النموذج التطبيقي للإدارة المستندة إلى الوقت

إدارة الوقت باعتباره مورد رئيسي:

يلعب الوقت دوراً جديداً ومؤثراً في منظومة الفكر الإداري الجديد حيث تكرس تقنيات المعلومات والاتصالات نظم العمل وأساليبه التي تتعامل في الوقت الحقيقي ومن ثم تقلل إلى حد بعيد تبديد الوقت وهو أغلى الموارد وأعلاها تكلفة حيث ينضب ولا يتجدد أبداً عكس أغلب الموارد التي تتعامل معها الإدارة.

وبذلك فقد تغير مفهوم "إدارة الوقت" إلى مفهوم الإدارة المستندة إلى الوقت حيث تعد مهمتها مجرد جدولة العمل في أوقات معينة وتوزيع الوقت بين الاهتمامات المختلفة للمدير، بل أصبحت الاستثمار المخطط للوقت بأبعاده الثلاثة -الماضي والحاضر والمستقبل- بأعلى كفاءة ممكنة وفي مجالات التوظيف التي تحقق أعلى قيمة مضافة وتخلق المنافع والقيم. وبذلك يكون منطق الإدارة المعاصرة هو العمل في الوقت بمعنى حين يكون الأداء مطلوباً وليس قبل أو بعد ذلك.


 

النموذج التطبيقي للإدارة المستندة إلى الوقت:

باعتبار الوقت المحرك الأساسي للنشاط تم تطوير تقنيات واستحداث أنماط وتهيئة الأفراد للتوافق مع الفرص التي يتيحها الوقت للإدارة، من ذلك الأمثلة التالية:

- إتباع نظم العمل على مدار الساعة في كثير من المواقع الإنتاجية ومراكز تقديم الخدمات للعملاء.

- إتباع نظم العمل المتزامن حيث تتم أنشطة متعددة في نفس الوقت والتنسيق بينها من خلال تبادل المعلومات آنياً باستثمار تقنيات المعلومات والاتصالات الحديثة.

- تركيز الجهود لتقصير فترة تصميم وتطوير السلع والخدمات الجديدة وجعل الفترة بين الإنتاج والوصول للعملاء في السوق أقل ما يمكن.

- تطوير تقنيات التخطيط بأسلوب السيناريوهات التي تتعامل مع الزمن وترصد المتغيرات الفعلية لتوفيق أنشطة المنظمة حسب السيناريو الأكثر احتمالاً.
 
- تطوير نظم وآليات تخطيط موارد المشروع تربط كافة محاور العمل في المنظمة في قاعدة معلومات مركزية مشتركة بحيث يتم تعديل جميع المحاور آنياً مع كل تطور في أي منها.

- تطوير التنظيمات الهيكلية وأسس توزيع الصلاحيات واتخاذ القرارات لتقصير الفجوة الزمنية بين اتخاذ القرار وتنفيذه من ناحية، وتقريب الوقت إلى أقرب حد ممكن بين تلقي طلب العميل والاستجابة له.

 

- تطوير النظم والعمليات المساعدة على الوصول إلى مستوى الزمن الصفري من خلال:

- توفير السلع والخدمات ذات القيمة للعملاء فور طلبهم لها وبما يحقق لهم المنافع المستهدفة فوراً.

- التعلم الفوري والاستفادة الفورية بالمعلومات والخبرات التي تتحقق للمنظمة وأفرادها وتلك التي تحدث في المناخ المحيط.


- التكيف والتوافق الفوري مع المتغيرات وتعديل مواقف الإدارة وهيكلية المنظمة بسرعة.

- التنفيذ الفوري لما يتم تخطيطه من عمليات وإجراءات تهدف لتحقيق رغبات العملاء وتطبيق استراتيجيات المنظمة.

- الإدماج الفوري للموردين وشركاء سلسلة التوريد في عمليات المنظمة وربطهم بأهدافها واستراتيجياتها.

