً، سوف تحدث أخطاء، وسيكون عليك أن تسحب من الحساب، ولكن في نفس الوقت الحساب في البنك يحقق أرباحاً، فإذا ما حدث وأن سحبت من رصيدك فصحح الأمر بسرعة بأن تعتذر، وتسأل نفسك لماذا خنت الثقة، وتصحح المشكلة في حياتك، وتعلم أن استعادة الثقة أمر يتطلب وقتاً أطول من الوقت الذي يتطلب فقدها، وتذكر أن الثقة تستعاد بالأفعال وليس بالأقوال فحسب.

فإذا كنت فعلاً شخص جدير بالثقة، فهل تثق بالآخرين أم لا؟ هي مشكلة تواجه الكثير من الناس عندما يكونون جديرين بالثقة أنهم يجدون صعوبة بالثقة بالآخرين، فاصفح عنهم وخاصة إذا كنت صاحب الحق، ووضح أن الانتهاك الذي حصل لا ينبغي أن يتكرر مرة أخرى، فالصفح عن الآخرين لا يعني السماح لهم بالاستمرار في جرحك وإيذاءك، وتذكر أفضل أوقاتهم، فنحن جميعاً لدينا لحظات ارتفاع وانخفاض، ونقاط ضعف وقوة، ومن النضج أن أن تعامل الناس وفقاً لأفضل صفاتهم.

 

إقرأ أيضاً: الثقة وأهميتها في العلاقات الإنسانية


وكما قال هنري سيمبسون وزير الخارجية الأمريكي الأسبق بأن الدرس الرئيسي الذي تعلّمه في حياته الطويلة هو أن الطريقة الوحيدة التي يمكنك أن تجعل بها إنساناً آخر جديراً بالثقة هي أن تثق به، والطريقة المؤكدة لجعله غير جدير بالثقة هي أن ترتاب فيه، وتظهر له ارتيابك هذا، فالثقة بالآخرين مخاطرة، ولكنها مخاطرة تستحق القيام بها، بدون الثقة لا يمكنك بناء علاقات صحية دائمة.

وكما يقول المهاتما غاندي بأنه في اللحظة التي تبرز فيها الشكوك حول دوافع الشخص، فإن كل شيء يفعله يصبح ملوثاً، وهو مايؤكد عليه ستيفن كوفي بكتابه سرعة الثقة، بأن العلاقة تكافؤية بين الثقة والسرعة وعكسية بينها وبين التكلفة، فكلما زادت الثقة زادت السرعة وقلت التكلفة، وكلما قلت الثقة قلت السرعة وزادت التكلفة.

وهناك خمس موجات للثقة كما يصنفها ستيفن كوفي، وهي الثقة الذاتية، والثقة في العلاقات، والثقة المؤسسية، والثقة في السوق، والثقة المجتمعية، وكما يقول جيم بيرك بأن الثقة هي المفتاح الأساسي للنجاح على المدى الطويل، وللمصداقية في الكفاءة الذاتية أربعة أسس هي النزاهة والنية والإمكانات والنتائج، وهي مرتبطة ببعضها البعض.

ولتزيد من نزاهتك عليك بأن تصدر التعهدات وتلتزم بها أمام نفسك، وأن تدافع عن شيء ما.

عش بمبادئك وقيمك، واعرف ما تمثله، وعش وفق هذه المعايير، وعندما تؤمن بشيء ولا تحيا من خلاله، فأنت غير صادق، وأيضاً انفتح على الآخرين، فالطمع يدمر الثروة، والثقة والنزاهة، على العكس من ذلك، يزيدان الرخاء.

وعن أمير المؤمنين أبي حفص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل أمرؤ ما نوى.." رواه البخاري ومسلم في صحيحهما.

فالنية هي الأساس في بناء النزاهة التي تؤسس للثقة، ولكي تحسن نيتك عليك بأن تفحص دوافعك وتنقحها باستمرار، وأعلن عن نيتك، واختر الوفرة.

والإمكانات يمكن أن تختصرها كلمة TASKS، وهي T المواهب، وA التوجهات، وS المهارات، وK المعرفة، وS الأسلوب، وكما يقول جون جاردنر بأن السعادة الحقيقية تتضمن الاستخدام الكامل لقوى الشخص ومواهبه.، ولكي تزيد من حجم إمكاناتك عليك بأن تساير مواطن قوتك وهدفك، وألا تتخلف عن الركب، وأن تعرف وجهتك.

والنتائج مهمة، فنتائجك في الماضي وفي الحاضر وفي المستقبل، وعندما تدبر النتائج عليك بطرح سؤالين وهما "ماذا؟"، و "كيف؟" الرائعين، ولكي تحسن نتائجك عليك أن تحمل مسؤولية النتائج، وتتوقع الفوز، وتكون نهايتك قوية.

ولكي تبني ثقتك مع الآخرين فتحدث بصراحة، وأظهر الاحترام، وتحر الشفافية، وصحح الأخطاء، وأظهر الولاء وخاصة للغائبين، وحقق النتائج، والزم التحسن، وواجه الواقع، ووضح توقعاتك، وتحمل المسؤولية، واستمع أولاً، وأوف بالالتزامات، ووسع نطاق ثقتك.

ومن الأمور التي تخل بمصداقيتك أن تغتاب أحداً غائب وتذكره بسوء، وكما يقول المثل أنك إذا أردت أن تحتفظ بولاء الحاضرين فلا تأكل لحم الغائبين، أي لا تغتابهم وتذكرهم بسوء في غيابهم، ولهذا تفسير منطقي وهو أن من يغتاب أحداً في حضوري فقد يغتابني أنا الآخر بغيابي، وحتى أثبتها الغرب بأنه ليس فقط من يشارك في الغيبة والنميمة، بل حتى من يسمع لها فقد توضع عليه في المستقبل،

فحتى لا تقبل أن تسمع للغيبة والنميمة، فإذا بدأت تلك المحادثات فإن لم تقدر أن تدافع عن الغائب أو تغير الحديث، فاستأذن بالانصراف.

وفي النهاية كل ما ستحصل عليه هو سمعتك.

الثقة هي الأساس في بناء سمعة الشركة، وقيمة أسهمها، هي كنتيجة مباشرة لذلك، والعلامة التجارية في الشركات لن يتم نجاحها إلا إذا اقترنت بثقة العميل، والعائلات هي عبارة عن مؤسسات إن صح التعبير، فالثقة مهمة جداً في بناء العائلات كما في المؤسسات لزيادة الإنتاجية والفاعلية.

وكما يقول جيف بيزوس مؤسس موقع أمازون بأن العلامة التجارية مثل السمعة بالنسبة للإنسان، فأنت تكتسب السمعة عن طريق محاولة القيام بالأشياء الصعبة بشكل جيد.

والثقة المجتمعية بمبدئها المساهمة وهي بالأساس أن ينوي المرء إيجاد قيمة بدلاً من تدميرها، والعطاء بدلاً من الأخذ، ولبناء مجتمع صحي علينا أن ندرك قيمة مبدأ المساهمة في بناء الثقة المجتمعية.

فالثقة الذكية وحسن التقدير هي مرحلة متوسطة بين الارتياب أو الشكوك، وبين مرحلة الثقة العمياء أو السذاجة.




مقالات مرتبطة