بناء الألفة مع الزبائن: منح زبائنك القيمة التي لم يشهدوا مثلها

ليس ثمَّة على الأرجح مديرٌ أو قائد يمكن أن يقول إِنَّه لم يكن ملتزماً تقديم خدمةٍ رائعةٍ إلى الزبائن، وقد يكون قادراً على عرض صورٍ ورسومٍ بيانية تثبت ارتفاع مستويات الرضا لدى الزبائن. ولكن هل في إمكانه أن يقول إِن لديه تلك العلاقة الشخصية المبنية على الثقة مع زبائنه والتي تمنحه ميزةً تنافسيةً حقيقية؟ قد تقدم منظمته خدمةً رائعةً للزبائن، كالعديد من المنظمات الأخرى، ولكن هل يذهب هو إلى أبعد من ذلك ويبني الألفة معهم؟



سنلقي في هذه المقالة نظرةً على ما يُعنيه بناء الألفة مع الزبائن، وسنكتشف كيف يمكن للمنظمات أن تقوم بذلك. ولأنَّ بناء الألفة مع الزبائن يمكن أن يكون عملاً مُكْلِفاً ويحتاج إلى الدعم من رأس الهرم في المنظمة وحتى القاعدة، فإنَّنا سنسلِّط الضوء أيضاً على تحديات اتباع هذه الاستراتيجية.

ماذا يعني بناء الألفة مع الزبائن:

يُعَدُّ بناء الألفة مع الزبائن أحد العناصر الثلاثة التي يتألف منها "نموذج ضوابط القيمة" الذي طُوِّر في أوائل تسعينيات القرن الماضي من قِبَل الخبيرَيْن الاستراتيجيَّيْن "مايكل تريسي" و"فريد ويرزيما" وهي:

  1. التميُّز التشغيلي (Operational Excellence): تقديم منتجات جيدة بالحد الأدنى من التكلفة.
  2. قيادة المُنتَج (Product Leadership): تطوير منتجاتٍ جديدةٍ أفضل من خلال التميز والابتكار.
  3. بناء الألفة مع الزبائن: تخصيص منتجات وخدمات تلبي احتياجات الزبائن بشكلٍ مستمر.

طرح كلٌّ من "تريسي" و"ويرزما" نموذجهما في مقالةٍ في مجلة "هارفارد بيزنس ريفيو" وتوسَّعا فيه في كتابهما الذي نشراه في العام 1995 والذي حمل عنوان "الانضباط لدى قادة السوق".

يمكن لبناء الألفة مع الزبائن أن يُعَدَّ شكلاً متطوِّراً من أشكال العمل الذي يجعل الزبائن مركز اهتمامه. فهو يتضمن جمع أكبر قدرٍ ممكنٍ من المعلومات عن زبائنك إمَّا بصفتهم الفردية  وإمّا بصفتهم قطاعاتٍ صغيرةً للغاية في سوقك وتلبية احتياجاتهم الخاصة. فعندما تعرف عن هؤلاء الزبائن أكثر ممَّا يعرفه أي شخصٍ آخر عنهم تستطيع تصميم منتَجٍ مخصَّصٍ لهم أو انتقاء مجموعةٍ من المنتجات والخدمات التي تلبي توقعاتهم وتتجاوزها على النحو الذي يفضِّلون.

