امتحان لقوة الإرادة

 

أعتقد أن قوة الإرادة شيء جميل يجب أن يتحلى به الواحد منا، فبقوة الإرادة يصبح الواحد منّا سيد الموقف والمتحكم فيه والمسيطر عليه والمصرف له، فقوة الإرادة تعلي إحساس أحدنا بقيمته وحريته، وتجعل من كل واحد منّا كياناً منفرداً له هوية وشخصية واضحة المعالم، يختلف بها عن الآخرين. أما ضعف الإرادة أو انعدامها فتجعل من الواحد منّا عبداً للموقف وللآخر، فالآخر هو الذي يقرر ويقود وضعيف الإرادة هو الذي ينفذ وينقاد بغض النظر عن قناعته الشخصية بما قرره الآخر، حتى ولو لم يرض عنه، ولذلك من الصعب لضعيف الإرادة أو منعدمها، أن تعنون كيانه، فتصرفاته كلها – تقريباً – مملاة عليه من الخارج، وليس عنده – في أغلب الأحيان – فعل ذاتي مرتبط بشخصيته هو.



 

وعلاقة ضعف الإرادة – هذه – قد نجدها بين شخصين، التعامل بينهما مباشر وصريح، وهذه هي الصورة التقليدية الواضحة للموضوع، ففي هذه العلاقة هناك شخص تابع بوضوح وآخر متبوع بوضوح لا لبس فيه، وكذلك ضعف الإرادة – قد نجدها بين كيانين أحدهما مرئي وهو التابع، والآخر خفي وهو المتبوع كالعلاقة بين الشيطان والإنسان، فالشيطان كائن خفي يحاول السيطرة على الإنسان عن طريق وسيط، وهو الوسيط الإغوائي.

 

إن الشيطان لا يظهر للإنسان ظهوراً مرئياً ويقول له أنا الشيطان، تعال أيها الإنسان واتبعني حتى أبعدك عن ربك وأجعلك تعصاه كما عصيته، فهذه هي مهمتي التي لا أسعى لغيرها! إنه – أي الشيطان – يحاول أن يصل إلي هدفه هذا بأسلوب خفي يمكنه من السيطرة على الإنسان ليقوده حيثما يريد قال تعالى: "يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما، إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم، إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون". الأعراف 17. وهو لا يترك جهداً ولا سبيلاً لتحقيق غاياته إلا ويسلكه، قال تعالى على لسانه: "قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك لمن المنظرين. قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم. ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، ولا تجد أكثرهم شاكرين". الأعراف (17،14).

 

وفي موضع آخر يقول تعالى على لسانه: "قال ربّ بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين. إلا عبادك منهم المخلصين". الحجر (40،39). ومع أن إبليس يمارس ضغطه هذا على الكل إلا أن مستوى نجاحاته متباين وليس بثابت، فقد يصل مع البعض إلى أعلى مستوى من مستويات النجاح، بأن يجعله يكفر بالله أصلاً، وقد يصل مع البعض الآخر بأن يجعله يعيش في الكبائر ليلاً ونهاراً، ومع البعض بأن يقترف الكبائر بين الحين والآخر، ومع البعض أن يعيش طيلة حياته في الصغائر وهكذا، وهو – إحقاقاً للحق – لا ييأس أبداً من أي إنسان، ويظل يترصد كل الناس وينتظر لهم جميعاً موطن ضعف ليستغلهم منه.

 