نبذ التتابع والأخذ بأسلوب العمل المتزامن بمعنى أن تتم أعمال وأنشطة مختلفة ومتكاملة في نفس الوقت. ويضيف إلى أهمية الأخذ بأسلوب التزامن ما طرأ من متغيرات جعلت المنافسة على الوقت وضرورة السبق في الوصول إلى الأسواق بالجديد من منتجات البحوث والتطوير. ويحقق التزامن في العمليات تفوقاً ملحوظاً في بتخفيض الوقت المستغرق في العمليات ومنع فترات الانتظار أو الحد منها.


استثمار رأس المال الفكري:

بينت إمكانيات تقنيات المعلومات والاتصالات وما تتيحه للمنظمات من فرص حجم التحدي الذي يواجه الإدارة المعاصرة في سعيها لاستثمار تلك الطاقات المعلوماتية والاتصالية من أجل تعظيم فرص تحقيق أهداف وغايات المنظمة.

وقد تأكدت الإدارة أن المورد البشري هو سبيلها لتحقيق تلك الغاية باعتباره في الأساس قدرة عقلية وإمكانيات فكرية ومصدر للمعلومات والأفكار والابتكارات لا بد من استثماره وتوظيفه في إدارة المعلومات أو "الإدارة بالمعلومات".

ونتيجة الاهتمام المتزايد باستغلال وتوظيف التقنيات الجديدة في تنمية القدرات التنافسية للمنظمات ، كان  لا بد للإدارة من إعادة صياغة علاقاتها بالمورد البشري ، ومن ثم تم الكشف عن مفاهيم جديدة تتناسب وعصر المعلومات والاتصالات ومنها "رأس المال الفكري" و " رأس المال البشري" و "عمال المعرفة"  و "إدارة المواهب" وكلها تركز على القيمة الخاصة بفكر البشر وقدراتهم الذهنية وإمكانياتهم في التعامل مع المشكلات واتخاذ القرارات، ومن ثم يصبح تفعيل نظم المعلومات ودعم اتخاذ القرار من أسس الإدارة الحديثة.

وتحقيقاً للاستثمار الأحسن للطاقات الذهنية والقدرات الفكرية للمورد البشري تتبنى الإدارة المعاصرة منهجية جديدة تقوم على المفاهيم التالية:

- المورد البشري قادر وراغب في المشاركة الفاعلة لحل مشكلات العمل وتطويره و تحمل مسئولياته  مما يرتب أهمية فتح مجالات المشاركة وقنوات الاتصال لاستثمار تلك الطاقات.

- أهمية تكامل عمليات إعداد وإدارة وتنمية الموارد البشرية في منظومة متجانسة تعكس الاهتمامات الإستراتيجية لمنظمة الأعمال ومتطلبات تطويرها.

- أهمية التزام جميع عمليات إدارة الموارد البشرية بقواعد ومعايير إدارة الجودة الشاملة.

- ضرورة تصميم إستراتيجية لإعداد وإدارة وتنمية الموارد البشرية وإدماجها في الإستراتيجية العامة.

- ضرورة تطبيق مفاهيم و أساليب "إدارة الأداء" بما تتضمنه من تحديد أهداف الأداء للفرد أو لجماعة العمل، وتوفير متطلبات ومستلزمات الأداء، ثم المتابعة والتقييم والمحاسبة على النتائج والإنجاز.

- أهمية وجدوى الاستثمار في زيادة الرصيد المعرفي للموارد البشرية واستثماره في تطوير الأداء. 

- أفضلية تعميق وتكثيف اهتمام القيادات الإدارية العليا بقضايا تنمية الموارد البشرية ورفع المستوى التنظيمي والإداري للمسئولين عنها.

 


التركيز في المجالات ذات القيمة المضافة الأعلى:

تتجه الإدارة المعاصرة إلى التركيز على الأنشطة ذات القيمة المضافة الأعلى وذلك لترشيد استثمار مواردها بما يعود بأعلى العوائد، وتلجأ الإدارة إلى التخلص من الأنشطة الأقل في القيمة المضافة وتعهد بها إلى منظمات أخرى. وتتركز الأنشطة الأعلى قيمة مضافة في الأنشطة المعرفية ذات المحتوى، ومن أمثلتها ما يلي:

- أعمال البحوث والدراسات وإعداد النظم والبرمجيات.