إذاً فكيف يبدو في الواقع بناء الألفة مع الزبائن؟

تخيَّل أنَّك تدير منْفَذاً لواحدة من الشركات الضخمة للبيع بالتجزئة حيث يوكِل إليك المكتب الرئيس باستمرار مهمة تنفيذ عمليات ترويج المبيعات التي يتم تصميمها داخل المنظمة، لقد أدارت جميع المخازن مؤخَّراً على سبيل المثال الحملة نفسها والتي تتضمن تقديم وصفاتٍ مسلية ليحاول الزبائن طهوها في المنزل. حقّقت هذه الحملة نجاحاً في بعض المناطق ولكنَّها أخفقت في العديد من المناطق المدنية المزدحمة. والسبب هو أنَّه في تلك المناطق كان الزبائن يفضِّلون الوجبات الجاهزة التي يمكن تحضيرها بسرعةٍ وسهولة والتي تكون على الرغم من ذلك وجباتٍ صحيةً ومغذية. وعند إدراكه لذلك استجاب المكتب الرئيس من خلال منح فريق التسويق الخاص به قدرة وصولٍ كاملة للبيانات التي جُمِعَت خلال كل مرحلة من مراحل التواصل بين الزبائن والمَخازن. ومن ثمَّ سمح لأعضاء الفريق هؤلاء بالعمل مع مديري المخازن بشكلٍ فردي لبناء حملات ترويج مخصصة بحيث يستطيع هؤلاء المديرون تقديم البضائع أو الخدمات التي تحمل القدر الأكبر من الارتباط بزبائنهم. وقدَّمت الشركة أيضاً أنظمةً لإدارة المخزون تستخدم هذه البيانات لإعادة توجيه المنتجات المناسبة أو إعادة طلبها بشكلٍ آلي إلى المكان المناسب وفي الوقت المناسب. ومن ثمَّ جرى برمجة آلات المحاسبة بحيث تطبع قسائم ترويجية عند تقديم الفواتير تعرض حسومات مرتبطة بالعادات الشرائية للزبون. كما طرح منتجاتٍ جديدةً بشكلٍ كلي في المناطق التي شهدت نسبة الإقبال الأعلى هذه القسائم. ونتيجةً لإلغاء المركزية والحرية التي تتمتع بها الآن من حيث إِنَّك تستطيع تصميم عروضٍ مخصصة لزبائنك أصبح زبائنك أكثر اندماجاً ورضاً وأصبحوا الآن أكثر تردداً إلى مخزنك بقصد التسوق.

مثلما يمكنك أن ترى فإنَّ اتباع استراتيجية بناء الألفة مع الزبائن يمكن أن يستهلك الكثير من التفكير والجهد، ولكن النتيجة هي أنَّك ستبني علاقةً شخصيةً مع زبائنك. فكلما ازداد فهمك لاحتياجاتهم ورغباتهم وكلما لبَّيت هذه الاحتياجات والرغبات بشكلٍ أفضل أصبح الزبائن أكثر ولاءً لك.


اقرأ أيضاً:
التعامل مع الزبون الصعب إرضاؤه


هل بناء الألفة مع الزبائن مناسبٌ لك؟

إنَّ تغيير طبيعة الشركة أو ثقافتها ليس بالأمر الرخيص أو السهل، ولكنَّ بناء الألفة مع الزبائن يمكن أن يشكل لدى البعض نموذجاً أكثر استدامةً وتقديماً للربح. ولكي تعرف إذا ما كان هذا النموذج مناسباً لك اطرح على نفسك الأسئلة الخمسة الآتية:

  • هل ترى شركتك أن تقديم منتجاتٍ ذات جودة عالية وتقديم خدمة جيدة للزبائن ليسا كافيَيْن لتأسيس علامة تجارية قوية بعد الآن؟
  • هل هامش الربح في منتجك هامش صغير بحيث لا يمكن تخفيض الأسعار بشكلٍ أكبر؟ وهل يشكل هذا حالةً تجعلك ترغب في تقديم مزيدٍ من القيمة لزبائنك ولكنَّك لا تعرف كيف تقوم بذلك؟
  • هل يخبرك زبائنك بأنَّهم يفضلون حلَّاً شاملاً للمشكلة بدلاً من المنتَج الذي تقدمه الآن؟
  • هل أنت مُحبَط لأنَّك مطَّلع على الكثير من البيانات ولكنَّ منظمتك لا تستغلها لإجراء تغييرٍ حقيقي؟
  • هل تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لنشر رسالتك وتجد أنَّه من الصعب على الرغم من ذلك جعل صوتك مسموعاً وبناء العلاقات؟

إذا كان جوابك "نعم" عن معظم الأسئلة السابقة أو كلها فإنَّ الانتقال إلى نموذج بناء الألفة مع الزبون قد يكون هو الحل.