وأيضاً – إحقاقاً للحق أقول – فإن الناس عنده ليسوا سواء، فبعضهم أبغض إليه من بعض فأهل الإيمان أبغض إليه من غيرهم، وما ذلك إلا لأنه أوصلهم إلى نهاية المطاف فلم يعودوا يجبرونه على بذل جهد مستمر ومرهق، وغير مضمون العواقب. أما أهل الإيمان فإنهم حتى بالنسبة لأسوأهم – قوم مقلقون، إذ يمكن لأي واحد منهم أن يفلت من سيطرته المطلقة بتوبة نصوحة يتوبها إلى الله تعالى، يمحو الله عنه بها ما كان منه ويعليه بها إلى أعلى عليين، هذه واحدة، أما الأمر الثاني الذي يجعلهم أبغض إليه من غيرهم إنهم لا ينقادون إليه بالكلية، ففيهم عناد – على اختلاف درجاته، من أحدهم لغيره – يغيظه، فالشيطان يريد من الواحد أن يرتكب كل الموبقات كبيرها وصغيرها، ولا يترك شيئاً منها، حتى يكون مصيره مصير شؤماً يكردس فيه، فهو يريد شرب خمر، وزنى، وأكل مال حرام، وقتل وسرقة، وعقوق، وقطع صلة، وخبث، وكبر، و.........و.............و..............، إلى آخر ما هنالك، وقلما – وهذا مراده - يجده في امرئ تربطه بالسماء شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله.

وأن هذا الغيظ والقلق يدفعانه إلى محاولة تعكير صفو الأمة في كل وقت وحين، وبالأخص في أوقات النفحات الربانية التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن لله في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها" إنه يستلذ بالتنغيص على المسلم في هذه الأوقات بالذات، لأن ذلك يشفي بعضاً من غليله، إن تفويت الفرص الطيبة التي يتدارك بها أحدنا نفسه من غياهب البعد عن الله والتقصير في جانبه، أمر – بالنسبة لإبليس لابد أن تعد له العدة. ولعل من أبرك وأطيب تلك النفحات، شهر رمضان الكريم! قد يبادرني – أحد القراء – ويقول، كيف ذلك، وهو أصلاً مصفد فيه هو وذريته وأتباعه بنص الحديث، أقول:

 

أولاً: تعددت الآراء في هذه الجزئية من الحديث ووردت فيها تفاصيل كثيرة، لا مجال لعرضها هنا.

 

ثانياً: وهذا هو المرتبط بالموضوع والذي أحب أن أشير إليه أن إبليس شيطان محنك له تجربه واسعة جداً مع البشر، وهو يخطط لهم مستقبلاً بجانب استغلاله للضعف الذي يبدر منهم في كل موقف، وهو قد أعد خطة غواية الأمة في رمضان من قبل رمضان أتدرون عن طريق ماذا؟ بلا زعل – عن طريق القنوات الفضائية، فالأفلام الأجنبية التي فيها مشاهد جنس صريح جاهزة، والفيديو كليبات التي فيها عري وإثارة جنسية طاغية – جاهزة، وأفلام فترة الستينات كلها جاهزة، والبرامج الترفيهية الجذابة كلها جاهزة، والمسلسلات كلها جاهزة، كل ذلك سوف يأتينا من الفضائيات في ليل رمضان ونهاره، وسوف تستقبله أطباقنا الشاغرة إلى السماء، بحيث لن يبق علينا إلا ضغط زر التشغيل فقط..مجرد لمسة واحدة.

 

وهنا يكمن لب الموضوع الذي بين أيدي حضراتكم – والذي عنونته بامتحان قوة الإرادة! يا إخواني أرجوكم – بالله – أن تقولوا للشيطان – بالفعل وليس القول وحده- لا! نحن نرفض سيطرتك علينا – لله، ونرفض اتباعك..  لله، سوف نقاطع الحرام، ولن نمكنك من إفساد شهر رمضان علينا، سوف نتعرض لنفحة الله بالعمل الصالح، فسوف نصلي ولن نضيع الصلاة المكتوبة سوف نحضر صلاة التراويح، وصلاة التهجد، وسوف نقرأ القرآن، وسوف نذكر الله وسندعو الله أن يجعل هذا الشهر المبارك جسرنا إلى الجنة وإلى مرضاته، سوف نكون أصحاب إرادة. سوف نكون أصحاب إرادة بإذن الله تعالى. اللهم يسر لنا طاعتك، وخذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك، ولا تكلنا لأنفسنا أو للشيطان طرفة عين من ليل أو نهار أو أقل من ذلك. اللهم آمين.

 

عمرو خالد لمجلة المرأة اليوم بتاريخ 29 أكتوبر 2005