- أنشطة التطوير التقني بتطبيق آليات البحث والتطوير.

- أعمال التسويق والترويج والمبيعات وعلاقات العملاء.

- أنشطة الاستشارات المالية، القانونية، الإدارية.

- أعمال التخطيط الاستراتيجي، المتابعة وتقييم الأداء.

- أعمال التصميم، ضبط الجودة، وتطوير المنتجات.

ويلاحظ أن ما يساعد المنظمة في التخلص من الأنشطة الأقل قيمة مضافة هو توفر تقنيات المعلومات والاتصالات التي تجعلها على صلة مباشرة بالجهات التي يتم إسناد تلك الأنشطة إليها،  ومن يتحقق لها السيطرة عليها وكأنها لا تزال تباشرها بذاتها. ومن الأمثلة الشائعة الآن اتجاه كثير من المنظمات إلى التخلص من عمليات إدخال البيانات وإسنادها إلى مؤسسات متخصصة.



الاتجاه نحو اللامركزية:

يميل الفكر الإداري المعاصر لتبني نمط الإدارة اللامركزية للأسباب التالية:

- مواجهة متطلبات انتشار منظمات الأعمال في مختلف الأسواق لمواكبة المنافسة واستثمار الفرص الناشئة عن العولمة واتساع الأسواق.

- مقابلة متطلبات التنويع في مجالات النشاط لاستثمار الموارد المتاحة وإرضاء العملاء وتقديم تشكيلات متنوعة من المنتجات والخدمات وأيضاً مواجهة المنافسين.

- حتمية توفير المرونة في اتخاذ القرار وسرعة الاستجابة إلى طلبات العملاء والتعامل مع شكاواهم، وتلك جميعاً من المتطلبات الأساسية للنجاح في المنافسة السوقية.

- استثمار ما تتيحه التطورات في تقنيات المعلومات والاتصالات من إمكانيات لا محدودة لنقل وتبادل المعلومات وتحقيق التواصل المستمر بين عناصر المنظمات في جميع أنحاء العالم وبشكل آني.

- الاستفادة من طاقات وخبرات الهياكل البشرية من ذوي المعرفة، حيث لا يعود هناك مبرر لإتباع النمط المركزي في الإدارة الذي يحصر كافة الصلاحيات وعمليات اتخاذ القرار في قمة التنظيم.

- التوجه نحو تطبيق عمليات إعادة الهندسة وما يترتب عليها من تخفيض أعداد العاملين تأثير في دعم الاتجاه نحو اللامركزية.



الأنماط التنظيمية الجديدة المحابية للامركزية:

تبلور الاتجاه نحو اللامركزية في أنماط تنظيمية جديدة منها:

- تقسيم المنظمة إلى عدد من الوحدات شبه المستقلة يطلق عليها "وحدات الأعمال الإستراتيجية" (تختص كل منها بقطاع أو مجال من العمل ويكون للإدارة القائمة عليها حرية الحركة وحق اتخاذ القرار).

- التوسع في تكوين " فرق العمل ذاتية الإدارة " والتي تتمتع بسلطات واسعة في إنجاز ما يعهد إليها به من مهام.

- انتشار مفهوم "التمكين" ليدل على نمط تنظيمي يوفر للفرد القائم بالعمل مجال واسع من الصلاحية وحرية التصرف واتخاذ القرارات المناسبة لإنجاز المهام التي يختص بها، وتكون المحاسبة والمساءلة في جميع تلك الأنماط على أساس النتائج.

- تخفيض عدد المستويات التنظيمية وتوسيع نطاق الإشراف والرقابة اعتماداً على الكفاءة الأعلى للعاملين ذوي المعرفة، والقدرات القيادية الأفضل للقادة الإداريين الجدد الذين يديرون بمنطق التوجيه من بعد والمحاسبة على النتائج.

- تصميم الهياكل التنظيمية المرنة والتي تتكيف مع تغير الظروف، وفي جميع الأحوال يكون الهيكل التنظيمي أكثر تفلطحاً (نتيجة توسيع نطاق الصلاحية واللامركزية).