الخطوات الأربع لبناء الألفة مع الزبون:

إنَّ بناء الألفة مع الزبون هو أكثر من مجرد السعي إلى كسب رضا الزبائن، فهو يحتاج لكي ينجح الدعم من جميع مستويات المنظمة. إليك هذه الخطوات الأربع التي يمكنك القيام بها لتشجيع تحولٍ من هذا النوع في منظمتك:

1- ادعم أعضاء فريقك:

قدِّم لموظفيك الأدوات، والتدريب، والموارد التي يحتاجون إليها لمنح الزبائن ما يحتاجون إليه أو يرغبون فيه بشكلٍ دقيق. فأنت في حاجةٍ إلى إلهامهم وتشجيعهم لكي يتمكَّنوا من تقديم تجربة رائعة للزبائن في كل مرةٍ يتواصلون معهم فيها. حيث يمكنك تعزيز مشاركة الموظفين في المشروع من خلال الإطراء على الذين يتجاوزن التوقعات منهم وتقديم الجوائز لهم. وتأكَّد من توظيف الأشخاص الذين يشاركونك التزامك بناء الألفة مع الزبائن. فالجميع يجب أن يتعلم تقدير قيمة الزبون بالنسبة إلى المنظمة بدلاً من الاكتفاء بانتظار الصفقة الآتية.


اقرأ أيضاً:
10 نصائح لتحفيز الموظفين من دون اللجوء إلى المال


2- استخدم البيانات بطريقةٍ فعالة:

تعرَّف على أكبر قدرٍ ممكن من المعلومات المرتبطة بزبائنك. فتحدث إليهم، وزرهم، وحلل الأنشطة التي يقومون بها على موقعك الإلكتروني، وشجع موظفيك على مساعدتك على مراقبة الميول السائدة ضمن مجال عملك. وعندما تصبح لديك جميع المعلومات ذات الصلة والتي يمكنك الوصول إليها فإنَّك تحتاج إلى فهم هذه المعلومات وتفسيرها بشكلٍ فعال.

3- ضيِّق دائرة الزبائن الذين تهتم بهم:

قد يبدو أنَّه من الصعب قول ذلك، ولكن ليس كل الزبائن متساويين. فأنت تحتاج إلى أن تكون عمليَّاً وأن تركز اهتمامك على أولئك الزبائن الذين تعتقد أنَّهم سيعودون بالنفع على الألفة التي بينك وبينهم. فكما في أي علاقة فإنَّ الألفة تحتاج إلى معرفةٍ وتفهُّم، وإلى استثمار الوقت والجهد. بيد أنَّ هذا الاستثمار يُعَدُّ استثماراً مُكْلِفاً لذا فأنت تحتاج إلى تحديد الزبائن أو القطاعات السوقية التي تحظى بالقيمة الكبرى لدى منظمتك. وعندما تنتهي من تحديد القطاعات التي ترغب في خدمتها عيِّن فرقاً أو مديري حسابات (account managers) يكونون مسؤولين عن كل قطاع من هذه القطاعات وقدم لهم تدريباً مكثَّفا فيما يتعلق بقطاعهم المخصص بدلاً من أن تقدم للجميع النظرة العامة نفسها.


اقرأ أيضاً:
6 طرائق فعالة لخدمة العملاء


4- ابحث عن شراكاتٍ خارجية:

اعمل مع شركاتٍ أخرى لكي تجد الحل إذا كنت تعتقد بأنَّ ذلك في مصلحة الزبون. فموقع أمازون عملاق التجارة الإلكترونية على سبيل المثال يبيع على موقعه منتجاتٍ لشركات تجزئة أصغر حجماً. يمكِّن هذا الموقع من عرض مجموعة أكبر من المنتجات موازنةً بتلك التي يمكنه تقديمها بمفرده وهذا يعني أنَّ الزبائن لن يحتاجوا إلى مغادرة الموقع للحصول على ما يحتاجون إليه.

نصيحة:

إذا لم تكن تتعامل مع الزبائن بشكلٍ مباشر فاستخدم مبادئ بناء الألفة مع الزبائن للتفكير في الكيفية التي يمكنك من خلالها خدمة "الزبائن الداخليين" كزملائك، وأصحاب المصلحة، والمساهمين. وعلى الرغم من أنَّ هذه الحالة لن تحمل بالضرورة فرص جمع البيانات وتحليلها نفسها التي في الحالة العادية إلَّا أنَّ ذلك سيعود بالنفع على علاقاتك في العمل إذا تمكَّنت من إيجاد طرائق لجعل حياتهم أسهل.

ما التحدّيات أمام بناء الألفة مع الزبون؟

لا يمكن الوصول إلى بناء الألفة مع الزبون ما لم تتقبل المنظمة بأسرها هذه الفكرة. فاحتياجات الزبون يجب أن توجِّه كل شيء في المنظمة من تطوير المنتَج والتصنيع إلى العمليات الإدارية والعمليات النهائية. وقد يحتاج بعض القادة والمديرين إلى إلغاء مركزية بعض عمليات اتخاذ القرار بحيث يستطيع أعضاء فرقهم التعرف بسرعةٍ على احتياجات الزبائن والتكيُّف معها. وستحتاج أيضاً إلى جمع البيانات وتطوير الرؤى حول زبائنك في كل مرحلة من مراحل رحلتهم مع منظمتك وليس عند شرائهم لشيءٍ ما فقط. وهذا يعني الذهاب إلى ما هو أبعد من استخدام تقنية بناء شخصيات تخيلية للزبائن المثاليين أو ما يُعرَف بتقنية (customer personas) لكي يساعدك ذلك على بناء تصور لسوقك الأساسي. فمن الناحية المثالية ستتعلم أشياء حول سلوك زبائنك حتى الزبائن أنفسهم لا يدركونها. فقد تُظهر بياناتك على سبيل المثال أنَّ زبوناً ما يُجري عمليات الشراء ذات القيمة الأعلى في وقتٍ مُعيَّنٍ من العام. يمكن التنبؤ بذلك وتقديم صفقات أو نصائح مرتبطة بالمنتجات التي تناسب هذا النمط. ومنظمتك يجب أن تكون فَطِنَةً بما يكفي للاستجابة للبيانات التي جمعتها من خلال تغيير العمليات والأهداف عند الضرورة.

ثمَّة أوقاتٌ يعني فيها إيجاد الحل المناسب لزبائنك تضافر جهودك مع جهود شركةٍ أخرى. وقد تحتاج في الواقع إلى بناء نظام من الشراكات لتقديم مجموعة من خدمات الإنتاج والتوزيع تكون شاملةً بما يكفي لتلبية احتياجات هؤلاء الزبائن. وتحديد شركاء خارجيين مناسبين، وتنسيق المواعيد، والتواصل معهم هو من الأمور التي تستهلك الوقت.

وقد يكون من الخطر أيضاً تركيز الانتباه على قطاعٍ صغير من الزبائن أو على قطاعٍ سوقيٍّ صغير. وهذا يعني أن تفقد الأمن الذي يوفره لك وجود مجموعة متنوعة من العملاء. ففي حال تحوَّل السوق وأصبح منتجٌ بديل أكثر شعبية فقد يكون من المُكْلِف للغاية بالنسبة إليك تغيير استراتيجيتك أو إعادة التموضع في السوق.


اقرأ أيضاً:
5 طرائق يمكن لأصحاب المشاريع الصغيرة من خلالها الاحتفاظ بالزبائن

 

النقاط الرئيسة:

إنَّ بناء الألفة مع الزبون هو واحد من عناصرٍ ثلاثة يتضمنها نموذج ضوابط القيمة والذي قدمه كلٌّ من "مايكل تريسي" و"فريد ويرزما". إنَّ هذه الاستراتيجية هي من الاستراتيجيات التي تركز اهتمامها على الزبائن بشكلٍ كبير والتي تسعى المنظمة من خلالها إلى بناء علاقة شخصية دائمة مع زبائنها من خلال تخصيص عروضها باستمرار بحيث تلبي بدقة احتياجات الزبائن ورغباتهم.

قد تكون هذه الاستراتيجية استراتيجيةً خطرة وذات تكلفة مرتفعة حيث إنَّها تتطلب من المنظمة بأسرها أن تدعم وضع تجربة الزبون قبل أي اعتبار. كما أنَّها تركز الكثير من الوقت، والانتباه، والموارد على الزبائن بصفتهم الفردية أو على قطاعاتٍ صغيرة من السوق.

ثمَّة أربع خطوات يمكنك اتباعها لبناء الألفة مع الزبون: دعم أعضاء فريقك، واستخدام البيانات بشكلٍ فعال، وتضييق دائرة اهتمامك بالزبائن، والبحث عن شراكات خارجية. فمن المهم أن يكون لديك تركيبة تنظيمية تتيح لك جمع البيانات، وتحليلها، والتصرف بناءً عليها.

إذ إنَّ القدرة على فهم احتياجات زبائنك أو التنبؤ بها ستشجعهم على بناء علاقة طويلة المدى معك بسبب تفانيك وقدرتك الفريدة على تلبية هذه الاحتياجات.

 

المصدر




مقالات مرتبطة